الوضوء
الوُضوء هو الأساس الذي تُبنى عليه الصّلاة؛ فإن صحَّ الوضوء صحَّت الصّلاة، وإن فسد فقد فسدت الصّلاة، وذلك لأنّ الوضوء شرطٌ في صحّة الصّلاة، لذلك ينبغي على المُسلم أن يَعي جيّداً كيفيّة الوضوء الصّحيح حتّى لا يقع في المَحضور وتبطُل صلاته بعد تعبٍ وعناء، ويمكن ألّا يعلم هو ببطلانها، ويعود الدّور في اعتبار الوضوء صحيحاً أو خاطئاً إلى التزام المُتوضِّئ بأركان وشروطه.
معنى الوضوء
الوضوء لغةً من الوضاءة، أي: الحُسن والنَّظافة، والوَضوء (بالفتح ): الماء الذي يُتَوَضأ به، وقيل: المصدر (الوُضوء) بالضمّ. أما الوضوء في اصطلاح الفقهاء فقد عُرّف بعدّة تعريفات منها:
- عرّفه الشافعيّة بأنّه استعمال الماء في أعضاءٍ مخصوصةٍ مُفتَتَحاً بالنِّيَة.
- وعرَّفه الحنفيّة: الوضوء هو الغُسلُ والمَسْحُ على أعضاءٍ مَخصوصةٍ.
- وعرّفه المالكيّة بأنَّه تطهير أعضاءٍ مَخصوصةٍ بالماء لتُنَظَّف وتُحَسَّن، ويُرفع حكم الحدث عنها؛ لتُستَباحُ بها العبادة الممنوعة من قبل.
- وعرّفه الحنابلة بأنَّه استِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ؛ وَهِيَ الْوَجْهُ، وَالْيَدَانِ، وَالرَّأْسُ، وَالرِّجْلَانِ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي الشَّرْعِ، بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً مَعَ بَاقِي الْفُرُوضِ والشّروط.
حكم الوضوء
يكون الوضوء فرضاً في الحالات الآتية:
إقرأ أيضا:لماذا لحم الإبل ينقض الوضوء- الصَّلاة: اتّفق الفقهاء على أنَّ الوضوء فرضٌ على المُحْدث إذا إراد القيام بالصّلاة؛ سواء كانت الصّلاة فرض أم نافلة، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (لا تُقبل صلاة بغير طُهور).
- الطّواف: ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة،[٨] والشافعيّة، والحنابلة، إلى أنّ الوضوء فرضٌ للطّواف، سواء كان الطّواف فرضاً أم نافلةً؛ لقول النّبي عليه الصّلاة والسّلام :(الطّواف حول البيت مثل الصّلاة، إلا أنّكم تتكلّمون فيه، فمن تكلّم فيه فلا يتكلّمن إلا بخير). وذهب الحنفيّة إلى أنّ الوضوء للطّواف واجب.
- مَسّ المُصحف: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الوضوء فرضٌ لمَسّ المصحف؛ لقوله عزَّ وجلَّ: (لا يَمسّه إلا المُطهَّرون).
كيفيّة الوضوء الصّحيح
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).[١٥]
يتبيّن من الآية الكريمة أنّ هناك عدّة خطوات يجب على المُسلم أن يقوم بها عند الوضوء، وهي على التّرتيب كالآتي:
إقرأ أيضا:هل التدخين يبطل الوضوء- عندما يريد أن يتوضّأ عليه أن ينوي بقلبه الوضوء، ثمّ يقول: (بسم الله).
- يقوم بغسل كفّيه ثلاث مرّات.
- يتمضمض ثلاث مرّاتٍ أيضاً، وذلك عن طريق وضع الماء في فمه ثمّ إخراجه.
- يستنشق ثلاث مرّات وهو يجذب الماء عن طريق النَّفَس إلى الأنف، ثمّ يستنثر الماء، فقد قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام :(وبالغ في الاستنشاق إلّا أن تكون صائماً).
- يغسل الوجه كاملاً ثلاث مرّات، وحدود الوجه هي منابت شعر الرّأس إلى آخر الذّقن، ومن الأذن إلى الأذن الأخرى، وإن كان بالوجه شعرٌ أو لحيةٌ خفيفةٌ وجب غسلها وما تحتها من البشرة، وإن كان الشّعر كثيفاً وجب غسل ظاهره.
- يغسل اليدين إلى المَرافق ثلاث مرّات، ويبدأ باليمين أوّلاً.
- يمسح رأسه مرّةً واحدةً.
- يمسح أذنيه مرّةً واحدةً.
- يغسل الرّجلين إلى الكعبين ثلاث مرّات مع تخليل المياه بين الأصابع.
- بعد أن ينتهي من الوضوء عليه أن يقول: (أشهد أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، اللهمّ اجعلني من التوّابين، واجعلني من المتطهّرين)
فرائض الوضوء
فرائض الوضوء التي لا يكون الوضوء صحيحاً إلا بها وهي:
- النّية: وهي أن يقصد القلب فعل العبادة تقرُّباً إلى الله عزَّ وجلَّ دون شيء سواه من المخلوقات، والنّية واجبةٌ على العبد، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوبها، وأنَّ العمل لا يصحّ إلا بها، ووقت النّية في الوضوء قبل غسل اليدين ثلاثاً.
- غسل الوجه: اتّفق الفقهاء على أنّ غسل ظاهر الوجه بكامله مرّةً فرض من فروض الوضوء؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).
- غسل اليدين إلى المِرفقين: اتّفق الفقهاء على أنّ غسل اليدين إلى المِرفقين ركن من أركان الوضوء وفرض من فروضه.
- مسح الرّأس: اتّفق الفقهاء على أنّ مسح الرّأس في الوضوء من أركانه وفرض من فروض الوضوء.
- غسل الرّجلين إلى الكعبين.
- التّرتيب: والمراد بالتّرتيب أن يأتي بالطّهارة عضواً بعد عضو، كأن يغسل الوجه ثم اليدين إلى المِرفقين.
- المُوالاة: هي غسل الأعضاء على سبيل التّعاقب بحيث لا يجف العضو الأول قبل الشّروع في الثّاني.
سنن الوضوء
- التّسمية: فيُسنُّ ابتداءُ الوضوء بالتّسمية، وقد اختلف الفقهاء في حُكم التّسمية في أول الوضوء: هل هي مُستَحبَّةٌ أم سنةٌ؟ فذهب جمهور الفُقهاء من الحنفيّة، والشافعيّة، وأحمد في روايةٍ إلى أنّها سُنّة من سُنن الوضوء، وذهب المالكيّة في المشهور إلى أنّها مُستحبّة . وقيل: إنّها غير مشروعةٍ وإنّها تُكره، وفي روايةٍ أُخرى للحنابلة أنّها واجبةٌ.
- غسل اليدين إلى الرُّسغَين: ذهب الفُقهاء إلى أنّه يُسَنُّ غسل اليدين الطّاهرتين إلى الرُّسغَين في ابتداء الوضوء؛ لما ورد من صفةِ وضوئه -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه: (دعا بإناءٍ فأفرَغَ على كفَّيه ثلاث مرّات فغسَلَهُما، ثم أدخل يمينه في الإناء).
- المضمضة: اختلف الفقهاء في حُكم المضمضة في الوضوء إلى فريقين: فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المَضمَضَة في الوضوء سُنَّة، وذهب الحنابلة إلى أنَّ المضمضة في الوضوء واجبة.
- الاستنشاق: اختلف الفُقهاء أيضاً في حكم الاستنشاق في الوضوء: فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الاستنشاق في الوضوء سُنّة، وذهب الحنابلة إلى أنّ الاستنشاق في الوضوء فرض أو واجب.
- الاستنثار: وهو طرحُ الماء من الأنف بالنَّفَس، وقد اتَّفَق الفقهاء على سُنِّيَة الاستنثار في الوضوء؛ لقوله عليه الصّلاة والسّلام: (استنشقت فانتثر).
- مسح كلّ الرّأس: ذهب الحنفيّة والشافعيّة إلى أنَّ مسح جميع الرَّأس سُنَّةٌ من سنن الوضوء، بينما ذهب المالكيّة في المشهور عندهم والحنابلة والمُزَنِيّ من الشَافعيّة إلى أنَّ مسح جميع الرّأس فرض.
- مسح الأذنين: اختلف الفقهاء في حُكم مسح الأُذُنَين؛ فذهب الحنفيَّةُ والمالِكَّيةُ على المشهور والشافعيّة إلى أنَّ من سنن الوضوء مسح الأذنين ظاهِرُهُما وباطِنُهُما؛ لفعل النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- كما ثبتَ عنه، وذهب جمهور إسحق بن راهويه إلى أنَّ مسح الأُذنين واجب لا سُنَّة.
- تخليل اللّحية وشَعر الوجه: اتّفق الفقهاء على أنَّه يُسَنُّ تخليل اللّحية وسائر شعر الوجه في الوضوء، وأوجبت طائفةٌ بَلَّ أُصولِ شَعْرِ اللّحية، وأوجب بعضهم غَسْلَ بَشَرَة موضع اللّحية، ومن هؤلاء عطاء بن أبي رباح الذي قال بوجوب بَلِّ أُصولِ شعر اللّحية، ووافقه سعيد بن جبير وأبو ثور وغيرهم من التّابعين.
- تخليل أصابع اليدين والرّجلين.
- التّثليث: وهو غسل الأعضاء ثلاثاً ثلاثاً، وقد اتَّفق الفُقَهاء على أنّه سُنَّة، واعتبره المالكيّة من فضائل الوضوء، والأعضاء التي تُغسَلُ ثلاثاً هي الكَفَّين والوجه والذِّراعَين، ومن السُّنة كذلك التّثنية في غسل الأعضاء سالفة الذّكر، ولكنّ الثّلاث أكمل.
- الاستياك (استعمال السّواك): ويُطلَق على العود الذي يُستاكُ به وعلى الاستياك نفسه، وهو تدَليكُ الأسنان بذلك العود أو نحوه من كل خَشِنٍ تُنَظَّفُ به الأسنان، وخير ما يُستاكُ به عود الأراك الذي يُؤتى به من الحِجاز؛ لأنّ من خواصِّه أنّه يَشُدَّ اللِّثَة، ويَحولَ دون مرض الأسنان، ويُقوّيَ على الهضم، ويُدِرَّ البَول، وإن كانت السُّنَة تَحصُل بكل ما يُزيلُ صُفرَة الأسنان ويُنَظِّف الفَم كالفرشاة ونحوها.
- عدم الإسراف في استعمال الماء
- التّيامن: فهو من سنن الوضوء وهو خاصٌّ بالأعضاء الأربعة فقط، وهما اليدان والرّجلان؛ يُبدأ باليد اليُمنى ثمّ اليُسرى، والرّجل اليُمنى ثمّ اليُسرى، أمّا الوجه فالنُّصوص تدلّ على أنّه يُغسل مرّةً واحدةً، ومعنى ذلك أنّه لا يُغسَلُ الجانب الأيمن أولاً ثمّ الأيسر، وإنّما يُغسَلُ مرّةً واحدةً، وكذلك الرّأس، والأذنان يُمسَحان مَرَّةً واحدة لأنّهما عُضوان عن عضو واحد فهما داخلان في مسح الرّأس.
- إطالة الغُرَّةِ والتّحجيل: وهي الزّيادة في غسل أعضاء الوضوء على محلّ الفرض