الزّينة وحكمها
لا بُد للمُسلم أن تتماشى حَياته وفقَ ما يُرضي الله عَزَّ وجل، فلا ينبغي له أن يقعَ فيما نُهِي عنه أو ألّا يلتزم بفعلِ ما أُمِرَ به، بل عليه أن يحرِص على اتّباع تعاليم الإسلام في كافّة مناحي الحياة، وإنَّ من تِلْك الأعمال التي يَجِبُ علينا الاهتِمامُ بِمَشْروعِيَّتِها، وَهَلْ هِيَ حَلالٌ أمْ حَرام، مَسْألَةُ التَّزَيُّنِ والتَّحَلِّي بالفِضَّة للرِّجال من خواتِم وأساوِر وغيرها، وبالآتي بيانٌ للمَسْألة.
أَقوالُ الفُقَهاءِ في أَحْكامِ التَّحَلِّي بالفِضَّةِ للرِّجال
اخْتَلف الفُقهاءُ في حُكمِ التَحلّي بالفِضّةِ للرّجالِ، لكنّهم اتفقوا على جواز تَحْلِيَة السَّيْف وآلآتِ الحَرْبِ للرِّجال، أمّا ما يَليقُ بِتَزْيِيِنِ البَدّنِ كَالخَلاخِلِ والأَسْاوِرَ ونَحْوَها مِمّا تَخْتَصُّ به النِّساءُ في العُرْفِ الغَالِب، فاسْتِعْمالُه حَرامٌ على الرّجال بالاتِّفاق، ويُسْتَثْنى من ذلك الخَاتَم؛ فللرّجل التَحِلِّي بخاتمِ الفضّة، وهو مُستثنىً بالإجماع، فَإن كان التَحلِّي بالفِضَّة على شكل خَاتَمِ جَاز للرَّجُل أن يَلبَسَه، ذلك أنَّ الرَّسولَ -عليه الصلاةُ والسَّلام- قَد ارتَدى خَاتَماً، وكان هذا الخاتَمُ من الوَرِقْ (الفِضَّة)، كما رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي يَدِ رَجُلٍ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: أَلْقِ ذَا، فَأَلْقَاهُ، فَتَخَتَّمَ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: ذَا شَرٌّ مِنْهُ، فَتَخَتَّمَ بِخَاتَمٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَسَكَتَ عَنْهُ).
إقرأ أيضا:لماذا حرّم لحم الخنزيرمِقْدارُ وَزْنُ الخَاتَمِ الذي يَجْوزُ لُبْسُهُ للرَّجُل
كما أنَّ العُلماءَ قد اختَلَفوا في حُكمِ التَّحلِّي بالفِضَّة للرّجال فقد اختَلَفوا كذلِكَ في مِقْدارِ وَزْنِ الخَاتَمِ الذي يَجْوزُ أن يَلْبَسَهُ الرَّجُل، فمِنْهُم منْ ذَهَبَ إلى أَنَّهُ يَجِبُ ألا يَتَعدّى وَزْنُه مِثْقالاً، وبَعْضُهُم بما لا يَصِلُ إلى مِثْقال، وبَعضُهم ذهب إلى ألّا يَتَجاوَزَ وزْنُهُ دِرْهَمَيْن شَرْعِيَّيْن، أما المِثْقالُ فَوَزْنُهُ يُساوي أَرْبَعَة غْراماتٍ ونِصْفٍ تَقريباً في الوزن المُتَعارَفِ عَليه حاليّاً، بَينَما يُساوي الدِّرْهَمُ الشَّرْعيُّ ما يُقارِب ثَلاثَة غراماتٍ وعُشْرِ الغْرام، وقد رَوى التِرْمِذيُّ وغَيْرُه أنَّ النَّبِيُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلام- قال لِرَجُلٍ عَلَيْهِ خَاتَماً من حَديد: (مالِيْ أَرَى عَليْكَ حُلْيَةَ أَهْلِ النَّار؟ ثُمَّ قالَ لَه: اتَّخِذْ خاتَماً من وَرِق (فضة) ولا تُتِمَّهُ مِثْقالاً).
وقد اتَّفَقَ الُفقَهاءُ على أنَّهُ يَجوزُ للرّجُل التَخَتُّمُ من الفِضَّة؛ حيثُ وَرَدَ أنَّ النبيَّ -عليه الصلاةُ والسَّلام- (لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا رَآهُ أَصْحَابُهُ فَشَتْ عَلَيْهِمْ خَوَاتِيمُ الذَّهَبِ فَرَمَى بِهِ فَلا يَدْرِي مَا فَعَلَ، فَاتَّخَذَ خَاتَماً مِنْ فِضَّةٍ وَأَمَرَ أَنْ يُنْقَشَ فِيهِ مُحَمد رَسُولُ اللَّهِ، فَكَانَ فِي يَدِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم حَتَّى مَاتَ، وَفِي يَدِ أَبِي بَكْر حَتَّى مَاتَ، وَفِي يَدِ عُمَر حَتَّى مَاتَ، وَفِي يَدِ عُثمَان سِنِينَ مِنْ عَمَلِهِ، فَلَمَّا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْكُتُبُ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَكَانَ يختم به فخرج الأنصاريّ إلى قَليبٍ لِعُثمَان فَسَقَطَ مِنْهُ فَلَمْ يُوجَدْ، فَأَمَرَ بِخَاتَمٍ مِثْلِهِ وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمد رَسُولُ اللَّهِ)، وبِذلِك تكون النَتيجَة الثَّابِتَة هي أنَّ لبْسَ خاتَم الفِضَّةِ للرِّجالِ جائِزٌ شّرعاً باتّفاق الفقهاء بِشَرطِ أنْ لا يَزيدَ وزنُهُ عن مثْقالَين.
إقرأ أيضا:ما حكم الزاني المتزوجرَأْيُ العُلَماء في حُكْمِ لُبسِ خاتَمِ الخُطوبَة (الدِّبْلَة)
للعُلَماءِ في حُكمِ لُبسِ خاتَم الخطوبَةِ أقوالٌ مُتباينةٌ؛ فمنهم من أحلَّها، ومنهم من حرَّمها، ولكلٍ منهم رأيه ودليله، وقَد رجَّحَ جُمهور العلماء إلى كَوْنِها مُباحةٌ للرّجالِ إن كانت من الفِضَّة ومُحَرَّمَةً للرِّجال إن كانت من الذَّهب، أما للنِّساء فبِكِلتَي الحالتين مباحةٌ لا لُبسَ فيها،[٧] وذهب فريقٌ آخر إلى تَحْريمِها إن كان القَصْدُ من لبسِها اعتِقاداً بديمومة العلاقة الزَوْجِيَّة بين الزّوجين كما قالوا أنَّ تَبادُلَ (دبْلَة) الخُطوبَةِ بَين العروسَين تَقْليدٌ دَخيلٌ على المُسْلِمين، فَفِعلُه تَقْليدٌ أَعمى وتَشَبُّهٌ بالكُفّار، فَيَسْتَوي في الحُرْمَة أنْ تَكونَ (دبلَة) الخاطِبِ من الذَّهَبِ أو الفِضَّة وإن كانت الذَهَبِيَّة أَشَدَّ تَحريماً.
التَّحَلِّي بالفِضَّة (غَير الخَاتَمِ) للرِّجال
إذا كانَ التَحلّي بالفِضَّة في غير الخاتَم فهو لا يَخرُج عن أن يكونَ على شكلِ زينَةٍ أو فخراً وتبذيراً؛ كَأنْ يَلْبَسَ الرَّجُل الأساوِرَ والسَّلاسِلَ سواءً كانت مِنَ الفِضَّة أو حتى من غَيْرها للزِّينَة ونَحوه، وقد ذَهَبَ فريقٌ من العلماءِ إلى جواز تَحْلِيَة السَّيْف وآلآتِ الحَرْبِ للرِّجال، أمّا ما يَليقُ بِتَزْيِيِنِ البَدنِ كَالخَلاخِلِ والأَسْاوِرَ ونَحْوَها مِمّا تَخْتَصُّ به النِّساءُ في العُرْفِ الغَالِب، فاسْتِعْمالُه حَرامٌ على الرّجال بالاتفاق ودَليلُهم أنَّ رَسولَ الله -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- قد نَهى أنْ يَتَشبَّهَ الرِّجالُ بالنِّساء، أو أن تَتَشَبَّهَ النِّساءُ بالرِّجال، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَولُهُ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ)، ولُبْسُ الفِضَّة على شَكْلِ أساوِر أو سَلاسِل فيه تَشَبُّهٌ مِنَ الرِّجالِ بالنِّساء، وإن كانَ من دُونِ قَصْدٍ أو نيَّة، فَكُلُّ شّيْء اخْتَصَّ بِه الرِّجالُ عُرْفاً كانَ أو شَرْعاً مُنِعَت من فِعْلِهِ النّساءُ، وكُلُّ ما اخْتَصّت به المَرْأةُ شَرعاً أو عُرْفاً مُنِعَ من فِعلِه الرّجال.
إقرأ أيضا:حكم صوم يوم السبتوقد ذَهَبَ فريقٌ آخر إلى جواز التَحلِّي بالفضّة للرِّجال مُطلقاً، من أبرزهم الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ وابن حَزمٍ الظَّاهِريُّ، فعندهم يَجُوزُ ذلك لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْفِضَّةِ إلَّا تَحْرِيمُ الْأَوَانِي وَتَحْرِيمُ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ، يقولُ ابنُ حّزْم في ذلك: (وَالتَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ، وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّدِ: حَلَالٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا نَخُصُّ شَيْئًا إلَّا آنِيَةُ الْفِضَّةِ فَقَطْ، فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)، فَلَمْ يُفَصِّلْ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيمَ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ فِي ذَلِكَ، فَهِيَ حَلَالٌ