إتقان العمل
إتقان العمل من الأمور التي حثّ الدينُ الإسلاميّ عليه، وأُمِرَ العامل بأن يتحرّى الدقّة والإتقان في عمله، ومن لم يقم بعمله على الوجه الذي طلبه صاحب العمل اعتبره الدين غاشاً في عمله، ولم يستحق الأجر المدفوع له. قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ).
مفهوم إتقان العمل
يتعدّد مفهوم إتقان العمل لغةً واصطلاحاً كالآتي:
- العمل في اللغة: جمع عمل أعمال، وهو مأخوذ من لفظ عمل يعمل عملاً، ويُقال: فلان أعمله واستعمله غيره، أي بمعنى طلب إليه العمل، ويُقال: ذاك العامل على الصدقة؛ الشخص الذي يسعى في جمعها وتحصيلها من الناس. والعامل اسم الفاعل الذي يعمل في صنعة مُعيّنة أو في مهنة.
- العمل في الاصطلاح: للعمل عدّة تعريفات منها: كل ما يصدر من أيّ جسم من حركة أو فعل، قد يكون هذا الجسم من الجمادات أو النباتات، وقد يكون من الحيوانات، فتُعتبر الحركات المُختلفة الصادرة أعمالاً.
- أما العمل في الاصطلاح الشرعيّ: يأتي بمعنى الكسب، ويُعرَف بأنّه طلب تحصيل الشخص للمال بالوسائل والأسباب المُباحة شرعاً.
- معنى كلمة إتقان: هو الفعل الذي يصدر من الإنسان أثناء قيامه بعمله، حتى يتسنّى له اكتساب الخبرات والمهارات اللازمة لإنهاء العمل الذي يقوم به، بهدف خدمة مُجتمعه الذي يعيش فيه.
- إتقان العمل: القيام بالعمل المراد إنجازه، والانتهاء منه بأفضل صورة وعلى أتمّ وجه، ويكون ذلك ببذل الجهد، والبعد عن التراخي في العمل. لفظ إتقان هو مصدر لكلمة أتقن، أي بمعنى أنجز العمل بإحكام وبمُنتهى الدقّة.
إتقان العمل في الإسلام
يَعتبرُ الإسلامُ إتقان العملَ وسيلةً من وسائل المسلم للرزقِ الحلالِ، بل إنّه عبادة خالصة؛ فالدين الإسلامي يدعو المسلم إلى العمل والانطلاق، وعدم الفتور والكسل، فعلى المسلم أن يكون إنساناً إيجابيّاً ينطلق في هذه الدنيا نشيطاً طالباً الرزق من الله وما يُعدّه له من الخير الكثير، وهذا الخير لا يأتيه إلا بالعمل المُتواصل، وأن يستشعر المسلم مُراقبة الله تعالى في كل خطوة يخطوها في عمله، وأن يُؤدّي العمل الذي بين يديه على أتمّ وجه وأحسن حال، فالعمل في الدين الإسلاميّ عبادة، وقد أخبر بذلك الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وذكره رسوله -عليه الصّلاة والسّلام- بكل أنواعه ومُختلف مجالاته المُباحة، وهذه العبادة يُؤجر عليها المسلم إنْ قام بها وأدّاها بحقّها، وأخلص في عمله بكل ما آتاه الله من قوّة وعزيمة صادقة.
إقرأ أيضا:حقوق المساجد في الإسلاموقد ذكر مسلم في صحيحه حديث أنس عن أهميّة العمل، فقال: (عَنْ أَنَسٍ بن مالك قَالَ: قَالَ الرَسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ).
وإتقانُ العملِ في الإسلام فريضةٌ على المسلمِ، ذلك أنَّ أيّ عملَ يقوم به المسلمِ في الحياةِ الدنيا مهما صَغُر واستهان به الفرد كان عبادةً وجهاداً لهُ إذا صحّت فيهِ النيةُ وكانت خالصةً لله سبحانه، وكذا في العمل إن قدّمَ عملهُ بإتقانٍ وأمانةٍ. قال النبيُّ عليه الصّلاة والسّلام: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ).
فالإنسانُ خُلق وكُلِّفَ بعبادةِ اللهِ عزّ وجل على أكمل وجه، وهو أيضاً مُكلّفٌ بواجباتٍ عديدةٍ ومُختلفة يُؤدّيها بأمانةٍ وإخلاصٍ تجاهَ أسرته ومُجتمعهِ والمكان الذي يعيشُ فيهِ، فعليهِ تقديم يدَ العونِ ومساعدة الآخرينَ في قضاءِ حوائجهم، والعمل على تسهيلِ أمور حياتهم، كما عليهِ إتقانُ العملِ الذي يقوم به؛ فالإنسانُ ما خلقهُ اللهُ عز وجلَ إلا ليعملَ ويعمرَ الأرضَ، قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).
فلا يكفي من الإنسانِ ولا يرضى منه عزّ وجلّ عبادته فقط، بل وجب عليهِ العملُ بجدٍ واجتهاد وهمّةٍ عاليةٍ، وعليه إتقان ما قدّمه من عمل لينال التوفيق والنّجاح في الدنيا، والأجرَ والثوابَ في الآخرة من اللهِ سبحانهُ. قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)، وقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)؛ وفي الآية دليل واضح في الحث على إتقان العمل، وأنّ الله سبحانه سيُخبر كلّ فرد يوم القيامة بالعمل الذي قام به، ومقدار ما ناله من أجر وثواب على عمله.
إقرأ أيضا:الحوار في الإسلامإتقان العمل في السنّة النبويّة
وردت في السنّة النبويّة أحاديث كثيرة تحثّ المسلم على إتقان العمل وتشجعه على ذلك، منها:
- قول رسول اللهِ -عليه الصّلاة والسّلام-: (إن الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ)؛ فقيام المسلم بالعملِ على أتمِّ وجهٍ تكون عبادةً تُضاعِفُ الأجرَ، ولا يفهم من هذا الحديث عامّة النّاس فقط بنصحه وإتمام عمله، بل هو شامل ينطبقُ على جميعِ الأعمالِ وكافّة المُستويات، وعلى كلِ من أُوكل إليه أمرٌ من أمورِ المسلمين، فالعبرةُ في الدين عمومِ اللفظِ لا خصوصِ السّببِ.
- حديثُ الرَّسولِ -عليه الصّلاة والسّلام-: (إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)، والاستدلال هنا في الحديث أنَّ على العبدِ المسلم إتقانُ العملِ، حتى وإن كانَ هذا العمل في ذبحِ الحيوانات، فمن باب أولى الإتقان في باقي الأعمال الأخرى.
- قال رسول -عليه الصّلاة والسّلام-: (كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتهِ)، دلالة هذا الحديث السابق أنّ إتقان العمل واجبٌ شرعيّ على كل مُوظفٍ وعامل مهما كانت وظيفتهُ؛ فالحاكمُ أو السلطان عليهِ إتقانُ عملهِ، والأب في أسرته مسؤولٌ عن بيتهِ ورعاية أبنائه رعايةً سليمةً، وكذا الزوجةُ راعيةٌ في مالِ زوجها، وعليها المُحافظة على الأمانةِ التي كُلّفت بحملها، وإتقانُ العملِ في تربية أبنائها تربيةً سليمةً