حق الحياة في الإسلام
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرمه، وأعطاه مجموعةً من الحقوق والواجبات ليحكم حياته ويرتقي بها خلافاً لسائر المخلوقات الأخرى، ويعتبر الحق في الحياة هو الأساس الذي تُبنَى عليه باقي الحقوق، كما ينبغي الإشارة إلى أنّ الشريعة الإسلامية قد كفلت حق الحياة لجميع من هم على وجه المعمورة بشراً كانوا أم غير ذلك، فلا ينبغي الاعتداء على شيءٍ من المخلوقات إلا بوجهٍ شرعي، وقد فرضت الشريعة الإسلامية لأجل الحفاظ على ذلك الحق العديد من الأحكام، وسنّت العديد من العقوبات لمن يتعدّى على ذلك الحق.
مظاهر حق الحياة في الإسلام وأحكامه
تتعدّد مظاهر وأشكال حفظ الإسلام لحق الحياة لجميع المخلوقات التي وُجِدت على وجه الأرض، وتتميز تلك المظاهر وتَبرُز بصورةٍ أوضح إذا ما نظر الناظر إلى الأحكام العملية التي شرعتها الديانة الإسلامية على معتنقيها، وتبرز كذلك في حال كانت تتعلّق بالإنسان في جميع أحواله وهيئاته؛ مسلماً كان أم كافراً، أسود كان أم أبيض، عربياً أم عجمياً، فلا فرق في هذا الحق بين إنسانٍ وآخر إلّا ضمن أسس وضوابط حددها الإسلام ونظمها وفق قواعد دقيقة، حتى أنّ الجنين في بطن أمه حفظ الله له الحق في الحياة، فمنع الاعتداء عليه بما يؤدي إلى مجرد إلحاق الضرر به أو بأمّه، وفيما يلي بيان أهم تلك المظاهر في الإسلام.[١]
إقرأ أيضا:أسباب الوضوء بعد أكل لحم الإبلمنع الاعتداء على الجنين
فقد أجمع علماء وفقهاء الأمة على تحريم إجهاض الجنين الذي بلغ من العمر في بطن أمه مقداراً محدداً؛ أي ما بعد نفخ الروح فيه، فلا يجوز الاعتداء على الجنين بإزهاق روحه أو التخلص منه في هذه المرحلة مطلقاً من خلال الإسقاط ما دام الجنين قد تشكَّل في رحم الأم ونُفِخَت الروح فيه؛ لكون الإسلام قد كفل له حقَّ الحياة والبقاء، ومنع الاعتداء عليه؛ إلّا في حالةٍ واحدة هي أن تتعرض الأم لخطرٍ محقق نتيجة ذلك الحمل، أو أصابها خطر طارئ هدّد حياتها؛ كأن تتعرض لحادثٍ، أو تقع وتُصاب بإصابة تهدد حياتها وحياة جنينها، ففي هذه الحالة يجوز الاستغناء عن في سبيل الإبقاء على حياة الأم التي هي الأصل، أو أن يكون لدى الأم مرضٌ يمنعها من مواصلة حملها، فإن استمرّ حملها تعرضت لخطرٍ مُحقّق، فكذلك يجوز في هذه الحالة التخلص من الجنين وإسقاطه بناءً على تقدير الطبيب المسلم الحاذق، ومن الأمراض التي تهدّد حياة الأم والجنين أن تكون الأم مصابةً بأمراض القلب أو السرطان أو الأمراض المتعلقة بالرحم؛ فيكون السعي إلى الإبقاء على حياة الأم أولى من الإبقاء على حياة الجنين، أمّا إذا تمكّن الأطباء واستطاعوا من إنقاذ الأم وجنينها -إذا أُصيبت بمرضٍ طارئ أو تعرضت لخطر- فيكون ذلك أبلغ وأفضل لا محالة، فإن عجزوا عن ذلك إلا بالاستغناء عن الجنين جاز ذلك مطلقاً.[٢]
إقرأ أيضا:متى توفي إبن تيميةقتل النفس بلا وجه حق من أعظم الكبائر
من مظاهر حفظ الإسلام وحمايته لحقِّ الحياة لجميع الناس أن جعل قتل النفس مُحرّماً إلا بوجه حق، فلا يجوز الاعتداء على النفس البشرية مطلقاً إلا إن كان هناك مبررٌ شرعي لذلك الاعتداء، كما لا يجوز تنفيذ حكم القتل لمستحقٍ له أو الاعتداء على أحدٍ من الناس إلا بطريق الحاكم، الذي وُجد لتطبيع أحكام الله في الأرض، قال الله سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ)،[٣] وذلك دليلٌ على احترام الإسلام واهتمامه بحق الحياة لكل نفسٍ بشرية، مسلمةً كانت أو غير مسلمة، كما جعل الإسلام من يقتل شخصاً واحداً أو يُزهق روحه بأي وسيلة كأنّما قتل جميع خلق الله، قال تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)،[٤] ليس ذلك فقط؛ بل إن الإسلام قد حرَّم كل ما يؤدي إلى إيذاء النفس البشرية ولو كان ذلك الإيذاء بسيطاً، حتى الإيذاء المعنوي فضلاً عن أن يصل الأمر إلى القتل، فحرَّم التهديد بالقتل واعتبره من الجرائم العظيمة التي تستوجب العقوبة.
سد الذرائع المفضية للقتل
من مظاهر حفظ الإسلام لحق الحياة لجميع الناس كذلك أن جعل جميع الوسائل المفضية للقتل ممنوعةً محرمة، كحمل السلاح وتوجيهه صوب أحدٍ من الناس مهما كانت الغاية والهدف من ذلك، أو الاعتداء على النفس بالانتحار، وقد وضع العقوبات الشرعية والزواجر العملية التطبيقية لأجل ذلك، وفيما يلي بعض الأمور التي حرَّمها الإسلام لكونها تُفضي إلى إزهاق الأرواح حتى لو كان ذلك احتمالاً:[٥]
إقرأ أيضا:كيف اهتم الإسلام بالعلم- نهى الإسلام عن توجيه السلاح على أحدٍ من الناس وحرَّمه إلا لسببٍ مشروع؛ وذلك سدّاً لذريعة الوصول ولو بطريق الخطأ إلى قتل النفس أو الغير بغير وجه حق، أو حتى مخافة ترويع الناس أو تخويفهم، وحفظاً لأرواح الناس ممّا ينعكس على ذلك الفعل وينتج عنه إذا ما أودى إلى قتل مسلمٍ أو ترويعه، وقد ورد في ذلك عددٌ من النصوص النبوية، منها ما رُويَ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا)،[٦] كما جاء في الحديث الذي يرويه أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُول: قَالَ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ).[٧]