حكم استعمال الكثير من جوزة الطّيب
اتّفق الفقهاء على تحريم استخدام الكثير من جوزة الطيب، ويرى المالكية والشافعية والحنابلة أنّها مُسكرة وتدخل ضمن النص العام: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ خَمْرٍ حَرامٌ)، ويرى الحنفية أنّها مسكرةٌ أو مُخدِّرة، بل بالغ ابن العماد وقاس الحشيشة عليها، وكلّ ذلك يدلّنا على أنّها في هذه الحالة مُفْسدةٌ للعقل، ولا يجوز استعمالها.
ويؤكّد ذلك أيضاً الدراسات الطبيّة، حيث تبيّن أنّ جوزة الطيب مادَّةٌ مُنَبِّهة، فإذا تمّ أخذها بكميةٍ كبيرة فقد تؤدّي إلى الإسكار، وفقدان الوعي، والتشنّجات، والقيء، وسرعة نبضات القلب، وغيرها من الأضرار الأخرى وينطبق على حرمة ذلك أيضاً قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (لا ضررَ ولا ضِرارَ).
حكم استعمال القليل من جوزة الطيب
تعدّدت آراء الفقهاء في حكم استخدام القليل من جوزة الطيب لإصلاح الطعام، والذي لا يؤدّي إلى الإسكار، وبيان أقوالهم فيما يأتي:
القول الأول: الحرمة مطلقاً
ذهب الحنفية وبعض المالكية وبعض الشافعية إلى القول بتحريم استعمال جوزة الطيب مطلقاً، ولم يُفرِّقوا بين كثيره وقليله، واستدلّوا بقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (ما أسكَرَ كثيرُهُ، فقليلُهُ حرامٌ)،[٥] وبما رُوي عن أم سلمة -رضي الله عنها-: (نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن كُلِّ مُسكِرٍ ومُفَتِّرٍ)، وحسّن ابن حجر هذا الحديث، والمقصود بالمفتّر هو كلّ ما يؤدّي إلى الخَدَرِ والفتور.[٢]
إقرأ أيضا:هل أكل لحم الحمير حلال؟القول الثاني: الجواز بضوابط
قسّم المالكية والشافعية المُسكرات إلى قسمين، وهما:
- المائع
مثل النّبيذ والخمس، وهذا نجسٌ ومستقدز، ويحرم قليله وكثيره.
- الجامد
مثل جوزة الطيب، والبنج، والزعفران، وهذه طاهرة وغير مستقذرة، ولا يضرّ القليل منها، ويُباح استعمال القليل من جوزة الطيب في إصلاح الطّعام، بشرط أن تكون بكميةٍ قليلةٍ جداً لا تصل إلى حدّ الإسكار، أما استخدامها بكميةٍ كبيرةٍ فهو محرّم بلا شك.
اقرأ ايضا : حكم الوشم
العِلّة من تحريم المسكرات
خلق الله الإنسان وميّزه بالعقل، ومعلومٌ أنّ حفظ العقل واحدٌ من أهمّ مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لتحقيق المنافع والمصالح للعباد، ودرء المفاسد عنهم في الدنيا والآخرة، والمُسكرات تؤدّي إلى ذهاب هذا العقل الذي كرّم الله به بني آدم، وربّما نجم عن ذلك العديد من الأضرار الأخرى، ففاقد العقل قد يرتكب الذنوب والمعاصي، وقد يزني، وقد يقتل، وربما قال كلاماً فيه كفر.
لِذا قال الله -سبحانه- في أوّل تحريم الخمر وقت الصلاة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)، ثمّ حرّمها الله -تعالى- مطلقاً فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)، وهذه الآية تبيّن علَّةً أخرى لتحريم هذه الأمور، وهي أنّ الشيطان يصدّ بها الناس عن ذكر الله، ويؤدّي بهم إلى وقوع العداوة والبغضاء.
إقرأ أيضا:ما حكم عظم الميتة؟