الظاهرة القرآنية هي الظاهرة المستحيلة؛ مستحيلة التكرار، مستحيلة التحدي، مستحيلة المقابلة.. مستحيلة المقارنة بغيرها.
في بدايات الدعوة وفي الوقت الذي كانت الدعوة تعاني الأمرين تقررت عالمية القرآن وتقرر بقاؤه إلى يوم الدين “… لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ…” (الروم:56).
ظهر القرآن وخرجت الظاهرة القرآنية لتخلق من الهباء أمة ضخمة وتستبقي على القرون جيلا من الناس ما كانوا ليدخلوا التاريخ أبدا لولا نهوض هذا الكتاب بهم، وقد تقررت هذه الحقيقة في اللحظات التي كانت فيها الدعوة على المحك “وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ…” (الزخرف:44).
والقرآن أصدق وأوثق وثيقة تاريخية على الإطلاق، يقول شاخت: (إنه ليس هناك من شك في قطعية ثبوت القرآن وتنزهه عن الخطأ).
ويقول وليم ميور: (القرآن هو الكتاب الوحيد في الدنيا الذي بقي نصه محفوظا من التحريف طيلة ألف ومائتي عام).
إعجاز الظاهرة القرآنية المباغت!
لقد كانت الظاهرة القرآنية مباغتة في إعجازها البياني؛ فالأسلوب البلاغي وبهذه الصياغة لم يعهده العرب في قوالبهم القوية أو في بحور أشعارهم الجزلة، فجاء القرآن مباغتا في ثوريته البلاغية وبلا أي تمهيد على مستوى البيان عبر العقود التي سبقت الرسالة.
والمجاز القرآني ليس مثل أشعار العرب، فهو لا يعكس مناخ الصحراء ولا كائنات الصحراء العربية ولا خيال الصحراء العربية، فهو لوحة شاملة رائعة تختلط فيها الأنهار التي تجري في المروج الخضر مع الظلمات التي في البحار اللجية.
إقرأ أيضا:التمر.. غذاء الجسم والروح!والظاهرة القرآنية في استقلال تام عن ذات موضوع النبي؛ فالنبي يتعرض لنكبات ونكبات مثل موت خديجة، وموت عمه وحارسه أبو طالب، ولا نجد لذلك أثرا في القرآن مع أن الفارق بين موتهما كما في بعض الروايات لم يزد على ثلاثة أيام، ومع أن هاتين الحادثتين تركتا أثرهما المدوي الرهيب على حياة رجل كان حتى آخر لحظاته يبكي خديجة وأبا طالب عندما كان اسمهما يذكر أمامه، وعلى الرغم من ذلك لا نجد أي صدى لموتهما في القرآن، ولا نجد كلمة خديجة في القرآن كله بل ولا يوجد اسم لأي امرأة في القرآن كله إلا السيدة (مريم) التي لم تكن لها علاقة بحياته البتة.
أما في جانب العقيدة والتوحيد؛ فالقرآن هو منتهى الرقة في تنقية العقيدة التوحيدية من أية شوائب كفرية، يقول د/ الطيب بو عزة: (يؤكد القرآن دائما دور الكتب المقدسة في المسألة التوحيدية ومع ذلك يؤكد القرآن دائما على إخراج الذات الإلهية من نطاق الأنانية اليهودية –حيث الرب القومي لليهود-، والتعدد المسيحي –حيث عقيدة الثالوث الموغلة في التشويش والارتياب).
إقرأ أيضا:تَدَاعِي الجَسَد.. بَين السنة والعلوم الطبيةيتبع>>>