تأملات قرأنية

الفرق بين السنة والعام في القرآن

الإعجاز في القرآن

جعل الله -سبحانه وتعالى- لكلّ نبيٍّ من أنبيائه معجزةً يؤيّده بها، تكون خارقةً للعادة حتّى يصدّق الناس أنّه نبيّ مُرسل من الله تعالى، جاء يبيّن لهم طريق الاستقامة والتّوحيد، وجعل هذه المعجزات تناسب طبيعة الأقوام التي أُرسل إليهم الأنبياء عليهم السّلام، كما أنّها كانت حسيّة ومؤقّتة بزمن النبيّ المُرسَل؛ مثل: عيسى وموسى عليهما السّلام، لكنّ محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- أُرسل نبيّاً إلى النّاس كافّة ولكلّ زمان، فكانت معجزته القرآن الكريم، فعجز أي أحد من الإنس ومن الجنّ أن يأتي بمثله؛ لِما فيه من خصائص إعجازيّة، مع أنّ الله -تعالى- تحدّى الإنس والجنّ مجتمعين أن يأتوا بشيءٍ يُتلى مُشابه للقرآن الكريم، إلّا أنّه لم يستطع أي أحد فعل ذلك، قال الله تعالى: (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).[١][٢]

الفرق بين السّنة والعام في القرآن

من الأسباب التي جعلت من القرآن الكريم معجِزاً ولا يمكن أن يُؤتى بمثله؛ أنّ الله -تعالى- وضع كلّ كلمة فيه بمكانها الصحيح، حيثُ إنّ كلّ كلمةٍ لها معنى تؤدّيه في مقامها على أكمل وجه، ومن الأمثلة على استخدام لفظيّ سنة وعام في المواضع التي تناسبهما، حيث حمل كلّ لفظٍ معنىً مختلفاً عن الآخر، قال الله تعالى في سورة العنكبوت: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)،[٣] ولقد اختلف المفسّرون في تفسير هذين اللفظين، وبيان ذلك على النحو الآتي:

إقرأ أيضا:متى نزلت سورة النور
  • ذهب الفريق الأوّل من المفسّرين إلى أنّ اختلاف اللفظين لحكمة لفظيّة فقط؛ حتى لا يتكرّر اللفظ مرّتين متتالتين فيصبح ذكره ثقيلاً على اللسان، فالحِكمة تغيير اللفظ إلّا إذا كان هناك حاجة من تعظيمٍ وتهويلٍ.
  • ذهب الفريق الثّاني من المفسّرين إلى أنّ السّنة عند العرب تُطلق على السّنوات الصعبة التي مرّت بالجدب والشدّة على النّاس، وهذا يُناسب حال نوح عليه السّلام؛ إذ كانت دعوته لقومه شاقّةً وعسيرةً فكان قومه مكذّبين له ومعرضين عن دعوته، وكذلك كان المطر قليل والأرض جدباء، بعكس الأيام التي تلت الطّوفان التي قرنها الله -تعالى- بلفظ العام، عندما هلك أهل الكفر، ومرّت على الأرض أيام خصوبة ورخاء، كما يُشار أيضاً إلى أنّ لفظ سنين ناسب الحديث عن أيّام الكفر لذمّها، ولفظ عام جاء لوصف الأيّام التي قضاها نوح -عليه السّلام- مع من آمن معه.

وقد قال الراغب الأصفهانيّ: العام كالسّنة؛ ولكنّ العرب تطلق السّنة على أياّم الشّدة والجدب، والعام على أيّام الرّخاء والعطاء، وكذلك استُعمل لفظ عام في سورة يوسف: (عامٌ فيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفيهِ يَعصِرونَ)؛[٤] حيث قُرِن لفظ العام بالغيث، وكان قبلها قد جاء لفظ السنين مع الجدب والعمل المتواصل لمواجهته، فقال الله تعالى: (قالَ تَزرَعونَ سَبعَ سِنينَ دَأَبًا).[٥][٦]

إقرأ أيضا:ايات لجلب الحبيب بسرعة

كلمات فرّق بينها القرآن

هناك عدّة كلمات استعمل لها القرآن الكريم مرادفات لإيصال أكثر من معنى منها، وبيان بعضها فيما يأتي:[٧]

  • فرّق القرآن الكريم بين كلمتي: فعل وعمل، مع أنّهما متقاربتان جداً في المعنى، فاستُعملت كلمة عمل للعمل الذي له امتداد في الزّمان، وحاجة إلى التفكير والتأمّل والاجتهاد، ولذلك لم تُسند ههذه الكلمة إلى الله تعالى، ولا إلى صفة من صفاته، وإنّما اسندت للإنسان واجتهاده في أعماله، فقال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا)،[٨] وقال أيضاً: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا)،[٩] بينما ذُكر لفظ فعل بإسناده إلى الله تعالى؛ لأنّه لا يحتاج إلى وقت أو إلى تفكير، فجاء في القرآن الكريم: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ).[١٠]
  • فرّق الله -تعالى- في القرآن الكريم بين لفظيّ: الجهاد والقتال، مع أنّ اللفظين متقاربين جداً في المعنى؛ إلّا أنّ الجهاد أوسع وأشمل من القتال، ولذلك استُعمل لفظ القتال للذي يُقاتل في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى؛ فقد قال الله تعالى: (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)،[١١] وقال أيضاً: (وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ)،[١٢] بينما جاء لفظ الجهاد للدّعوة في سبيل الله، ونشر الدّين الإسلاميّ فهو لفظ أشمل من القتال، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)،[١٣] وقال أيضاً: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا).[١٤]
  • فرّق الله -تعالى- في القرآن الكريم بين لفظيّ: المطر والغيث، فمع التقارب الشّديد للفظين في المعنى؛ إلّا أنّ الله -تعالى- استعمل لفظ الغيث في مواطن الرحمة والخير الوفير، فقال: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ)،[١٥] وقرن الله -تعالى- لفظ المطر بالعذاب والهلاك؛ حيث قال: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).[١٦]

أوجه من الإعجاز في القرآن

ورد في القرآن الكريم عدّة مواضع تثبت أنّه معجِز، وبيان بعضها فيما يأتي:[١٧]

إقرأ أيضا:كيف تصلى صلاة قيام الليل
  • إعجاز المكان في سورة الروم؛ حيث قال الله -تعالى- في مطلع سورة الروم: (غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ*فِي بِضْعِ سِنِينَ)،[١٨] ففي الآيات السّابقة وجهين للإعجاز، أوّلهما: إعجاز في المكان؛ فعندما قال الله -تعالى- في أدنى الأرض؛ فقد وصف الأرض التي سكنها الرّوم، فقد سكنوا منطقة الأغوار ووادي عربة وهي أخفض نقطة على سطح الأرض كما وجد العلماء لاحقاً، وقد كان الصّراع مستمرّاً بين الرّوم والفرس، ووقعت معركة كبرى انتصر فيها الفرس على الرّوم، وكانت في منطقة البحر الميّت.
  • إعجاز الزّمان في سورة الرّوم؛ حيث قال الله تعالى: (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ*فِي بِضْعِ سِنِينَ)،[١٩] فعندما انتصر الفرس على الرّوم فرِح كفّار مكّة بذلك فرحاً كبيراً؛ لأنّهم ليسوا أهل كتاب مثل الفرس ، وقالوا سننتصر على المسلمين كما انتصر الفرس على الروم، فأنزل الله -تعالى- الآيات ليبشّرُ المسلمين بأنّ الكرّة ستعود وسينتصر الرّوم على الفرس في بضع سنين، ومضت السنوات حتى وصلت السّنة السّابعة فاتنتصرت الرّوم على الفرس، ففَرِح المسلمون لنصر الرّوم وأسلم خلْقٌ كثير بعدما رأوا تلك المعجزة.

السابق
تعريف القرآن الكريم
التالي
آيات قرآنية لجلب الحظ