القرآن الكريم
القرآن الكريم كلام الله تعالى، وكلامه صفةٌ من صفاته، ومن هنا تنشأ عظمة القرآن وجلاله؛ فعظمة التنزيل من عظمة المُنزل سبحانه، قال الله تعالى مخاطباً نبيه صلّى الله عليه وسلّم: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)،[١] والقرآن له مهابةٌ وجلالٌ عند العارفين بالله، يقول تعالى: (إِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُ الرَّحمـنِ خَرّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)،[٢] ولقد توعّد الله -عزّ وجلّ- أولئك الذين لا يقدرون لكلامه قدره، ولا يتأثرون بسماعه بالعذاب الأليم؛ فقال سبحانه: (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّـهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)،[٣]، وأهل القرآن يقبلون على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ويتدبّرون آياته، ويسألون الله العون في إقامة أحكامه، وهم في هذه الحال يرجون تحصيل فضل قراءته، ويأملون أن ينادى عليهم يوم القيامة: (اقرأ وارتَقِ، ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها)،[٤] ويتساءل كثيرٌ من المسلمين عن حكم قراءة القرآن بدون وضوء، فما الحكم، وهل يختلف الحكم إذا اقترن بمسّ المصحف ومباشرة التلاوة منه أم لا؟
حكم قراءة القرآن بدون وضوء
فصّل العلماء القول في قراءة القرآن على غير وضوءٍ، وبيّنوا الأحكام الفقهيّة المتقلّقة بهذه المسألة على النحو الآتي:
إقرأ أيضا:ما مبطلات الصوم- قرآءة القرآن من غير وضوء، لها صورتان عند العلماء، فإما أن تكون عبر ملامسة المصحف ومباشرة القراءة منه، وإمّا أن تكون ممّا يحفظه المسلم غيباً، وبيان هذه الصور على الوجه الآتي:[٥][٦][٧]
- ذهب جمهور أهل العلم إلى القول بعدم جواز مس المصحف لمن كان متلبّساً بالحدث الأصغر حتى يتوضأ، واستندوا في ذلك بعموم قول الله عزّ وجلّ: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)،[٨] وقد روي أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كتب كتاباً لأهل اليمن، جاء فيه: (لا يمسُّ القرآنَ إلَّا طاهرٌ)،[٩] وقد تلقّى أهل العلم هذا الحديث بالقبول والعمل.
- أجمع الفقهاء على جواز قراءة المسلم غير المتوضيء للقرآن من حفظه، حيث لم يرد في الشرع ما يفهم منه النهي عن ذلك، والأصل في المسألة الجواز، ولكنّ أهل العلم رأوا أنّ الوضوء لقراءة القرآن أفضل من عدمه، وذكر ابن باز -رحمه الله- أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يذكر الله في كلّ حالٍ، والقرآن من الذّكر؛ فجاز ذلك.
- ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى جواز مسّ المصحف الإلكترونيّ أو من الهاتف المحمول لغير المتوضيء، كما تجوز القراءة منهما؛ لأنّه ليس مصحفاً على الحقيقة، وإنّما هو عبارةٌ عن ذبذباتٍ إلكترونيّةٍ أنتجت هذا الرسم الضوئي لأحرف وكلمات القرآن، وينطبق هذا الحكم على الجهاز حال عمله أو إغلاقه.[١٠]
كيفيّات قراءة القرآن
قراءة القرآن عند علماء التلاوة والتجويد على أربع كيفيات، هي:[١١]
إقرأ أيضا:حكم صلاة الجمعة- القراءة بالترتيل: حيث يلتزم القارئ بتقويم الحروف، وتجويد الكلمات، وتحسين الأداء، ويتحقّق ذلك بإعطاء كلّ حرفٍ حقّه ومستحقّه من التجويد والإتقان، ومن صفات هذه القراءة أن يخرج كلّ حرفٍ من مخرجه الصحيح محقّقاً صفات كلّ حرفٍ بشكلٍ ميسّرٍ، وعلى هيئة التلاوة القرآنية، بحيث يميزه عن مخارج الحروف المقاربة له، ومن صفات الترتيل كذلك إظهار الشدّة، وتحقيق الهمزة، وإشباع الغنّة، وإتمام الحركة، ومراعاة إتقان أحكام التجويد إظهاراً وإخفاءً وإقلاباً وإدغاماً، والترتيل يراعى فيه التفخيم والترقيق، وعلامات الوقف والابتداء، وتحقيق المدود والإقصار، على أن يكون كلّ ذلك من غير إسرافٍ ولا تصنّعٍ؛ فلا إفراط ولا تفريط، والترتيل ليس فيه إسراعٌ أو تعجّلٌ؛ فبهذه الكيفية نزل القرآن الكريم، وبها أمر الله تعالى نبيّه عليه السلام، حيث قال تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً).[١٢]
- القراءة بالتحقيق: وهي كيفيةٌ تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ قراءة الترتيل، غير أنّ التحقيق أكثر تمهّلاً، وأشدّ انتباهاً، ويستخدمها القرّآء في مقام التعليم والتعلّم، وفي حال التلقي والأخذ عن القرّآء؛ فإنّ القراءة بها أكثر طمأنينةً من الترتيل.
- القراءة بالحَدْر: ويقصد بالحدر الإسراع بالقراءة، ولكنّها كالترتيل في مراعاة الأحكام جميعها؛ غير أنّ تطبيق الأحكام يرافقه سرعةٌ في القراءة، ولذا يُنصح من يقرأ بهذه الكيفية بضرورة الانتباه من بتر بعض الحروف، أو نقصٍ في الغُنّات، أو اختلاسٍ لحركات الأحرف، وإذا أسرع القارئ إسراع المفرّطين بشروطها أوقع نفسه بالإثم.
- القراءة بالتدوير: وهي مرتبةٌ بين الترتيل والحدر؛ فلا تمهّل ولا إسراع، ولا طمأنينة في غير مكانها، ولا عجلة حيث تنفع الطمأنينة، وهي مرتبةٌ كالترتيل من حيث مراعاة القواعد والأحكام.
فضل قراءة القرآن
لا شكّ أنّ لقراءة القرآن فضلاً كبيراً، ولتلاوته أجراً عظيماً، ومن فيض فضائله ما يأتي:[١٣]
إقرأ أيضا:حكم سب الصحابة- أنّه يشفع لمن يداوم على قراءته عند لقاء الله تعالى يوم القيامة، حيث أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك حين قال: (اقْرَؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه).[١٤]
- الحياة مع القرآن سببٌ لرفعة المسلم في الدنيا والآخرة، قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ اللهَ يرفعُ بهذا الكتابِ أقوامًا ويضعُ به آخرِينَ).[١٥]
- وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يتعاهد القرآن بالقراءة بطيب المظهر والجوهر؛ فقال: (مثَل المؤمن الذي يقرأُ القرآن كمثل الأترجَّة، ريحها طيِّبٌ وطعمُها طيب).[١٦]
- أهل القرآن هم أحباب الله تعالى وصفوته وخاصّته، وقد بشّر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بهذا فقال: (إنَّ للهِ أهلين من النَّاسِ، قالوا: من هم يا رسولَ اللهِ، قال: أهلُ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه).[١٧]
- قارئ القرآن صاحب حظوةٍ ومكانةٍ في الجنّة، حيث يرفع الله درجاته فيها بقدر قراءته القرآن في الدنيا، جاء في الحديث الشريف: (يقالُ لصاحب القرآن: اقرأ وارتَقِ، ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها).[٤]
- إنّ الأجر الحاصل للمسلم وهو يرطّب لسانه بقراءة القرآن أجرٌ عظيمٌ، وله بكلّ حرفٍ ثوابٌ، ويتضاعف هذا الثواب أضعافاً كثيرةً، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ “ألم” حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ).