سورة (يس) هي السورة السادسة والثلاثون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة الحادية والأربعون في ترتيب النزول، وعدد آياتها ثلاث وثمانون آية. وهي مكية بالإجماع.
تسميتها
سميت هذه السورة (يس) بمسمى الحرفين الواقعين في أولها في رسم المصحف؛ لأنها انفردت بهما؛ فكانا مميزين لها عن بقية السور، فصار منطوقهما عَلَماً عليها. وكذلك ورد اسمها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى أبو داود عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا يس على موتاكم) قال الألباني: ضعيف. وبهذا الاسم عنون البخاري والترمذي في كتابي التفسير.
مقاصدها
سورة (يس) تضمنت تقرير الأصول الثلاثة: الوحدانية، والرسالة، والحشر، بأقوى البراهين. فجاءت فاتحتها ببيان الرسالة، بقوله سبحانه: {إنك لمن المرسلين} (يس:3). وجاءت خاتمتها ببيان الوحدانية والحشر؛ فقوله عز وجل: {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء} (يس:83) إشارة إلى التوحيد. وقوله تعالى: {وإليه ترجعون} (يس:83) إشارة إلى الحشر. قال البقاعي: “وليس في هذه السورة إلا هذه الأصول الثلاثة ودلائلها، ومن حصل من هذا القرآن هذا القدر، فقد حصل نصيب قلبه، وهو التصديق الذي بالجنان. وأما الذي باللسان، والذي بالأركان، ففي غير هذه السورة”.
إقرأ أيضا:مقاصد سورة القصصوقال ابن عاشور: “قامت السورة على تقرير أمهات أصول الدين على أبلغ وجه وأتمه من إثبات الرسالة، والوحي، ومعجزة القرآن، وما يعتبر في صفات الأنبياء، وإثبات القَدَر، وعلم الله، والحشر، والتوحيد، وشكر المنعم -وهذه أصول الطاعة بالاعتقاد والعمل، ومنها تتفرع الشريعة- وإثبات الجزاء على الخير والشر، مع إدماج الأدلة من الآفاق والأنفس بتفنن عجيب، فكانت هذه السورة جديرة بأن تسمى (قلب القرآن)؛ لأن من تقاسيمها تتشعب شرايين القرآن كله، وإلى وتينها ينصب مجراها”. (الوتين: عرق يتعلق به القلب، إذا انقطع مات صاحبه).
وقد ذكر الفيروز آبادي أن السورة اشتملت على جملة من المقاصد، هي: “تأكيد أمر القرآن، والرسالة، وإلزام الحجة على أهل الضلالة، وضرب المثل، وبيان البراهين المختلفة في إحياء الأرض الميتة، وإبداء الليل والنهار، وسير الكواكب، ودوران الأفلاك، وجري الجواري المنشآت في البحار، وذلة الكفار عند الموت، وحيرتهم ساعة البعث، وسعد المؤمنين المطيعين، وشغلهم في الجنة، وتميز المؤمن من الكافر يوم القيامة، وشهادة الجوارح على أهل المعاصي بمعاصيهم، والمنة على الرسول صلى الله عليه وسلم بصيانته من الشعر ونظمه، وإقامة البرهان على البعث، ونفاذ أمر الحق، وكمال ملك ذي الجلال على كل حال”.
وعلى الجملة يمكن ذكر مقاصد هذه السورة وفق التالي:
– التحدي بإعجاز القرآن بالحروف المقطعة، وبالقَسَم بالقرآن؛ تنويهاً به، ووصفه بـ {الحكيم} إشارة إلى بلوغه أعلى درجات الإحكام.
إقرأ أيضا:مقاصد سورة الدخان– أَوْلَت السورة أهمية لبناء أسس العقيدة؛ فتعرضت لطبيعة الوحي، وصدق الرسالة منذ افتتاحها، ولقضية الألوهية والوحدانية، واستنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن، الذي جاء من أقصى المدينة ساعياً؛ ليحاج قومه في شأن المرسلين.
– تحقيق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وتفضيل الدين الذي جاء به في كتاب منزل من الله؛ لإبلاغ الأمة الغاية السامية، وهي استقامة أمورها في الدنيا، والفوز في الآخرة.
– وصف إعراض أكثر مشركي قريش عن تلقي الإسلام، وتمثيل حالهم الشنيعة، وحرمانهم من الانتفاع بهدي الإسلام، وأن الذين اتبعوا دين الإسلام، هم أهل الخشية، وأن الإسلام هو الدين الموصوف بالصراط المستقيم.
– ضرب المثل لفريقي المتبعين والمعرضين من أهل القرى بما سبق من حال أهل القرية، الذين شابه تكذيبهم الرسل تكذيب قريش، وكيف كان جزاء المعرضين من أهلها في الدنيا، وجزاء المتبعين في الآخرة. إضافة إلى ضرب المثل بالأعم، وهم القرون الذين كذبوا، فأهلكوا.
– التذكير بأعظم حادثة حدثت على المكذبين للرسل والمتمسكين بالأصنام من الذين أرسل إليهم نوح عليه السلام منذراً لهم، فهلك من كذب، ونجا من آمن.
– ذكر جملة من الآيات الكونية التي بثها سبحانه في الكون، والامتنان على عباده بالنعمة التي تتضمنها تلك الآيات. وبيان دلالة تلك الآيات والنعم على تفرد خالقها ومنعمها بالوحدانية؛ إيقاظاً للعباد من غفلتهم، وإرشاداً لهم للافتكار والاعتبار.
إقرأ أيضا:مقاصد سورة الرعد– وجهت السورة نداء الحسرة على العباد، الذين ما يفتؤون يكذبون كل رسول، ويستهزئون به، غير معتبرين بمصارع المكذبين، ولا متيقظين لآيات الله في الكون، وهي كثيرة.
– ذكر دلائل التوحيد المشوبة بالامتنان؛ للتذكير بواجب الشكر على النعم بالتقوى والإحسان وترقب الجزاء. والإقلاع عن الشرك والاستهزاء بالرسول عليه الصلاة والسلام، واستعجال وعيد العذاب، والتحذير من حلوله بغتة حين يفوت التدارك.
– بينت السورة أن الإنذار إنما ينفع من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب، فاستعد قلبه لاستقبال دلائل الهدى وموحيات الإيمان.
– التذكير بما عهد الله إلى عباده مما أودعه في فِطَرهم من قابليات واستعدادات.
– الاستدلال على عداوة الشيطان للإنسان، والإرشاد إلى اتباع دعاة الخير.
– نفت السورة أن يكون ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم شعر، ونفت عن الرسول كل علاقة بالشعر أصلاً.
– النعي على المشركين اتخاذهم آلهة من دون الله، يبتغون عندهم النصر، وهم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة المدعاة.
– تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لا يحزنه قول الذين أشركوا، وأن له بالله أسوة، إذ خلقهم، فعطلوا قدرته عن إيجادهم مرة ثانية، ولكنهم راجعون إليه، لا مفر لهم من ذلك.
– القضية التي اشتد عليها التركيز في السورة، وترددت في مواضع كثيرة منها، هي قضية البعث والنشور؛ وذلك بغرض الاستدلال على تقريب البعث وإثباته، وتذكير العباد بالنشأة الأولى من نطفة؛ ليروا أن إحياء العظام وهي رميم كتلك النشأة ولا غرابة.