منزلة الصلاة في الإسلام
إنّ للصلاة فضلاً عظيماً، والمحافظة على أدائها في أول وقتها من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، وهي سببٌ في استقامة العبد على أوامر الله تعالى؛ حيث تنهى المحافظ عليها عن الفحشاء والمنكر، قال اللَّه تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْـمُنكَرِ)،[١] وهي أفضل الأعمال التعبّدية عند الله تعالى بعد الشهادتين، وبسبب المحافظة عليها تُغسل الخطايا وتُكفّر السّيئات، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مثلُ الصلواتِ الخمسِ كمثلِ نهرٍ جارٍ غَمْرٍ على بابِ أحدِكم، يغتسلُ منهُ كل يومٍ خمسَ مراتٍ)،[٢] وهي نورٌ وهدايةٌ وحُجّةٌ لصاحبها في الدنيا والآخرة عند لقاء الله تعالى؛ لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مَن حافَظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يومَ القيامة)،[٣] وقد عمّ خيرها ليشمل الأجر تلك الخطوات التي يخطوها المسلم إليها؛ ليؤدّيها في بيوت الله تعالى، حيث جاء في الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (من تطهَّر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت اللَّه؛ ليقضي فريضة من فرائض اللَّه، كانت خَطْوَتاه إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة).[٤]، ورغم كلّ هذا الفضل فإنّ بعض المسلمين يتركونها ويفرّطون في أدائها، فما حكم تارك الصلاة، وما مصيره؟
إقرأ أيضا:هل التمثيل حرامحكم تارك الصلاة ومصيره
إنّ أداء الصلاة واجبٌ على كلّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ باتّفاق الأمة؛ فهي مفروضةٌ عيناً، بل إنّها من أوجب فرائض الإسلام، ولا يصحّ لمسلمٍ أن يقصّر في أدائها، أو يفرّط في إقامتها؛ فيتركها مرّة ويصليها أخرى، وللعلماء في حكم تارك الصلاة بيانٌ وتفصيلٌ ينبني عليه مصير تارك الصلاة في الدنيا والآخرة، وبيان ذلك:[٥]
- أجمع الفقهاء على أنّ من ترك الصلاة؛ إنكاراً لفرضيتها، وجحد بها فهو كافرٌ كفراً مخرجاً من ملّة الإسلام، ولا يعدّ مسلماً، بل قال العلماء: إنّه يُستتاب لعلّه يعود ويتوب، وإلّا حُكم عليه بالردّة وقُتِل بردّته وجحوده لفريضة الصلاة.
- مَن ترك الصلاة عامداً ومتكاسلاً من غير عُذر، ولكنّه لم ينكر وجوبها، فقد اختلف الفقهاء في أمره:
- منهم من قال إنّه ينزّل منزلة الفاسق، وهو بذلك مرتكب لكبيرةٍ من أعظم الكبائر، لكنّه لا يُحكمُ بكفره.
- منهم من رأى أنّه كافرٌ، وخارجٌ من ملّة الإسلام، مستندهم في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ).[٦]
- مصير الذي يترك الصلاة حجوداً ونكراناً لها؛ أنّه لا يُغسّل ولا يُكفّن ولا يصلى عليه؛ فهو كافرٌ مرتدٌّ، ومستند ذلك قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)،[٧] ولقوله تعالى: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ).[٨][٩] كما أنّه إن كان له زوجةٌ انفسخ زواجه منها، ولا يحلّ أكل ذبيحته، ولا يُقبل منه طاعةٌ، ويمنع من دخول الحرم.[١٠]
- أمّا إذا كان تركه للصلاة تكاسلاً أو تهاوناً مع إقراره بوجوبها فالاختلاف في مصيره عند أهل العلم تبَعٌ لاختلافهم في الحكم عليه، وذلك على النحو الآتي:[٩]
- ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ كفره يعدّ كفراً أكبر؛ فلا يُغسّل ولا يُصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم، وغاية الأمر أنْ يوارى التراب كما يفعل بمن مات من الكفار.
- مذهب جمهور الفقهاء فيه أنّه كافرٌ كفراً أصغراً، ومرتكبٌ لكبيرةٍ لا يخرج بسببها من الملّة، فهو يُغسّل ويُكفّن ويُصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين.
- حكم مرتكب الكبيرة عند أهل السنّة والجماعة إن تاب، فإنّ الله يتوب عليه؛ فالتَّوبة تَجُبُّ ما كان قبلها، قال تَعالى : (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)،[١١] وأمّا إن مات مصرّاً على فعل الكبائِر، فهو تحت مشيئة الله -عزّ وجلّ- إن شاء عذَّبه بالنار ثُم أخرجُه منها، وأدخله الجنّة، وإن شاء -سبحانه وتعالى- غَفَرَ له وأدخله الجنّة دون عقاب.[١٢]
خطورة ترك الصلاة
جدير بالمسلم أن يحذر من التفريط في أداء الصلاة، أو تركها، وعلى المسلم أن يعلم:[١٣]
إقرأ أيضا:ما هي شروط العدة للأرملة- أنّ التكاسل عن أداء الصلاة من صفات المنافقين التي لا تنفكّ عنهم، قال الله تعالى في شأنهم: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)،[١٤] وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ولقد رأيتُنا وما يتخلَّفُ عنها إلا منافقٌ، معلومُ النفاقِ)،[١٥] على العكس من أهل الإيمان الذين هم في صلاتهم خاشعون، وعليها يحافظون.
- أنّ أداء العبد للصلاة هو أوّل ما يبدأ به الحساب عند لقاء الله يوم القيامة، فقد جاء في الحديث عن النبيّ عليه الصلاة والسلام: (إنَّ أوَّلَ ما يحاسبُ بِه العبدُ يومَ القيامةِ من عملِه صلاتُه فإن صلحت فقد أفلحَ وأنجحَ وإن فسدت فقد خابَ وخسرَ).[١٦]
- أنّ الله -عز وجلّ- توعّد من يُفرّط في الصلاة بعذابٍ شديدٍ في النار، قال الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ).[١٧]
- إنّ الذين يتثاقلون عن أداء الصلاة سترضخ رؤوسهم بالصخر يوم القيامة، حيث جاء في حديث مشاهدات النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في حادثة المعراج عن حال الذين يتثاقلون عن أداء الصلوات المكتوبة؛ فقال: (ثمَّ أتى على قَومٍ تُرضَخُ رؤوسُهم بالصَّخرِ، كلَّما رُضِخَت عادت كما كانَت، ولا يُفتَّرُ عنهُم من ذلِكَ شيءٌ، قالَ: يا جبريلُ، مَن هؤلاءِ؟ قالَ: هؤلاءِ الَّذينَ تَثاقَلت رُؤوسُهم عنِ الصَّلاةِ المَكْتوبةِ)