وضوء وصلاه

ترقيع الصلاة في المذهب المالكي

الصلاة

تُطلَق كلمة الصّلاةُ في أصلِ اللّغةِ العربيّةِ على الدّعاءِ بالخيرِ، وهذا قبلَ مَجيءِ الإِسلامِ، فإذا قيل إنَّ فُلاناً يُصلّي، فكانَ معنى ذلكَ أنَّ فلاناً يَدعو، أمّا مصطلحُ الصَّلاةُ في الشرع فقد أخذَ يُطلَقُ بعدَ مَجيءِ الإِسلامِ على حركاتٍ وأقوالٍ مخصوصة ومُحدّدة يقومُ بها الإنسان المسلمُ طاعةً لأمرِ اللهِ سبحانه وتعالى، وهذه الحركات تُبدأ بتكبيرةِ الإِحرامِ، وتُختم بالتّسليمِ، ويُتلى في كلِّ ركعةٍ من ركعات الصّلاة سورةَ الفاتحةِ؛ لأن سورة الفاتحة ركن من أركان الصلاة، وبعد الفاتحة آياتٍ قصيرةً، ويُسَنّ أن يُكثِر المسلم المُصلّي من الدّعاءِ، والأذكارِ، والاستغفار، وفي الصلاة يرجع المسلم إلى ربه تبارك وتعالى، معلناً طاعته والتزامه أوامر الله وهدي نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

وقد بيَّن رسولنا الكريم عليه الصّلاة والسّلام كيفيّةَ أداءِ الصَّلاةِ، وأمرَ أمّتهُ بالاقتداء بهِ، فقال عليه الصّلاة والسّلام: (صَلُّوا كما رأيتُموني أُصَلِّي). ومن لم يحظَ بشرفِ رؤيةِ النبيّ محمد -عليه الصّلاة والسّلام – ورؤيةِ صلاته فقد وصلهُ تطبيقُها بشكلٍ عمليٍّ عن طريقِ الرّواية الصّحيحة من الصّحابةِ الكرام وتابعيهم رضي الله عنهم جميعاً.

لقد منّ الله على المُسلمين وأكرمهم بنِعَم عظيمة جزيلة، وأكرمهم بالتّواصل عبر عبادة يوميّةٍ عظيمةٍ تتمثّل بالصّلوات الخمس المفروضة التي تُؤهّل المسلم وتجعله لائقاً ليقف بين يدَيّ ربّه تبارك وتعالى؛ فيُناجيه ويدعوه ويتقرّب منه على مَرّ النّهار واللّيل خمس مرّاتٍ في اليوم، وجعل هذه الصّلوات الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، فقد قال الحبيب المُصطفى -عليه الصّلاة والسّلام-: (العَهدُ الذي بَينَنا وبَينَهُم الصلاةُ، فمن تَرَكَها فَقَد كَفَرَ).

إقرأ أيضا:فوائد الصلاة لجسم الإنسان

ترقيع الصّلاة في المذهب المالكي

يُطلَق على أحكام السّهو في الصّلاة عند المالكيّة وما يُغتَفر منه ويُعفى عنه وما يُوجب السّجود، سواء كان السّهو قبل السّلام أو بعده، وسواء كان السّهو في الصّلاة أدّى إلى الزّيادة أو النّقصان أو كان على شكل شكّ في القول أو شكّ في العمل، أو سهو في هيئة الصّلاة أو أحد نوافلها، فهذه الأحكام جميعها المُتعلّقة بالسّهو في الصّلاة يُطلِق عليها المالكيّة مُصطلح ترقيع الصّلاة.

أسباب سجود السهو

مُوجِب سجود السهو أو سببه إمّا الزّيادة في الصّلاة أو النّقصان من الصّلاة؛ بإنقاص هيئة أو نقصان سُنّة أو الشكّ بالصّلاة، وذلك بالشكّ بما قام به من أفعال وأقوال أثناء الصّلاة.

والسجود بسبب الزيادة يكون بالاستغفار، بينما السّجود بسبب النّقصان فهو للتّعويض عن النّقص بسبب السّهو الحاصل في المندوبات والسّنن والهيئات.

لسجود السّهو بسبب الزّيادة ضابط؛ بحيث لا تكون الزّيادة في الفعل كثيرةً؛ فإن كانت كذلك فإنّها تُبطِل الصّلاة ولا يكفي سجود السّهو، ويُمثّل فقهاء المالكيّة للزّيادة الكثيرة كمن احتاج لقتل حيّة أو عقرب، ويُمثّلون للزّيادة البسيطة التي يُمكن أن يُعفَى عنها مع سجود السّهو كمن احتاج للحكّ أو إدارة وجهه بحيث لا يُخالف القبلة، ومن كان يُصلّي الفرض فقام ليُصلّي ركعة زيادة سهواً، فمتى تذكّر فإنّه يجلس فوراً ويسجد للسّهو بعد التّسليم، فإن لم يذكر أنّ هذه الرّكعة زائدةً حتى أنهاها فإنه يسجد للسّهو بعد التسليم كذلك.

إقرأ أيضا:كيف اداوم على الصلاة

ومن نسي رُكناً من أركان الصّلاة وذكره فوراً كمن كان واقفاً فسجد فوراً ثمّ تذكّر أنّه لم يركع فإنّه يقوم فوراً، ويركع، ثم يرفع من الرّكوع ويُكمِل صلاته، ويسجد للسّهو قبل التّسليم. أمّا من نسي أحد أركان الصّلاة وتذكّر ذلك بعد أن أنهى صلاته فإنّ صلاته باطلة بسبب تفويته أحد أركان الصّلاة ولا بد من إعادتها. والجدير بالذّكر أنّ السّجود بسبب الزّيادة يكون بعد التسليم، أمّا سجود السّهو بسبب النقص يكون قبل التسليم والخروج من الصّلاة.

حكم سجود السهو (ترقيع الصلاة)

يذهب المالكيّة إلى وجوب سجود السهو لتغطية الخلل الحاصل على الصّلاة عندما يكون السهو في ثلاث سنن فأكثر، وذلك لما رُوِيَ عن رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- أنه قال: (إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه فليُلْقِ الشَّكَّ وليَبْنِ على اليقينِ فإنِ استيقَن التَّمامَ سجَد سجدتَيْنِ فإنْ كانت صلاتُه تامَّةً كانت الرَّكعةُ نافلةً والسَّجدتانِ نافلةً وإنْ كانت ناقصةً كانت الرَّكعةُ تمامًا لصلاتِه والسَّجدتانِ تُرغِمانِ أنفَ الشَّيطانِ)، فإن كان السّهو في أقل من اثنتين من السّنن فالحُكم عندها هو أنّ سجود السّهو سُنّة وليس واجب، والزّيادة والنّقص أو الشكّ الذي ذهب المالكيّة إلى أنّه يَجبُر الخلل الحاصل في الصلاة هو الخلل الذي يمكن مغفرته، فالرّكن في حال النقصان لا بد أن يُؤتى به وبكل ما بعده، ثم يسجد للسّهو، أمّا غير ذلك فيكون سجود السّهو بسبب النّقص في السُّنن المُؤكّدة أو سنن الهيئات، ويعتمد المالكيّة على أنّ ترقيع الصّلاة بسجود السّهو أولى من إبطال الصّلاة وإلغائها.

إقرأ أيضا:كيفية إمامة المرأة للنساء في الصلاة

سهو الرسول تشريع

لقد حفظ الله سبحانه وتعالى الشريعة الإسلاميّة من خلال تعهُّده لحفظ القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وما يصدر عن الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- من أقوال وأفعال تتعلّق بالتّشريع والعبادة، فهو تشريع للمُسلمين وتعليم لهم، ولذلك فإنّ ما ورد من روايات عن سهو الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فهو سهوّ بإرادة ربانيّة، ولغايات تشريعيّة يتعلّم المُسلمون دينهم، ولقد وصف الله سبحانه وتعالى كلّ ما يصدر عن الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- بقوله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)

السابق
الدعاء بعد تكبيرة الإحرام
التالي
خطوات الصلاة بالتفصيل