الصّلاة
للصّلاة منزلةٌ عظيمةٌ في الإسلام وقدرٌ رفيعٌ لم تبلغه فريضةٌ أُخرى، فهي الرّكن الثّاني من أركان الإسلام التي بُني عليها، وقد أوجب الله الصّلاة على كل مسلم بالغٍ عاقلٍ، ذكراً كان أو أنثى، ثمَّ جعل إقامتها في المسجد خلف الإمام من أَحَبِّ السُّنَنِ وأفضلها، وتوعّد من ترك الصّلاة بالكليّة بعذابٍ شديد، ثم جعل لصلاة الجماعةِ فضلاً خاصّاً؛ فهي تفوق صلاة الفرد بسبعٍ وعشرين درجة أو خمسٍ وعشرين درجة، حيث رُوِيَ في الصحيح عن المُصطفى – عليه الصّلاة والسّلام – قوله: (صلاةُ الجماعةِ تَفضُلُ صلاةَ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين دَرَجَةً)،[١] وقد التزم رسول الله – عليه الصّلاة والسّلام – بأداء الصّلاة جماعةً منذ أن فُرِضت الصّلاة حتّى توفّاه الله، وحثَّ أصحابه على ذلك.
معنى الصَّلاة
الصّلاة في اللّغة: الدّعاء، وقيل: التّعظيم [٢] وهي في الاصطلاح أقوالٌ وأفعالٌ مُفتَتَحةٌ بالتّكبير مُختَتَمةٌ بالتّسليم مع النّية بشرائطَ مخصوصةٍ.[٣] وعرَّفها الحنفية بأنّها الأَفعال المَخصوصة من القيام والقراءة والرُّكوع والسُّجود.[٤] وقيل: هي أقوالٌ وأفعالٌ مُفتَتَحةٌ بالتّكبير، مُختَتَمةٌ بالتّسليم، بشرائطَ مخصوصةٍ.[٥]
الصّلاة وراء الإمام
دعا الإسلام إلى المُحافظة على صلاة الجماعة والالتزام بها، وجعل لمن أطاع ربّه في ذلك أجراً عظيماً، وتوعّد من ترك الجماعة وتخلّف عنها بلا عذرٍ أو سببٍ قاهر، حيث ورد أنّه – عليه الصّلاة والسّلام – قال: (لقد هممتُ أن آمرَ رجلاً يُصلِّي بالناسِ. ثم أخالفُ إلى رجالٍ يتخلَّفون عنها. فآمرُ بهم فيَحرِقوا عليهم، بحِزَمِ الحَطبِ، بيوتَهم. ولو علِم أحدُهم أنه يجدُ عظماً سميناً لشهِدَها – يعني صلاةَ العشاءِ)،[٦] وذلك إنما يدل على أهميتها وعدم التهاون فيها.
إقرأ أيضا:كيفية صلاة الجنازةحكم الصّلاة وراء الإمام (الجماعة)
اختلف الفقهاء في حكم الصّلاة وراء الإمام، وذلك على النّحو الآتي:
- ذهب الحنفيّة والشافعيّة في قولٍ إلى أنّ صلاة الجماعة واجبةٌ على كل مُسلمٍ ذكرٍ بالغٍ عاقلٍ قادر،[٧] واستدلّوا بعدّة أدّلة، منها أنّه رُوِيَ عن النّبي – عليه الصّلاة والسّلام – قوله: (لقد هممتُ أن آمرَ رجلًا يُصلِّي بالناسِ. ثم أخالفُ إلى رجالٍ يتخلَّفون عنها. فآمرُ بهم فيَحرِقوا عليهم، بحِزَمِ الحَطبِ، بيوتَهم. ولو علِم أحدُهم أنه يجدُ عظمًا سمينًا لشهِدَها – يعني صلاةَ العشاءِ)،[٦] ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلا بتارك الصّلاة فدلَّ على وجوبها، واستدلّوا كذلك بأنّ الأمّة من عهد رسول الله – عليه الصّلاة والسّلام – إلى هذا اليوم قد واظبت على صلاة الجماعة وعلى النكّير على تاركها، ومواظبة الأمّة عليها بهذا الوجه دليلٌ على وجوبها.[٧]
- ذهب الشافعيّة في الرّاجح عندهم[٨] والصّحيح عند الحنفيّة[٧] والمالكيّة إلى أنّ صلاة الجماعة سنَّةٌ مُؤكّدة، واستدلّوا بقوله عليه الصّلاة والسّلام: (صلاةُ الجماعةِ تَفضُلُ صلاةَ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين دَرَجَةً)،[١] فلو أنّها واجبةٌ لما قارن بينها وبين صلاة المُفرد، بل لذكر فرضيّتها وعدم جواز صلاة المفرد إلا في حالاتٍ استثنائيّة.
- ذهب الشافعيّة في قولٍ[٨] والحنابلة في الرّاجح عندهم أنّ صلاة الجماعة فرضٌ كفايةٌ؛ إن أقامتها جماعةٌ من المسلمين سقطت فرضيتها عن باقي الأمة، فإن اتّفق أهل بلد على تركها قوتلوا عليها، وأقل الجماعة اثنان.
- ذهب الظاهريّة إلى أنّ صلاة الجماعة فرضٌ على كلّ مسلمٍ ذكرٍ قادر بالغ، وأنّه إن سمع الأذان وجب عليه أن يُلبّي، فإن تعّمد ترك صلاة الجماعة بغير عذر بَطُلَت صلاته، فإن كان لا يسمع الأذان فيجب عليه أن يُصلّي في جماعةٍ مع واحد أو أكثر، فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا ألّا يجد أحداً يُصلّيها معه فيجوز له حينها الصّلاة مُنفرداً، أمّا من له عذر فيجوز له التخلّف عن الجماعة.[٩]
كيفيّة الصّلاة وراء الإمام
تختلف كيفيَّة الصّلاة خلف الإمام بحسب حال المأموم، وتنقسم بناءً على ذلك إلى ثلاثة أقسامٍ، هي:[١٠]
إقرأ أيضا:طريقة صلاة المسافر- أن يُدرك المأمومُ الإمامَ من بداية الصّلاة ويستمرّ معه إلى نهايتها: وفي هذه الحالة يجب على المأموم الاقتداء بالإمام في كل حركاته وسَكَناته، لا يزيد شيئاً ولا يُنقص شيئاً، فقد قال – عليه الصّلاة والسّلام – بخصوص ذلك: (إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ بهِ، فإذا رَكَعَ فاركَعوا، وإذا رفعَ فارفَعوا، وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا)،[١١] وكيفيّة صلاته كأيّ صلاةٍ أخرى؛ تبتدئ بتكبيرة الإحرام، ثم قراءة الفاتحة قائماً، ثم الرّكوع، ثم الرّفع منه، ثم السّجود، ثم الرّفع منه، وتكرار ذلك مع الإمام في كل الرّكعات حتّى يصل إلى التشهّد الأخير، ثم التّسليم.
- أن يدرك الإمام في الابتداء ثم يَعرض له عارضٌ يضطرّه لمُغادرة الصّلاة (السّابق): وهذا يجب عليه أن يخرج من الصّلاة إن عرض له أثناء الصّلاة عارضٌ؛ كأن تذكر أنّه بلا وضوءٍ، أو نزف أنفه دماً كثيراً، أو فسد وضوؤه أثناء الصّلاة، فيقضي ما به ويتوضّأ إن كان بحاجة للوضوء، ثم يُدرك الإمام ليتمّ معه الصّلاة ويتمّ ما فاته منها.
- أن لا يدرك الإمام في بداية الصّلاة حتّى تفوته ركعةٌ أو ركعتان ويُدركه في الختام (المسبوق): ويجب عليه أن يقتدي بالإمام قائماً كان أم قاعداً، فيأتمّ به ويُصلّي بصلاته حتّى إذا انتهى الإمام من صلاته أتمَّ ما فاته منها.
أركان الصَّلاة
اختلف الفقهاء في عدد أركان الصَّلاة؛ فقال بعض فقهاء الحنفيَّة أنها أربعة؛ وهي تكبيرة الإحرام، والقراءة، والرُّكوع، والسُّجود، وفي القَولِ الرّاجح عندهم أنّها خَمسة أركان: الأربعة السّابقة يُضاف لها القيام.[١٢] وقال المالكيّة بأنّ أركان الصّلاة تسعةٌ، وهي: تكبيرة التّحريم، وقراءة القرآن، والقِيام لكل ركن، والرُّكُوع، والسّجود، والرّفع من الرّكوع والسّجود، وأن يفصل بين السَّجدتَين بجلوس، والجلوس للتشهّد، والتّسليم.[١٣]
إقرأ أيضا:عدد السنن في الصلوات الخمسقالَ الشَّافعية إنّ عددها سَبْعَة عَشْرَ رُكناً، هي: النِيَّة، وتَكبيرةُ الإحرام، والقيام بعد تكبيرة الإحرام، وقراءة سورة الفاتحة، والقيام لها، والرُّكوع، والرَّفع من الرّكوع، والقِّيامُ للرّكوع، والسُّجود، والرَّفعُ منه، والجُلوس بين السَّجدَتين للتشهّد، والجُلوسُ للسَّلام، والتّسليم، والطُّمأنينة في كل موضعٍ على حِدة، والاعتدال حال القيام والجلوس، وترتيبُ الأركان كما مرّ سابقاً، ونيَّة الاقتداءِ في حقِّ من صلّى خلف إمام.[١٤]
عدَّها الحنابلة أربعة عشر ركناً، هي: القيام مع القُدرة عليه، وتكبيرة الإحرام، وقراءة سورة الفاتحة، والرّكوع بعدها، والرّفع من الرّكوع، والسّجود على الأعضاء السّبعة من الجسم، والاعتدال بعد السّجود والرّكوع والقيام، والجلسة بين السَّجدَتَين، والطُّمأنينة في جميع الأركان، والتّرتيب بين الأركان السّابقة، والتَشَهُّد الأخير، والجلوس له، والصّلاة على النّبي عليه الصّلاة والسّلام، والتّسليم عن اليمين وعن الشّمال.[١٥]
شروط صحّة الصَّلاة
للصّلاة عددٌ من الشّروط يجب أن تجتمع فيها وإن فُقِد أحدها فقد بَطُلَت الصّلاة، وهذه الشّروط هي الإسْلامُ، والعَقْل، والتَّمْييزُ، ورَفْعُ الحَدَثْ، وإزالَةُ النَّجاسَة، وسَتْرُ العَوْرَةِ، ودُخولُ الوَقْتِ، واستقبالُ القِبْلَة، والنِّيَة. يعودُ سبب خِلافِهم إلى اختِلافِهِم في المقصود بالشَّرْطِ والرُّكْن، وهل هما شيءٌ واحدٌ أم أن بينهما فرق، وفيما يأتي بيانٌ لِبَعْضِ الشُّروط المتَّفق عَليْها عنْدَهُم:
- الطَّهَارة: وتنقسم الطَّهارةُ إلى أربعة أنواعٍ:
- طهارة الجسم من الحَدَث؛ والمقصودُ بالحَدَثِ الخارِجُ من أحدِ السَّبيلينِ،[١٦] فالمُحدِثُ لا تَصِحُّ صَلاتُه، سَواء كان الحَدث أصغر بما ينقض الوضوء أو أكبر، كالجنابة والحيض والنّفاس وغير ذلك، لقول رسول الله – عليه الصَّلاة والسّلام – في الحديث الصّحيح: (لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيرِ طَهْور).[١٧]
- طهارة البدن من أيِّ نَجاسة عالقةٍ فيه.[١٨]
- طهارة الثّيابِ من النَّجَاسَةِ؛ فيجب أن يكون اللباس نظيفاً طاهراً.[١٨]
- طهارَةُ موضع الصّلاة؛ ويُقصَد به الحَيِّزُ الذي يُشْغله المُصَلّي بصلاته، فيدخل فيه ما بين مَوطِئ قَدَمِه إلى موضع سُجودِه، وبالتحّديد هو الموضع الذي يُلامس جسده ابتداءً من قدميه حتّى موضع الجبهة في السّجود أثناء الصَّلاة.[١٨]
- العلمُ بدخول الوَقت: فإن للصّلاة المفروضة وقْتاً مُعَيَّناً يجب ألّا تَقَعَ إلا فيه، ولا تَصِحُّ صَلاةُ من لم يعلم دخول وقتها حتّى إن تَبيَّن لَه بَعدَ ذلك أَنّها صادفت وقتها المشروع، ويمكن معرفة دُخولِ وَقت الصَّلاة بِوَسيلةٍ منَ الوَسائِل الثّلاثة الآتية:[١٨]
- العِلمُ اليَقْينيُّ: بِأَن يُعْتَمَدَ على دليلٍ ملموس حقيقيّ، كأن يرى الشَّمس وهي تَغْرُب في البَحر لمعرفة دخول وقت صلاة المغرب.
- الاجتهاد: بأن يعتمد على أدلَّةٍ ظَنيِّة احتماليّة لها دلالةٌ غير مباشرة، كالاعتماد على الظلّ، أو القِياسِ بالأعمال وطولها.
- التّقليد: إذا لم يُمكن للمُصلّي معرفة وقت الصلّاة بالعلم اليَقينيُّ أو الاجتهاد، كجاهلٍ بأوقات الصَّلاة ودلائِلِها، فإنّه يجوز له ان يُقَلِّد إمّا العالِم المُعْتَمد على دليلٍ مَحسوس، أو المُجتَهُد المُعتَمِد على الأدلة الظنيّة، وقد أذهب العلم الحديث عناء هذا الأمر؛ إذ وضع علماء الفلك للصّلاة مواقيتَ دقيقةً يعلمها العالم والجاهل من المُسلمين، وذاع وانتشر الأذان في أصقاع الأرض دانيها وقاصيها، وإنّما تَرِد مثل هذه المسألة على جاهلٍ بالوقت، أو غافلٍ عنه، أو مقيمٍ في مكان قفرٍ لا إنس فيه.
- سَتر العورة: يُقصدُ بالعورة شرعاً: كُلُّ ما يَجِبُ سَتْرُه أو يَحْرُم النَّظَرُ إلَيْه، وحُدودُها داخل الصَّلاةِ بالنِّسبَة للرّجال تبدأ من السُّرَّةِ وحتّى الرُّكْبَة، فيجب ألّا يَبْدو شَيءٌ من ذلك الموضع في الصَّلاة، وحُدودُها بالنِّسبَة للنّساء جميع البَدَنِ باستثناء الوجه والكَفَّين، فيجب ألا يَبدو شَيءٌ ممّا عدا ذلك في الصّلاة.[١٨]
- استقبالُ القِبلة: يَجِب أن يستقبل المُصلّي القبلة إن أراد الصّلاة، وتكون القبِلة ناحيةَ مكّة المُكرّمة، ويتمّ تحديد ذلك الاتّجاه لكل دولة ومنطقة بشكلٍ مُستقلّ، وهو معلومٌ لكلّ أهل بلد، ويُستدَلُّ على القبلة بطريقين؛ الأولى أن يَكون المُصَلّي قَريباً من الكَعبة بِحيث يُمكنه رُؤيتها إذا شاء، وهنا يَجِبُ عليه أن يستقبِلَ عَينَ الكعبة يَقيناً. الثّانية أن يكون بعيداً عن القبلة بحيث لا يُمكنه رُؤيتها، وهنا يجب عليه أن يستقبل عين الكعبة مُعتمداً بذلك على دليلٍ ظنيّ إن لم يستطع الاستدلال والتّوصل إليها بدليلٍ قطعي.