المطعومات المباحة من القواعد الشرعية التي تؤسّس لكثير من الأحكام الفقهية في التشريع الإسلامي أنّ الأصل في الأشياء الإباحة ما لَم يأْتِ دليلٌ بتحريمها، والإسلام وجَّه أتباعه إلى ما فيه مصلحةٌ لهم في الدارين، الدنيا والآخرة، ففي باب المطعومات يقول الله -عز وجل-: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)،[١] فأحلَّ الله -سبحانه وتعالى- كلّ ما هو طيّبٍ، وحرّم كلّ ما هو خبيثٍ وضارٍّ، ومن المطعومات التي أباح الإسلام أكلها: لحوم الحيوانات، وحدّد لذلك شروطاً وأحكاماً لصيدها وطريقة ذبحها، وبيّنتْ الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أنواع الحيوانات التي لا يباح أكلها، ويتساءل بعض الناس عن حكم أكل لحوم الضباع، هل يجوز أكلها، أم أنّها تلحق بأنواع لحوم الحيوانات التي حرّمت الشريعة أكلها؟ حكم أكل لحم الضبع عند العلماء اختلفت آراء الفقهاء في مسألة حلّ وتحريم أكل لحم الضباع، وتعلّّق كل من أصحاب الرأيين بأدلة، وبيان المسألة فيما يأتي: القائلون بالجواز وأدلتهم ذهب جماعة من الفقهاء إلى حلّ وإباحة أكل لحم الضباع، وقد رواه عددٌ من المُحدّثين عن علي وابن عبّاس وغيرهم من الصحابة -رضي الله عنهم-، وذهب إليه أكثر من واحدٍ عند الحنفية، وهو مذهب السادة الشافعية والحنابلة وغيرهم، ومستندهم في الحكم بالإباحة حديث جابر -رضي الله عنه- وهو يجيب من سأله عن حكم أكلها: (الضبعُ أصيدٌ هيَ؟ قال: نعم، قال قلت: آكُلُها؟ قال: نعم، قال قلت: أقالهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم)،[٢][٣] ولم يقف العلماء على أثرٍ يثبت أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أكل من لحم الضبع، وإنّما جاء عن عكرمة -رضي الله عنه- أنّه رأى لحم الضبع على مائدة عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-،[٤] وجاء عن الإمام الشافعي -رحمه الله- في معرض الاستدلال على جوازه أنّ لحم الضباع كان يُباع ويشترى بين الصفا والمروة في مكة المكرمة.[٥] القائلون بالتحريم وأدلتهم ذهب السادة الحنفية إلى القول بحرمة أكل لحم الضباع، ومستندهم في ذلك الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: (نهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ من السَّبعِ)،[٦] وكما استدلّوا بحديث خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن أكلِ الضَّبُعِ فقالَ أوَ يأكلُ الضَّبُعَ أحَدٌ؟! وسألتُهُ عنِ الذِّئبِ فقالَ: أويأكلُ الذِّئبَ أحدٌ فيهِ خيرٌ؟!)[٧].[٣] ردّ القائلين بالجواز على أدلة المانعين ردّ العلماء الذين أجازوا أكل لحم الضبع الأحاديث التي استدلّ بها الفريق الآخر على تحريم لحم الضبع؛ فقالوا: حديث “كل ذي ناب من السباع” لا يدخل فيه الضبع أصلاً، لأنه ليس من السباع العادية، لذلك لا يشمله التحريم، وعلى اعتبار أنه من السباع العادية فإنّ حديث جابر -رضي الله عنه- الذي ورد فيه جواز أكل لحم الضبع يخصّص عموم حديث تحريم كلّ ذي ناب من السّباع.[٣] ما رواه خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ وهو حديثٌ نصّ غير واحدٍ من العلماء على ضعفه، وبذلك لا يصحّ الاستدلال به.[٣] بيّن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنّ السباع التي تعدو على الناس لا تكون إلا في ثلاثة أنواع من السباع، هي الأسود والنمور والذئاب، وأما الضبع فلا يعدو على الناس.[٥] يرى الإمام ابن قيّم الجوزية -رحمه الله- أنّ الضبع ينطبق عليه حدٌّ من حديّ منع أكل لحوم الحيوانات؛ فهو من ذوات الأنياب، غير أنّه لا ينطبق عليه وصف السباع الْعادية، وإنّ السباع أخصّ من الحيوانات ذوات الأنياب، وجاء تحريم السباع لأنها تورّث آكلها صفة السبعية التي فيها، فالغاذي شبيه بِالمغتذى، ثمّ إنّ القوّةَ السبعِيّة الموجودة فِي طباع الذئاب وَالأسود والنمورِ ليست فِي طبع الضباع؛ ولأجل ذلك لا يمكن مساواة الضباع بغيرها من السباع بالحرمة؛ فالضبع في لغة العرب وأعرافهم ليس من السباع.[٨] اللحوم المحرّم أكلها حرّم الإسلام من المطعومات كلّ ما فيه ضررٌ للجسم أو العقل، كما حرّم كلّ خبيث لنجاسته أو لقذارته، والحيوانات التي حرّمتها الشريعة الإسلامية هي: الخنزير، والحمر الأهلية، والبغال، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، أمّا ما عداها من الأطعمة فإنّها تبقى على أصل الإباحة، ولا يكون حراماً إلا ما جاء النصّ على تحريمه من الأصناف سابقة الذكر.[٩] الضبع وصفاته الضبع حيوان فقاري من فئة الحيوانات الجبلية، وهو من طائفة الثدييات، ومن أسمائه: حفصة وجعار، ويكنّى بأبو عامر وأبو الهنبر، ويوصف بالعرج وهو ليس كذلك، وإنّما يظنّه من رآه أعرجاً، وهو مولعٌ بنبش القبور، وله جسمٌ ممتلئٌ ورأسٌ كبيرٌ، وعنقه غليظ، وأطرافه الأماميّة مقوّسة قليلاً، وهي أطول من أطرافه الخلفيّة، وظهره محدّب، وأذنه مستعرضةٌ فوق رأسه ومدبّبة الأطراف، أمّا عيونه فهي منحرفة الوضع ولها بريقٌ مخيف، وله من الصفات الخلقية التي تظهر للناس ما تجعل منه حيواناً صاحب أثرٍ سيءٍ في نفس من يراه، ويثير عادةً في قلوب الناس الأذى والاشمئزاز؛ فهو حيوانٌ ينتشر في الليل، يخرج من جُحورِه بعد المغرب، ويصدِر صوتاً مُزعجاً، والضباع أكولةٌ بِنَهَم، وهي ذات أنيابٍ قويةٍ وغليظةٍ، وكذلك لها قوّة في عضلات الفكّين ما ليس لغيرها، وأحبّ الأماكن إلى الضباع الأراضي الزِّراعيّة المكشوفة، القريبة من المناطِق الصحراويّة، وتخرج أفراداً وجماعاتٍ صغيرةً.[١٠] المراجع ↑ سورة الأعراف، آية: 157. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 851، حسن صحيح. ^ أ ب ت ث محمد المنجد (30-1-2008)، “ما حكم أكل لحم الضبعة؟ مع ذكر الدليل ؟”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2018. بتصرّف. ↑ مركز الفتوى (28-9-2014)، “ما حكم أكل لحم الضبع؟ وهل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منه؟”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2018. بتصرّف. ^ أ ب مجلس الإفتاء (23-8-2009)، “حكم أكل لحم الضبع”، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2018. بتصرّف. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو ثعلبة الخشني، الصفحة أو الرقم: 1932. ↑ رواه المباركفوري، في تحفة الأحوذي، عن خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ، الصفحة أو الرقم: 5/200، حديث ضعيف. ↑ ابن قيم الجوزية (1991)، إعلام الموقعين عن رب العالمين، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 90، جزء 2. بتصرّف. ↑ مركز الفتوى (22-4-2007)، “الحيوانات المحرم أكلها”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2018. بتصرّف. ↑ نايف المنصور (22-6-2010)، “صفاء النبع في حكم أكل الضبع”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2018. بتصرّف.
إقرأ أيضا:حكم خلع الحجاب