من جواهر الإسلام

نبي الله محمد.. من ذا الذي يجرؤ على المقارنة به؟!

ويبقي هذا هو محمد الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلي عبادة حقة.. بلا أنصاب ولا أزلام…

أ.د. زغلول النجار

محمدعاش رسول الله- صلي الله عليه وسلم- ثلاثة وستين عاما.. منها أربعون عاما قبل تلقي الوحي، قضاها في العبادة الفطرية، وثلاثة وعشرون عاما بعد البعثة الشريفة قضاها في الدعوة إلي دين الله، وفي العمل الدؤوب لإقامة شرع الله في الأرض، وفي الجهاد الصادق في سبيل الله.

وقد تحمل في سبيل تحقيق ذلك.. الهجرة من بلده، وخوض قرابة الثلاثين معركة، والستين سرية وبعثا، وواجه خلال ذلك من الصعوبات ما لا يعلمه إلا الله حتى أقام للإسلام دولة أضاءت الأرض بعد إظلامها، وأشاعت العدل والرحمة في ربوعها، ووصلت أهل الأرض بربها وصنعت واحدة من أعظم الحضارات في تاريخ الإنسانية لأنها كانت أطول وأكمل حضارة سجلها التاريخ لجمعها بين الدنيا والآخرة في معادلة واحدة وحققت رسالة الإنسان علي هذه الأرض كما يرتضيها الله – تعالي- من عباده، وامتدت من الصين شرقا إلي الأندلس غربا لذلك لم يملك كبار العلماء والفلاسفة والأدباء والشعراء والمؤرخين الغربيين والشرقيين من غير المسلمين إلا أن يشيدوا بهذه الشخصية الفذة والسوية التي مثلت الكمال الإنساني في أعلي صوره.

إقرأ أيضا:أبو الوفاء البوزجاني .. احتراف الابتكار في علوم الرياضيات

من ذا الذي يجرؤ؟!

وأضيف هنا جزءا مما قاله الفيلسوف والشاعر الفرنسي الشهير “لامارتين” في حق سيدنا محمد – صلي الله عليه وسلم- في كتابه المعنون (تاريخ العظماء) ما يلي: إن ثبات محمد وبقائه ثلاثة عشر عاما يدعو دعوته في وسط أعدائه في قلب مكة ونواحيها، ومجامع أهلها، وإن شهامته وجرأته وصبره فيما لقيه من عبدة الأوثان، وإن حميته في نشر رسالته، وإن حروبه التي كان جيشه فيها أقل من جيش عدوه، وإن تطلعه إلي إعلاء الكلمة، وتأسيس العقيدة الصحيحة لا إلي فتح الدول وإنشاء الإمبراطوريات، كل ذلك أدلة علي أن محمدا كان وراءه يقين في قلبه وعقيدة صادقة تحرر الإنسانية من الظلم والهوان، وإن هذا اليقين الذي ملأ روحه هو الذي وهبه القوة علي أن يرد إلي الحياة فكرة عظيمة وحجة قائمة حطمت آلهة كاذبة، ونكست معبودات باطلة، وفتحت طريقا جديدا للفكر في أحوال الناس، ومهدت سبيلا للنظر في شؤونهم، فهو فاتح أقطار الفكر، ورائد الإنسان إلي العقل، وناشر العقائد المحررِّة للإنسان ومؤسس دين لا وثنية فيهتز.. درستُ حياة رسول الله محمد دراسة واعية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود، ومن ذا الذي يجرؤ علي تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟!

محمد.. الرسول والمشرع والفاتح ومصلح العقائد

لامارتينومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه عند النظر إلي جميع المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان؟! إن سلوكه عند النصر وطموحه الذي كان مكرسا لتبليغ الرسالة وصلواته الطويلة وحواره السماوي هذه كلها تدل علي إيمان كامل مكنه من إرساء أركان العقيدة. إنه الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد الأخرى الذي أسس عبادة غير قائمة علي تقديس الصور.

إقرأ أيضا:الأخلاق.. دراسة وتحليل لأسباب التراجع والانحدار (31)

 لقد هدم هذا الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق وإذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية، والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء البشرية بنبي الإسلام في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانيهم.

لكن هذا الرجل لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ، ليس هذا فقط بل إنه قضي علي الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة، لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر..

 كان طموح هذا النبي موجها بالكلية إلي هدف واحد, فلم يطمح إلي تكوين إمبراطورية أو ما إلي ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته، وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل علي الغش والخداع بل يدل علي اليقين الصادق الذي أعطي النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة عظيمة.. ويبقي هذا هو محمد الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلي عبادة حقة.. بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو نبي المسلمين.

إقرأ أيضا:في ذكرى مولده (4).. مكانة الأطفال في حياة خير البشر

وبالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية.. أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد ؟. ولو استطاع المسلمون أن يجمعوا مثل هذه الأقوال المنصفة في حق رسول الله- صلي الله عليه وسلم- والتي سجلها عدد كبير من العلماء والفلاسفة والشعراء والأدباء والمؤرخين من غير المسلمين وأن يطبعوها في كتيب أنيق بلغاتها الأصلية.. وأن يضعوا هذا الكتيب في مختلف الأماكن العامة لأصبح ورقة دعوة راقية للإسلام ولرسوله العظيم- صلي الله عليه وسلم-.

نحن بحاجة لأن نطور من وسائلنا الدعوية بما يتناسب مع روح العصر بدلا من الاندفاع بالعواطف وراء بعض الدعايات المغرضة دون فهم حقيقي للأساليب الناجعة في الدفاع عن دينهم ومقدساتهم في عالمنا المعاصر الذي يعج بالفتن المختلفة.

السابق
الصلاة .. روح المقاصد الشعائرية في الإسلام
التالي
الورق القرآني.. مُتعة التفكير الحرّ الذي كبَّلته النمطية!