الوقت في رمضان
للوقت أهمية عظمى في الشرع عموماً، وتزداد في شهر رمضان المبارك؛ لما خصّه الله -تعالى- بخصائصٍ عديدةٍ جعلته موسماً للحصاد والخيرات، فقد جعل الله -تعالى- له خصائص عظيمة، فهو موسم لمغفرة الذنوب، ومضاعفة الأجور، والتقرّب من المولى عزّ وجلّ، وقد وصفه الله -تعالى- بأنّه: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)، وفي هذا الوصف ما يُشعر بسرعة انقضائه، وأنّ الوقت فيه هام جداً، لذا فعلى الإنسان الاهتمام باستثماره خير استثمار، والاستفادة من أوقاته قدر ما يستطيع.
كيفية قضاء الوقت في رمضان
لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من الوقت في رمضان يحسُن بالإنسان أن يهيئ نفسه وقلبه لرمضان مُسبقاً، فيستمع لبعض المحاضرات عن فضله، أو يقرأ بعض الكلمات في أهميته، لعلّ قلبه يتشوّق بذلك ويعزم على الاجتهاد فيه بشكلٍ كبيرٍ، ثمّ يأخذ بعد ذلك في تحديد الوقت الذي يستطيع تفريغه واستثماره في العبادة في رمضان، فيحدّد تلك الساعات بدقّة ليعمل فيها على تحقيق أهدافه المرجوّة من رمضان، بعدها يحدّد تلك الأهداف، وصحيح أن الهدف الأكبر لرمضان تحقيق التقوى في قلب الإنسان إلّا أنّه من الهام أن يفصّل في ذلك، فيكتب أهدافاً أكثر دقّة يسعى للوصول إليها، فيكون من هذه الأهداف ما هو متعلّق بعدد الختمات التي ينوي ختمها من القرآن الكريم، وكم منها سيكون للقراءة، وكم سيكون للتدبّر أو الحفظ، وما هي الأفعال التي يريد القيام بها في مجال برّ الوالدين، أو صلة الأرحام، وما هي العادات أو الذنوب التي يريد التخلّص منها، وما هي البرامج الفضائية المفيدة التي ينوي حضورها، وغير ذلك من الأهداف التي يريد تحقيقها.
إقرأ أيضا:متى ينتهي وقت السحوروعلى المسلم كذلك أن يحرص على الابتعاد عن وسائل الإعلام في رمضان إن كان يريد فعلاً أن يقضي وقته فيما ينفعه، ومن الوسائل التي يمكن للإنسان فيها استثمار الوقت في رمضان بأكبر قدر من الأجور أن يفطّر الصائمين؛ لأنّ من فطّر صائماً كان له من الأجر مثل ذلك الصائم كما أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وله أن يحرص على الدعاء وقت الإفطار فدعاءه حينها مجاب بإذن الله، وليجتهد في البقاء في المسجد بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، فيكون في ذلك الوقت بين قراءة للقرآن وذكر لله عزّ وجلّ، ثمّ يصلّي ركعتي الضحى، وذلك لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن صلى الفجرَ في جماعةٍ، ثم قَعَد يَذْكُرُ اللهَ حتى تَطْلُعَ الشمسُ، ثمّ صلّى ركعتينِ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ)، وليحرص المسلم في رمضان على إدراك تكبيرة الإحرام في كلّ صلاة، ويجتهد في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتذكير الغافلين عن أهمية رمضان بنصحهم وإرشادهم، وليُكثر من الصدقات فهي من سنة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، خصوصاً في رمضان، وليحرص من أراد قضاء واغتنام وقت رمضان بأفضل ما يمكن على وقت السّحر، فيصلّي فيه ركعتين لله عزّ وجلّ، ويستغفر الله، ويدعوه، فيكون من القلّة الذين يتنبهون للعبادة في هذا الوقت.
حال السلف في اغتنام رمضان
كان السلف الصالح حريصين على استغلال وقت رمضان والاستفادة منه كثيراً، وقد ورد عنهم في ذلك أمثلة عظيمة، منها:
إقرأ أيضا:كم عدد ركعات التراويح في رمضان- كان الإمام البخاري -رحمه الله- يختم كلّ يوم من أيام رمضان ختمة من القرآن، وفي كلّ ثلاث ليالٍ منه يختم ختمة أيضاً.
- كان وكيع بن الجراح يصلّي الضحى في رمضان اثنتي عشرة ركعة، ويبقى في صلاة من الظهر إلى العصر، كما كان يختم في كلّ ليلة ختمة وثُلثاً.
- كان قتادة يختم كلّ أسبوع مرّة في سائر أيامه، فإذا أقبل رمضان صار يختم كلّ ثلاثة أيام مرة، حتى إذا دخلت العشر الأواخر منه صار يختم ختمة كلّ يوم.
- كان حمّاد بن أبي سليمان يفطّر في شهر رمضان خمسمئة صائم، ويكون مسؤولاً عن إفطارهم على مدار شهر رمضان، حتى إذا جاء العيد أعطى كلاً منهم مئة درهم.
أهمية الوقت في الإسلام
أنعم الله -تعالى- على الإنسان بنعمة الوقت، ولأهميته فقد أقسم الله -تعالى- به في عدد من المواضع في القرآن الكريم فقال: (وَالْفَجْر*وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، وقال أيضاً: (وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، وقال في موضع آخر: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)، ومن المعلوم عند العلماء أنّ الله -تعالى- إذا أقسم بشيء كان المُراد من ذلك لفت الأنظار إليه، والتنبيه على أهميته، حيث شرع الله -تعالى- على المسلمين عبادات كثيرة، وحدّد لبعضها أوقاتاً مخصوصةً كالصلوات الخمس، والصيام المفروض في رمضان، والحجّ إلى بيت الله الحرام، بل وأخبر عن بعض العبادات الأخرى غير المحدّدة بوقتٍ أنّها تكون أفضل وأكبر أجراً ومنفعة للعبد إذا أدّاها في أوقات معينة؛ كالتسبيح، والاستغفار الذين أخبر الله -عزّ وجلّ- أنّهما أفضل وقت السحر في قوله: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)، وفي هذا كلّه إشارة من الله -عزّ وجلّ- على أهمية الوقت، وضرورة استثماره في فعل الطاعات، والقيام بالعبادات، والتقرّب من رب العباد.
إقرأ أيضا:أقل عدد ركعات في صلاة التراويحوفي سنة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تأكيد على أهميّة الوقت كذلك، وضرورة المسارعة في استثماره بما يرضي الله، حيث قال: (لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناهُ، وعن علمِه فيما فعل، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وعن جسمِه فيما أبلاهُ)، وكذلك قال: (نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ)