العمل وأهميته في الإسلام
العمل لغة: الجمع أعمال، وهو من عمل يعمل عملاً، ويقال أعمله واستعمله غيره، أي طلب إليه العمل، ويُقال العامل على الصدقة، أي الذي يسعى في جمعها، والعامل الذي يعمل في مهنة معينة أو صنعة.
العمل اصطلاحاً: له العديد من التعريفات منها: أن العمل كل ما يصدر من حركة أو فعل من أي جسم، قد يكون من الجمادات أو النباتات أو الحيوانات، فهذه الحركات المختلفة تُسمّى أعمالاً، أما في الاصطلاح الشرعيّ فيأتي بمعنى الكسب، وهو طلب تحصيل الشخص المال، بما يحل من أسباب.[١]
يَعتبرُ الإسلامُ العملَ وسيلةً للرزقِ الحلالِ، بل إن العمل في الإسلام عبادة خالصة، فالشريعة الإسلامية تدعو إلى العمل والانطلاق وعدم الركون للكسل، فالمسلم إنسان إيجابيّ يجب عليه أن ينطلق في هذه الدنيا متنقلاً طالباً ما عند الله من خير عميم، وهذا الانطلاق لا يكون إلا بالعمل، وعلى الإنسان المسلم أن يستشعر مراقبة الله سبحانه وتعالى، وأن يؤدي عمله على أتم وجه ممكن، فالعمل في الإسلام بكل أنواعه ومجالاته المباحة عبادة يؤجر عليها المسلم إنْ أدّاها بحقها وأخلص فيها بكل ما آتاه الله من قدرة وإمكان، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ).[٢]
إقرأ أيضا:حديث عمر بن الخطابأحاديث الرسول عن إتقان العمل
إنّ الإنسان مأمورٌ بأداء العمل على أكمل وجهٍ، فإتقان العمل من واجباتهِ التي أوجبتها الشريعة الإسلاميةُ عليهِ، فالعمل أمانةٌ في يدِ العاملِ، وعليهِ صون هذهِ الأمانة التي وُكلت إليه من قبل صاحب العمل، مهما كانت الوظيفةُ التي يشغلُها صغيرةً أم كبيرةً، فالعاملُ مستأمنٌ على عملهِ، وقد وردت أحاديث عظيمة في ذلك منها:
- قال رسول اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إِنَّ الله يُحِبُ إذا عَمِل أحَدُكُم عَمَلا أنْ يُتْقِنَه)[٣] والمقصودُ بالإتقانُ هنا هو الإخلاصُ في العملِ، أي أنّ اللهَ عز وجلَ لا يقبلُ عملَ امرئ حتى يُخلّصهُ من الرياءِ، فعلى العامل أن يُتقنَ العملَ الذي كلفهُ بهِ صاحبُ العملِ أو الحِرفةِ، بقصدِ نفعِ خَلقِ اللهِ عز وجلَ، وألا يعملَ على مقدارِ الأجرةِ التي تُدفعُ إليهِ، بل بحسبِ ما تقتضيهِ الصنعةُ من إتقانٍ.[٤]
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتهِ)[٥] ودلالة هذا الحديث أنّ إتقان العمل واجبٌ على كل موظفٍ مهما كانت وظيفتهُ؛ فالحاكمُ عليهِ إتقانُ عملهِ، والرجلُ في بيتهِ مسؤولٌ عن بيتهِ ورعايتهِ رعايةً سليمةً، وكذلك الزوجةُ فهي راعيةٌ في مالِ زوجها، وعليها صونُ الأمانةِ التي كُلّفت بحملها، وإتقانُ العملِ الذي وُكِّل إليها من حفظٍ لبيت الزوجيةِ ورعاية لصغارها وتربيتهم، تربيةً سليمةً تُسألُ عنها أمامَ اللهِ عز وجل.
- حديثُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)[٦] وموضعُ الاستدلال هنا أنَّ على العبدِ إتقانُ العملِ الذي يقومُ بهِ، حتى وإن كانَ في القتلِ أو الذبحِ، فمن باب أولى باقي الأعمال الأخرى.
- قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إن الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ).[٧] فالقيامَ بالعملِ على أتمِّ وجهٍ عبادة تُضاعِفُ الأجرَ، ولم يُقصد بهذا الحديث العبد فقط بنصحه وإتمام عمله، وإنما هو ينطبقُ على جميعِ الأعمالِ، وعلى كلِ من وُلِّيَ أمراً من أمورِ المسلمين، فالعبرةُ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السببِ.
حكم إتقان العمل
إتقانُ العملِ فريضةٌ على المسلمِ، ذلك أنَّ عملَ المسلمِ في الحياةِ الدنيا يُعتبرُ عبادةً وجهاداً لهُ إذا صحّت فيهِ النيةُ، وإذا قدّمَ عملهُ بإتقانٍ وأمانةٍ. قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ).[٨] فالإنسانُ مكلفٌ بعبادةِ اللهِ عزّ وجل حقَّ عبادتهِ، وهو مكلفٌ بواجباتٍ عديدةٍ يُؤديها بأمانةٍ وإخلاصٍ تجاهَ مجتمعهِ الذي يعيشُ فيهِ، فعليهِ أن يُقدّم يدَ العونِ ويساعد الآخرينَ على قضاءِ حوائجهم، وتسهيلِ أمور حياتهم، وعليهِ إتقانُ العملِ الذي يقومُ به، فالإنسانُ خلقهُ اللهُ عز وجلَ ليعملَ ويعمرَ الأرضَ، تحقيقاً لقولهِ تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).[٩] فلا يكفي من الإنسانِ عبادةُ اللهِ عز وجلَ وتركِ العملِ، بل عليهِ العملُ بجدٍ ونشاطٍ وهمةٍ عاليةٍ، فهو مع نجاحهِ في الدنيا، ينالُ الأجرَ والثوابَ من اللهِ سبحانهُ.
إقرأ أيضا:من حلف بالله فصدقوهأهمية إتقان العمل
روى أَبو مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: فَيَأْمُرُ بِالخَيْرِ،أَوْ قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ).[١٠] ويدلُّ الحديثُ على أنَّ عمل المسلم صدقةً، بل واجبٌ عليهِ أن يعملَ بما ينفعُ الآخرين ويفيدهم، فيصبحُ المسلمُ رمزاً للنشاطِ والعملِ والإتقانِ ونفعِ المجتمعِ الذي يعيشُ فيهِ، وفي الحديث تنبيه للعبد المعسر على أن يجتهد ويعمل بيده، وينفق على نفسه، وأهل بيته، ويتصدّق من ماله هذا، وألّا يكون عبئاً على غيره، وفي الحديث أيضاً بيان على أن أبواب الخير كثيرة، وإذا لم يقدر العبد على أحد هذه الأبواب، فعليه البحث عن غيره من أبواب الخير، والبحث عن أي عمل يُرضي به الله عز وجل.[١١]
وفي ذلك تنبيه للمؤمن المعسر على أن يعمل بيده وينفق على نفسه ويتصدق من ذلك وألا يكون عبئاً على غيره، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: (يا معشر القراء خذوا طريق من كان قبلكم وارفعوا رؤوسكم، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين. وفيه: إنّ المؤمن إذا لم يقدر على باب من أبواب الخير ولا فتح له فعليه أن ينتقل إلى باب آخر يقدر عليه فإن أبواب الخير كثيرة، والطريق إلى مرضاة الله غير معدومة).
إقرأ أيضا:بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنةولإتقان المسلم لعمله فوائد عظيمة بالإضافة إلى الأجر والثواب من الله عزَّ وجلَّ في الآخرة ينال أيضاً التوفيق والنجاح في الدنيا، وإتقانه يدعم نجاح المجتمع الذي يعيش فيه، فيرفع من معدل الإنتاجِ ونوعيته، فيعمُّ الخير والنفعُ جميع المجتمع، وينبغي على المسلم أن يحذر أشد الحذر من أن يقع في الرياء، أو السمعة، أو النفاق، وعليه أن يحاسب نفسه، على كل عمل يقدّمه، ويصدر عنه؛ ذلك أنّ من شعر بمراقبة الله عز وجل له في كل صغيرة وكبيرة أتقن عمله، ونال محبّة الله ومحبة العباد، وعلى المسلم أن يُراقب عمله، فما كان منه خالصاً لله تعالى فليتمّه، وما كان فيه شيء من الرياء فليتركه، وعليه أن يهدف من إتقان عمله رضا الله عزّ وجل، والإخلاص له وحده سبحانه.[١٢]
المراجع
- ↑ سمير محمد جمعة العواودة ( 1431 هـ – 2010 م)، واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلاميّة (الطبعة الأولى)، القدس: جامعة القدس، صفحة 9، جزء 1.
- ↑ رواه مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، في المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن أنس، الصفحة أو الرقم: ج3 / 1189.
- ↑ رواه د/ محمود عبد الرازق الرضواني، في أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة، عن عائشة رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 35/63.
- ↑ زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (1356 هـ)، فيض القدير شرح الجامع الصغير، مصر: المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 286، جزء 2.
- ↑ رواه مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني، في موطأ الإمام مالك، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2.
- ↑ رواه أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي، في شرح مشكل الآثار، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم: 12/68.
- ↑ رواه مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني، في موطأ الإمام مالك، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: ج2 / ص161.
- ↑ رواه ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، وماجة اسم أبيه يزيد، في سنن ابن ماجه، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم: ج2 / ص1058.
- ↑ سورة هود، آية:61.
- ↑ رواه محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، في الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: ج8/ ص11.
- ↑ أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني (850هـ)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 112، جزء 22.
- ↑ حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري (المتوفى: 1413هـ) (1431 هـ – 2010 م)، غربة الإسلام (الطبعة الأولى)، الرياض – المملكة العربية السعودية: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 541، جزء 2.