بسم الله الرحمن الرحيم
تحدثنا سابقاً عن سيرة وآداب النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل إلى منزله، وكيف أنه يقسم وقته ثلاثة أقسام:
• قسم لربه يمضيه في التعبد والتهجد وتلاوة القرآن والذكر.
• قسم لنفسه يشطره شطرين:
o شطر لأخذ قسط من النوم.
o شطر لقضاء حوائج الناس قضاءً خاصاً.
• قسم لأهله يشطره شطرين:
o شطر يؤنسهم فيه.
o شطرآخر يلبي بعض حوائجهم فيه.
وفيما يلي نبذة عن شمائله عليه الصلاة والسلام:
1 ـ يحجم لسانه إلا فيما يعنيه :
إذا خرج النبي عليه الصلاة والسلام من بيته، قال الحسين رضي الله عنه :
سألت أبي – يعني علياً كرم الله وجهه – عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟
فقال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحجم لسانه إلا فيما يعنيه
راقب نفسك الحديث الذي تتحدث فيه هل هو مما يعنيك؟
قال عليه الصلاة والسلام :
مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ
[ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
ما معنى يعنيه؟ أي تتعلق عنايته به، أي يكون قصده ومطلوبه والعناية شدة الاهتمام بالشيء، عناه الأمر أي أهمه، وليس المراد أنه يترك ما لا عناية له به بحكم الهوى وطلب النفس بل بحكم الشرع و الإسلام، كيف؟ أي مثلاً ماذا يعني المؤمن أن يعرف الله سبحانه و تعالى؟ ماذا يعني المؤمن أن يتقرب إليه؟ ماذا يعني المؤمن أن يستقيم على أمره؟ فكل شيء يعنيه من هذه الموضوعات يسأل عنه، يبحث فيه، يتقصاه، يدقق، يتأمل، يسأل، أما إن كان من أمر الدنيا فهو قد يعنيه من باب هوى النفس و لكن لا يعنيه من هوى الشرع، مثلاً شاري بيتاً يريد أن يعمل له تزيينات هذا يعنيه فأصبح يسأل و يبحث و يدقق و يمضي الساعات الطويلة و أذهب عنه صلوات كثيرة، أخي هذا الشيء يعنيني، هذا يعنيك بحسب الهوى لا بحسب الشرع :
مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ
[ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
الذي يعنيه في مقياس الشرع، لا يعني الإنسان الصادق إلا أن يعرف الله عز وجل، إلا أن يستقيم على أمره، إلا أن يتقرب إليه، هذا الذي يعنيه، فكان عليه الصلاة و السلام يخزن لسانه إلا فيما يعنيه، أي أحد ما سأل عن آية قرآنية، سمع تفسيرها يصغي بإذنه، ما توضيح التفسير؟ يسأل، حكم شرعي، قضية متعلقة بالصلاة، متعلقة بالزكاة، قضية متعلقة بطاعة من الطاعات، قضية متعلقة بأداء عبادة، قضية متعلقة بحديث يتعارض مع آية، يا ترى ما وجه التوفيق بينهما؟ قضية متعلقة بما يبدو له شبهة يحب أن يعرف وجه الحق فيه، هذا كله يعنيك لكن هناك غوصاً في أمور تعنيك لكن لا ترضيك .
إقرأ أيضا:ملاطفة الرسول صلى الله عليه وسلَّم للصبيان وملاعبته لهم2 ـ يؤلف و لا ينفر :
كان عليه الصلاة و السلام يؤلفهم و لا ينفرهم، أي كلما التقى بإنسان يحدثه بحديث يجمعه مع إخوانه، أي اشترى بيتاً من أخيه قال : والله أخي باعني هذا البيت بمئتي ألف، قد يكون سعر البيت ثلاثمئة ألف، من دون مبالاة البيت يساوي مئة ألف قالها ومشى، مئتان على ماذا؟ هذا الكلام يساوي شقاقاً، يساوي خلافاً، يساوي عداء، يساوي تقاطعاً، يساوي تدابراً، صلى الله عليه كان يؤلفهم ولا ينفرهم .
دخل إلى عند أخته قالت له : زوجي ما أحضر لي شيئاً، يقول لها : زوجك كله هدية، أخلاق عالية وورع، وجهده كله لكم، لماذا هذه الهدية؟ أما إنسان آخر فيقول : ما أحضر لك شيئاً هو لا يستحقك، في المساء يوجد مشكلة، من الممكن أن يرسلها إلى بيت أهلها، ممكن أن ينتهي الأمر بالطلاق من أجل كلمة لا يستحقك، صلى الله عليه وسلم يؤلفهم ولا ينفرهم، دائماً يوفق بين الناس، بين شريكين، بين أخوين، بين أب وابنه، بين بنت وأمها، أي هذا الأب يشكو ابنه، يقول له : معك حق انظر إلى غيره من الأولاد، شيء لا يحتمل، ترى الأب ارتاح، يا أخي لا يدرس، لا أحد يدرس صار هناك عطف من الأب على ابنه، جاء أب واشتكى لك على ابنه، تقول له : لا والله أنا ابني مميز، لا يوجد منه، حرقت له قلبه هو يشتكي على ابنه وأنت مدحت ابنك فتنشئ نفوراً بين الأب وابنه .
أحياناً إنسان يمدح لك ابنك وأنت تعرفه ليس كذلك تقول له : جبر الله خاطرك، هذا ليس مديحاً هذا جبران خاطر .
فالنبي صلى الله عليه وسلم يؤلفهم ولا ينفرهم، خطيب أحضر لخطيبته أسوارة من الذهب فقالت أمها : من الآن تقدم ذهباً، نريد ألماساً، فإن قال أحدهم : أنت مخطئة الألماس يخيس نصف ثمنه، والذهب هو هو، بالعكس انطربت هذه الخطيبة، لما قدم لها أسوارة ذهب انزعجت، متوقعة ألماس يقدم لها، جاء أخوها قالت له : ذهب أحضر لي خطيبي، فقال : لابأس هذا الذهب لا يخيس وثمنه معه، ومن ثم خيره إلى الأمام، إذا كان معاملته لطيفة لك فهي أكبر هدية، هناك أخوة يوقعون الشقاق بين الخطيب وخطيبته، دائماً كلامه مؤذ، شيطان داخل فيه، أساساً كل إنسان كلامه يفرق هو شيطان، ليس منا من فرق .
3 ـ يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم :
يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، قال :
أكرموا عزيز قوم ذلّ، وغني افتقر، وعالم ضاع بين الجهال
هذه سفانة بنت حاتم طي وقعت أسيرةً عند النبي صلى الله عليه وسلم، مرّ عليه الصلاة والسلام وكانت ذكيةً جداً، فوقفت وقالت : يا رسول الله إن أبي كان يقوي الضيف، ويعين على نوائب الدهر، أكرمني أكرمك الله،
قال :
أطلق سراحها وأطلق سراح قومها إكراماً لها
ثم قال :
أكرموا أباها فإنه كان يحب مكارم الأخلاق
هكذا النبي دخل عليه عدي بن حاتم، رحب به، إذا شخص دخل إلى عندك وأنت خلف الطاولة جالس تعرفه له مكانة اجتماعية تتجاهله هذا سوء أدب، احتل وظيفة سابقة رفيعة، الآن هو رجل متقاعد دخل إلى عندك أهلاً وسهلاً، رحب به، أكرموا كريم كل قوم .
كان يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليه، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منه بشره وخلقه .
4 ـ يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد :
قال لك إنسان : أريد أن أستدين منك عشرة آلاف ليرة وأنت لا تعرفه وليس لك ثقة بأمانته، أخي أنا لا أعرفك أخاف أن تأكلهم عليّ، لا ليس كذلك، إذا أنت اعتذرت منه اعتذاراً لطيفاً، وبششت في وجهه، كان يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد .
احذروا الناس، المؤمن كيس فطن حذر، المؤمن يحترس، يفكر بالعواقب، يتبصر لكن كان يحذر الناس ويحترس منهم، أي بشاشته للجميع، يبش للجميع لكنه يحذر بعض الناس، شخص لا تعرفه كيف تحدثه مثلاً عن أسرارك؟ شخص لا تعرفه كيف تعطيه مالك بلا إيصال؟ شخص لا تعرفه كيف تدخله لبيتك في غيبتك؟ هذه بلاهة، سذاجة، كان يحذر الناس، أي وجهه باش للجميع وأحياناً في حذر وفي احتراس من بعض الناس مما لا يثق بهم، النبي عليه الصلاة والسلام قال :
لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ
[أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ]
5 ـ يتفقد أصحابه :
يتفقد أصحابه يسأل عنهم، فلان ما شأنه؟ ما صنع فلان؟ أين فلان لم نره؟ غاب عنا طويلاً اسألوا عنه؟ ولكن من الأصول إذا كان الإنسان يحضر مجلس علم واضطر أن يسافر، أو اضطر أن يعمل عمرة، أن يعطي للآخرين علماً بهذا، أحياناً نفتقده شهراً، فلان لم أشاهده، ممكن أن يكون مريضاً أين كنت؟ كنت في العمرة، أعطنا خبراً نفرح لك ونبلغك رسالة أن تدعو لنا عند رسول الله، فقط أعطنا علماً، الإنسان بالإعلام يزيد المودة .
يتفقد أصحابه ويسأل الإنسان عما في الناس، جلست مع مزارع فوراً الآية الكريمة، الحديث، الآخرة، اسأله عن أحواله كيف المطر؟ كيف الموسم؟ أمنت بذاراً إن شاء الله؟ هل يوجد عندك مشكلات؟ إن شاء الله عملك جيد؟ عندما تسأله عن أحواله يفرح، هذا مهتم بمزرعته، ببستانه، بالمطر، بالأتربة، بالبذور، تكلم عن موضوعاته، جلست مع تاجر إن شاء الله العمل جيد؟ هل تؤمن موادك؟ بضاعتك؟ كيف البيع؟ إن شاء الله النتيجة جيدة هذه السنة؟
النبي صلى الله عليه إن جلس مع تاجر يسأله عن تجارته، مع مزارع عن زراعته، مع موظف عن وظيفته، إن شاء الله لا تعاني من المشاكل في وظيفتك؟ كم ساعة دوامك؟ يوجد وظائف مريحة ووظائف متعبة الحياة كلها جهاد وتعب :
من بات كالاً في طلب الحلال بات مغفوراً له
[ابن عساكر عن أنس]
اسأل الموظف عن وظيفته، والتاجر عن تجارته، والمزارع عن زراعته، والعامل عن معمله، والله عز وجل يبعث لك محلاً ويكرمك وهو يعمل صانعاً، الله كريم كلنا بدأنا من الصفر والله أكرمنا، لما أنت تكلم شخصاً بموضوعات تهمه يحبك، لكن هو مهموم والمطر لا تهطل تأتي تقول : الله عز وجل قال الآية الفلانية، والحديث الفلاني، والآخرة، والموت، يقول لك : لا أريد أن أموت الآن .
6 ـ يسأل الناس عما في الناس :
يسأل الناس عما في الناس، هذا له قضية تهمه أي عنده أولاد أنا ألاحظها، إذا التقيت بإنسان اسأله عن ابنه فيسر، كيف حال ابنك إن شاء الله بخير؟ كيف دراسته؟ كيف صحته؟ عندما تسأل إنساناً عن ابنه يطمئن، معنى ذلك أنك مهتم به، ثم توجهه ليس في الحال اترك التوجيه لمرحلة ثانية، اسأله عن أحواله، بحاجة إلى مساعدة؟ يريد قضية أن تعاونه فيها؟ أحياناً تساعده باسم طبيب، و الله يوجد اسم طبيب مختص بهذا المرض، أحياناً تساعده باسم محامي، باسم مهندس، بموظف تعرفه اذهب إليه و قل له : فلان بعثني لعندك، عندما تحل له قضيته الدنيوية يميل قلبه نحوك و في ذلك الوقت توجهه، يسأل الناس عما في الناس .
7 ـ يحسن الحسن و يقويه و يقبح القبيح و يوهيه :
يحسن الحسن و يقويه و يقبح القبيح و يوهيه، و الله أخي جاءنا خطيب لكن، و الله أخي عملت عين العقل، أنت بطل، رسول الله قال :
إِذَا أَتَاكُـمْ مـَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ عَـرِيـضٌ
[ابن ماجة عن أبي هريرة]
يأتي إنسان كافر يقول لك : و الله خطب ابنتي فلان عنده بيت؟ لا و الله لا يوجد عنده، ماذا تريد بهذا العمل، ماذا يعمل؟ موظف، موظف لا تريده، يكرهك بالناس الطيبين، مقياسه مادي فقط، إذا كان هذا الخطيب لا يوجد معه مال وفير، لا يوجد عنده معمل، لا يوجد عنده بيت، ينفروك منه، هذا فسق و فجور، صلى الله عليه وسلم يحسن الحسن و يقويه و يقبح القبيح ويوهيه .
8 ـ معتدل الأمر :
معتدل الأمر، أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما .
أحياناً يخطب هذه البنت خاطب يدخل إلى الأعماق، ما أكلوا من دونه ولم يذهبوا إلا معه، فكشف كل مشاكلهم، بعد هذا اختفى هذا الخاطب، أحياناً يهجمون على الرجل هجمة ينسون أحوالهم، وإذا عادوا عداء شديداً، صلى الله عليه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا ويميلوا، أي لا يغفل عن نصح أصحابه، لا يغفل عن تذكيرهم، لا يغفل عن إرشادهم، لا يغفل عن تعليمهم، لا يغفلوا عن توجيههم، مخافة أن يغفلوا عن الله، فإذا غفلوا مالوا إلى الدنيا، وإذا مالوا لها هلكوا .
9 ـ لكل حال عنده عتاد :
لكل حال عنده عتاد، قال له رجل : انظر هذه الفرس أعلفها كل يوم صاع من بر لأقتلك عليها، قال له : إني قاتلك، هكذا كلام لا يحتاج إلى لطف، هذا الكلام يحتاج إلى كلام من وزنه، في أحد قال أحدهم : أين محمد ما نجوت إن نجا؟ دعوني، خلوا بيني وبينه، وكزه بالرمح فولى هارباً يعوي كالكلاب، قال : قتلني قتلني، فقال له : ما قتلك، قال : والله لو بسق عليّ لقتلني .
لأن لكل حال عنده عتاد، الكريم معه كريم، واللطيف معه لطيف، قال : التكبر على المتكبر صدقة،
قال سيدنا الشافعي:
ما تكبر علي متكبر مرتين
لا أسمح أن يتكبر عليّ إنسان مرتين.
10 ـ لا يقصر عن الحق ولا يتجاوزه :
لا يقصر عن الحق ولا يتجاوزه، أي لا إفراط ولا تفريط، أحياناً الزوج يشدد تشديداً غير طبيعي، ليس معقولاً طلبت منه أن تزور أهلها لا يسمح لها، وآخر مسيبها، واحد قصر عن الحق وواحد تجاوزه، صلى الله عليه وسلم لا يقصر عن الحق و لا يجاوزه .
11 ـ الذين يلونه من الناس خيارهم :
الذين يلونه من الناس خيارهم، أي من السنة الأوائل المتفوقين يكونوا أقرب الناس له، لو أن بعض الناس من دهمائهم، من سوقتهم كانوا إلى جانبه أي يسيؤون أحياناً، رجل جلس و صار يتجشأ تضايق منه رسول الله و قال له : كف عنا جشأك يا أخي، اجلس أنت ببيتك، آكل كثيراً، مد أقدامه و أخذ راحته، هذا ليس طالب علم، اذهب و اجلس ببيتك يا أخي، قال له : كف عنا جشأك، النبي الكريم يتمنى أن يجلس حوله المتفوقون الصادقون المحبون العاشقون المتيمون، الذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة و مؤازرة، هذا إن كان خرج من منزله .
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
الفقه الإسلامي – موضوعات متفرقة – الدرس 20 : مسالك الشبهات – شمائل النبي صلى الله عليه وسلم.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1986-03-16