الحج والعمره

تعريف الحج لغة واصطلاحاً

أركان الإسلام

بعث الله تعالى النَّبي محمد -عليه الصَّلاة والسَّلام- برسالة الإسلام ليكون خاتمة الرسالات وآخر الدِّيانات السَّماويَّة، ويكون للنَّاس كافَّةً من العرب والعجم أين وُجدوا ومتى وجدوا، من يوم بعثته -عليه الصَّلاة والسَّلام- حتى قيام السَّاعة، وجاءت الشَّريعة الإسلاميَّة بأحكامٍ ناظمةٍ لحياة النَّاس المختلفة من عباداتٍ ومعاملاتٍ وأخلاقياتٍ، وفي ما يتعلق بجانب العبادات فقد شرعها الله تعالى وبيَّنتها نصوص القرآن الكريم والسُّنة النَّبويَّة، ومن بين هذه العبادات من خُصَّت ومُيِّزت بكونها أركان الإسلام التي يبنى عليها ويقوم، وحقٌّ على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ أداؤها وإتيانها، وهذه الأركان كما جاء في حديث النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- هي: (بُنِيَ الإسلامُ على خَمْسٍ: شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتَاءِ الزكاةِ، وحجِّ البيتِ، وصومِ رمضانَ)، وتالياً حديثٌ عن أحد هذه الأركان وهو الحجُّ، وبيانٌ لمعناه في اللغة والاصطلاح، وتوضيحٌ لحُكمه التكليفيّ وفضله، والحِكمة من تشريعه.

تعريف الحجِّ

الحجُّ لغةً

الحجُّ في اللغة من الجذر اللغوي حجج، فالحاء والجيم جذٌر دالٌّ على أربعة أصولٍ (والأصل الأول هو المراد هنا)، وهي:

  • القصد، ومنه حج بيت الله الحرام؛ أي قصده بالزِّيارة.
  • السَّنَة، فالحِجَّة مرة واحدة في السَّنَة، منه قول الله تعالى على لسان والد الفتاتين لنبي الله موسى -عليه السَّلام-: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ)، وقيل أنَّ هذا الأصل راجعٌ للأصل الأول، لأنَّ الحج لا يكون إلا مرَّةً في السَّنة.
  • الحجاج؛ وهو العَظمُ المستدير حول العينين.
  • الحجحجة؛ أي النُّكوص.

الحجُّ اصطلاحاً

الحجُّ في الاصطلاح الشَّرعي هو قصد بيت الله الحرام وجبل عرفة في شهورٍ معلوماتٍ للقيام بأعمالٍ مخصوصةٍ، وهذه الأعمال عند جمهور الفقهاء هي: الوقوف بعرفة، والطَّواف ببيت الله الحرام، والسَّعي بين الصفا والمروة، وذلك وفق شروطٍ وهيئةٍ مخصوصةٍ،[٤] وقد جاء في قول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).

إقرأ أيضا:شروط الحج للمفرد

حُكم الحجِّ

الحجُّ كما سبق ركنٌ من الأركان الخمسة التي بُني الإسلام عليها، وقد ثبت كون الحجِّ فرض عينٍ على كلِّ مسلمٍ مستطيعٍ قادرٍ مرَّةً واحدةً في العُمر، وقد جاءت نصوصٌ شرعيَّةٌ كثيرة من القرآن الكريم والسُّنة النَّبويَّة تدلِّلُ على فرضية الحجِّ، منها قول الله تعالى: (…وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،، ومنها ما روي عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (أيها الناسُ: قد فرض اللهُ عليكم الحجَّ فحجُّوا، فقال رجلٌ: أكلّ عامٍ يا رسولَ اللهِ؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لو قلتُ نعم لوجبت، ولما استطعتم)، وقد انعقد إجماع الأمَّة على كون الحجِّ فرضاً على كلِّ مسلمٍ قادرٍ مرَّةً واحدةً في حياته، وأنَّ فرضيته ممَّا هو معلومٌ من الدِّين بالضَّرورة؛ أي يكفُر من أنكره وجحده.

حِكمة تشريع الحجِّ

إنَّ الله تعالى إذ شرع العبادات المختلفة ليؤديها المسلم ويتقرب إلى الله تعالى بأدائها، فقد جعل لهذه العبادات حِكماً وغاياتٍ ومعانٍ جليلةً قصدها -سبحانه وتعالى- حين شرّع هذه العبادات، وأمَّا عن الحِكم والغايات من تشريع الحجِّ، فمنها:

  • إنَّ في أداء فريضة الحجِّ استشعار التَّذلُّل لله تعالى وتمام الخضوع له؛ إذ إنَّ المسلم الحاجَّ يترك متاع الدنيا وترفها وزينتها من لباسٍ وعطورٍ وغيرها، ويتجرَّد لله تعالى من كلِّ ما كان يصرفه عنه من صوارف الدنيا وملهياتها.
  • إنَّ في أداء فريضة الحجِّ تأديةً لحق الله تعالى بشكره على نِعمه العظيمة عامّة، ونعمتي المال والصِّحة والعافية وسلامة البدن خاصَّةً؛ إذ لولا توفرهما لما تمكَّن المسلم من أداء فريضة الحجِّ.
  • إنَّ في أداء فريضة الحجِّ اجتماعاً ولقاءً لأعدادٍ كبيرةٍ من المسلمين من مختلف البلاد والأعراق والألوان والأجناس، ما يدعوهم في ذلك الجو الرُّوحانيِّ والمكان المعظَّم إلى الشُّعور بالتَّآلف والتَّآخي، وأنَّهم جميعهم على اختلافهم ورغم الفوارق بينهم سواءٌ أمام الله تعالى في تكليفهم بعبادته والتزام طاعته.

فضل الحجِّ

إنَّ لأداء فريضة الحجِّ فضائل ومنافع يجنيها المسلم الحاجُّ، فقد جاء في قول الله تعالى في سورة الحجِّ: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)،[٨] ومن هذه الفضائل:

إقرأ أيضا:معلومات عن الحج
  • مغفرة الذُّنوب والعودة بعد الحجِّ بلا ذنبٍ؛ كأنَّ الحاجَّ كالمولود الجديد الذي لا يحمل ذنباً ولم يكتسب إثماً، كما رُوي عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قوله: (مَن حجَّ للهِ، فلم يَرفُث ولم يَفسُقْ، رجَع كيوم ولدَته أمُّه).[٩]
  • الفوز بالجنَّة بإذن الله تعالى وكرمه، لمن حجَّ مخلصاً النِّيَّة لله، فقد روي عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قوله: (الحَجُّ المبْرُورُ ليس لهُ جزَاءٌ إلَّا الجنةُ).
  • الحجُّ المبرور من أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله تعالى والجهاد في سبيله، كما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: (سألَ رجلٌ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قالَ: الإيمانُ باللَّهِ، قالَ: ثمَّ ماذا؟ قالَ: الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، قالَ: ثمَّ ماذا؟ قالَ: ثمَّ الحجُّ المبرورُ).

أركان الحجِّ وواجباته

أركان الحجِّ

إنَّ للحجِّ أركاناً أربعة على قول جمهور أهل العلم، وهي:

  • الإحرام، والمراد منه الدُّخول في النُّسك والتَّلبُّس فيه.
  • الوقوف بجبل عرفة.
  • طواف الإفاضة.
  • السَّعي بين الصَّفا والمروة.

واجبات الحجِّ

وللحجِّ واجباتٌ سبعةٌ على قول أكثر أهل العلم، وهي:

إقرأ أيضا:كيف أعمل عمرة
  • ابتداء الإحرام من الميقات.
  • أن يكون وقت الوقوف بعرفة من طلوع شمس اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة إلى غروب شمسه.
  • المبيت بمِنى في ليالي التَّشريق.
  • المبيت بمزدلفة.
  • رمي الجمرات.
  • الحلق أو التَّقصير للتحلُّل من الإحرام.
  • طواف الوداع.
  • ذبح الهدي (أي ذبح شاةٍ) على من كان من الحُجَّاج متمتّعاً أو قارناً.

والفرق بين أركان الحجِّ وواجباته أنَّ الرُّكن لا يصحُّ الحجُّ بفواته، بينما يصحُّ الحجُّ بفوات أحد الواجبات، لكن يُلزم الحاجُّ عند تركه لواجبٍ من الواجبات بِدَمٍ (أي ذبح شاة)

السابق
خطوات الحج بالتفصيل
التالي
شروط الحج وأركانه