الاستغفار
أمر الله -تعالى- عباده بالاستغفار، وذكر ذلك في كتابه الكريم بقوله: (وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ومدح عباده المستغفرين، وخصّ منهم المستغفرين بالأسحار؛ لما في ذلك من إخلاصٍ، وتجرّدٍ لله -سبحانه- في ذلك الوقت من الليل، وقد وصف الله -تعالى- المستغفرين بالمتّقين؛ لعلوّ شأن الاستغفار عنده، قال الله تعالى: (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وليس من فضل الاستغفار محو الذنوب والخطايا وحسب، بل إنّ الله -تعالى- جعل جزاء كثرة الاستغفار بركةً في الرزق، وبسطاً في عطاء الأولاد والخيرات أيضاً، قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)؛ أي أنّ من أدام الاستغفار لله تعالى؛ فتح الله عليه باب النّعم من ثمارٍ، وأنهارٍ، وأموال، وبنين بإذنه.
ومن فضائل الاستغفار أيضاً أنّه يجلب الرحمة لصاحبه، ويُبعد عنه عذاب الله تعالى، وسخطه، قال الله سبحانه: (وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، ولقد استنّ الأنبياء والرّسل -عليهم السّلام- سنّة الاستغفار من نبيّ الله آدم عليه السلام، حين قال الله -تعالى- فيه: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)،[٦] إلى غيره من الأنبياء؛ كالنبيّ شعيب، ونوح، وموسى الذي قال مستغفراً حين قتل قبطياً خطأً: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)؛[٧] ولذلك كان التمسّك بالاستغفار وترديده عملٌ بسنّة الأنبياء -عليهم السّلام- من قبل.
إقرأ أيضا:لماذا خلق الله آدم وذريتهكيفيّة الاستغفار
جعل الله -تعالى- في الاستغفار فضائل كثيرة، وحثّ المسلمين على الإكثار منه؛ حتى ينالوا هذه الفضائل، ولكي ينال العبد أفضل مراتب الاستغفار التي يحبّها الله تعالى، لا بدّ له أن يعرف كيفيّة الاستغفار، ويتقنها من آدابٍ وصيغٍ واردةٍ في القرآن الكريم، والسّنّة النبويّة، وفيما يأتي توضيحٌ لذلك.
آداب الاستغفار
وردت العديد من الآداب الذي يُستحبّ أن يتحيّنها المسلم حين يتوجّه لربّه -عزّ وجلّ- بالاستغفار، منها:
- أن يحرص العبد على حضور القلب في دعائه واستغفاره، فلا يكون القلب مشغولاً بأمور الدنيا، واللسان مستغفراً.
- أن يستذكر المسلم وهو يستغفر كلّ ذنوبه، صغيرها وكبيرها، ويستغفر الله -تعالى- من إتيانها.
- أن يعترف العبد وهو بين يدي ربّه بأنّه مذنبٌ، مقصّرٌ في حقّ نفسها إذ أوقعها في تلك المعاصي.
- أن يستشعر العبد الندم وهو مستغفر؛ فإنّ الندم من شروط التّوبة.
- أن يستذكر العبد شؤم المعاصي والذنوب؛ فإنّ ذلك أدعى أن يحضر القلب، ويُبغض المعاصي والمنكرات.
صِيغ الاستغفار الواردة في القرآن والسنة
من الصيغ الواردة للاسغفار في القرآن الكريم، والسنّة المطهّرة:
- قول الله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
- قول الله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا).
- قول الله تعالى: (رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).
- قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عندما سأله أبا بكر الصدّيق -رضي الله عنه- عن دعاءٍ يدعو به في الصلاة: (اللهمّ إنّي ظلَمتُ نفسي ظُلماً كثيراً، ولا يغفرُ الذنوبَ إلّا أنت، فاغفِرْ لي من عِندِك مغفرةً، إنّك أنت الغفورُ الرحيمُ).
- وصيّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالاستغفار من عظيم الذنوب بقوله: (من قال: أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه؛ غُفِرَ له وإنْ كان فرَّ من الزحفِ).
- وصيّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأفضل الاستغفار، وقد أسماه سيّد الاستغفار، وهو قول: (اللَّهمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ، وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ، وأبوءُ لَكَ بذنبي فاغفِر لي، فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ)