صفات الله

معنى التفويض والتأويل

معنى التفويض والتأويل

التفويض مصدر فوّض إليه الأمر يفوّضه بمعنى صيّره إليه وجعله الحاكم فيه[1].  ومنه قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: ﴿وأفوض أمري إلى الله﴾ [غافر:44] ومن دعائه ^: “وفَوَّضْتُ أمري إليك” يعني رددته إليك. والمتكلمون يعنون بالتفويض في صفات الله تعالى ما ينسبونه إلى السلف من الكف عن تفسيرها الذي يدل على معناها . فهم – على قول المتكلمين – لا يعلمون معانيها ، وأنهم في فهم هذه الصفات كالأعجمي الذي لا يعرف من معناها إلا مجرد سماع ألفاظها . ومن أجل ذلك فوضوا العلم بها إلى الله تعالى . ولا شك أن هذا تجهيل لسلف الأمة الذين هم أعلم الخلق بربهم سبحانه . وهو أيضا اتهام للنبي ^ بأنه لم يبين للصحابة ما أنزل الله عليه . ولا يوجد نص عن أحد من الصحابة أو التابعين أو من بعدهم من السلف الصالحين يقول في صفة من صفات الله تعالى : أنا لا أعلم معناها أو إنني أفوض معناها إلى الله تعالى . بل كانوا يقولون : “أَمِرُّوها كما جاءت” ولا يتحرجون من وصف الله عز وجل بشيء منها .

وأما التأويل فهو مصدر من الأَوْل وهو الرجوع ، والمآل : المرجع . والأوّل إنما كان أوّلا للابتداء به ورجوع ما بعده إليه . وآل الرجل هم من يؤول – يرجع – إليه [2]. وقوله تعالى: ﴿لن يجدوا من دونه موئلا﴾ [الكهف : 58] أي مرجعا.

إقرأ أيضا:نزوله – سبحانه – ومجيئه

ويطلق التأويل في اللغة على ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال . وبهذا المعنى وردت كلمة التأويل في الكتاب الكريم كما قال تعالى :﴿ذلك خير وأحسن تأويلا﴾ [النساء : 59] ﴿ولما يأتهم تأويله﴾ [يونس :39] ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون إلا تأويله..﴾ [الأعراف :52-53] وتأويل القرآن هو مجيء ما أخبر به من القيامة وأشراطها كالدابة ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ومجيء ربك والملك صفا صفا ومجيء الصحف والموازين والجنة والنار وأنواع النعيم والعذاب . وحين يجيء هذا التأويل يقولون كما أخبر الله تعالى عنهم : ﴿يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل﴾ [الأعراف : 53] . ولذلك قال تعالى :﴿وما يعلم تأويله إلا الله﴾ [آل عمران :7] ، كما قال :﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾ [السجدة : 17] ، ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله﴾ [يونس : 39].

ومن ذلك قول يعقوب عليه السلام : ﴿كذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث﴾ [يوسف : 6] ، وقول يوسف عليه السلام : ﴿لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله﴾ [يوسف : 37] وقول الملأ للملك : ﴿أضغاث أحلام ، وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين﴾ [يوسف : 44] ، وقوله لما دخل عليه أهله في مصر : ﴿يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا﴾ [يوسف :100] . فتأويل الأحاديث التي هي الأحلام هو نفس مدلولها الذي تؤول إليه كما قال: ﴿لا يأتيكما طعام ترزقانه﴾ يعني في المنام ﴿إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما﴾ يعني قبل أن يأتيكما التأويل.

إقرأ أيضا:التأويل فرع عن التشبيه

وفي قصة موسى عليه السلام مع العالم : ﴿قال هذا فراق بيني وبينك ، سأنبؤك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا﴾. وبعد أن أخبره به قال : ﴿ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا﴾ [الكهف : 78-82].

وقال تعالى :﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلا﴾ [النساء : 59] أي أحسن عاقبة ومصيرا . فالتأويل هنا تأويل فعلهم الذي هو الرد إلى الكتاب والسنة ، والتأويل في سورة يوسف تأويل أحاديث الرؤيا ، والتأويل في سورة الكهف تأويل أفعال العالم وفي الأعراف ويونس وآل عمران هو تأويل القرآن .

وقد يَرِدُ التأويل في كلام أهل العلم من السلف بمعنى التفسير كما يقول الحافظ ابن جرير الطبري رحمه الله : القول في تأويل قول الله تعالى كذا ، وذلك عند تفسيره للآيات . وعلى هذا نفهم قول مجاهد ابن جبر – تلميذ ابن عباس – الذي يقول بأن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه يعني يعلمون تفسيره فإن المتشابه هو ما يحتمل معنيين ويدخل فيه المجمل والمطلق والعام والمنسوخ ، فأهل العلم يعلمون تفسيره الذي هو التفصيل والتقييد والتخصيص والنسخ .

وأما عند المتأخرين من الفقهاء وعلماء الأصول والمتكلمة والصوفية فالتأويل هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر المتبادر منه إلى معنى آخر محتمل مرجوح لدليل . ولا يخلو هذا من ثلاث حالات :

إقرأ أيضا:معجم صفات الله عز وجل _ الجزء الثاني

1.   إما أن يصرف عن ظاهره المتبادر منه بدليل صحيح من الكتاب أو السنة . وهذا صحيح مقبول لا نزاع فيه . فقوله ^ :”الجار أحق بصقبه” يدل بظاهره على ثبوت الشفعة للجار الذي هو المجاور لصاحب البستان ، ولكن النبي ^ بنفسه بيّن ما يقتضي معنى آخر محتمل غير هذا وذلك في قوله ^ :”فإذا ضُربت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة” فأثبت الشفعة للجار الذي هو الشريك المقاسم دون الجار المجاور . ويسمى مثل هذا تأويلا صحيحا وتأويلا قريبا . ولا مانع منه إذا دلّ عليه النص .

2.  الثاني : صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه بدليل ضعيف أو اجتهاد خاطئ كتخصيص بعض العلماء حديث :”أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل” بالأمة المكاتبة ، وقالوا لا مانع من أن تُنكح المرأة نفسها إذا كانت حرة . فأولوا المرأة بالمكاتبة اجتهادا . وهذا التأويل خطأ لورود الحديث بصيغة العموم المؤكَّدة بما الزائدة “أيما” .

3.  الثالث : حمل اللفظ على غير ظاهره بدون دليل. وهذا تلاعب بكتاب الله تعالى يفعله كثير من الطوائف المبتدعة في صفات الله تعالى لما توهموه في عقولهم من مشابهة صفات الخالق بصفات المخلوقين كما يفعلونه في مسائل القضاء والقدر وغيرها . وهو تهجم على كلام رب العالمين . والقاعدة المعروفة عند علماء السلف : أنه لا يجوز صرف شيء من كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله ^ عن ظاهره إلا بدليل يجب الرجوع إليه .[3]

—————————————

[1] لسان العرب للعلامة أبي الفضل جمال الدين ابن منظور الإفريقي ، دار صادر ، ط. السادسة ، 1417هـ/1997م ، 7/210 .

[2] المصدر السابق 11/32 والقاموس المحيط للعلامة اللغوي مجد الدين محمد بن يغقوب الفيروزآبادي ، تحقيق مكتبة التراث في مؤسسة الرسالة ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط. الثانية ، 1407هـ/1987م ، ص839 .

[3] منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، من مطبوعات الجامعة الإسلامية ، 1400 ، ص 18-19.

السابق
إثبات معية الله مع خلقه وقربه من عباده
التالي
عقيدة السلف هي الإثبات، لا التفويض ولا التأويل