مفهوم الأخلاق
الأخلاق من أهمِّ اللّغات التي تُمكّنُ الإنسانَ من إتقانِ التَّواصلِ وتبادلِ النّشاطاتِ الحياتيّة القائمةِ على التّعايُش البشريّ ومبادلةِ المُعاملاتِ اللفظيّةِ والسُّلوكيّة، وتُعرفُ الأخلاقُ بأنَّها المبادئُ والقواعدُ المُنظِّمةُ للسُّلوكِ الإنسانيّ، وهيَ من أنظِمةِ العملِ الخيريَّةِ المُؤطِّرةِ للتّعامُلاتِ البينيّةِ المُجتمعيّةِ.[١]
الأخلاقُ لغةً
“الأخلاقُ جَمعُ خُلقٍ، والخُلُق-بِضَمِّ اللَّامِ وسُكُونِها- هُو الدِّينُ والطَّبعُ والسَّجيَّةُ والمُروءَة”،[٢]والأخلاقُ في مَعْجم المَعاني جمعُ خُلُق: حالٌ للنفْس رَاسِخَةٌ تَصدُرُ عنها الأفْعالُ من خَيرٍ أو شرٍّ مِن غير حاجةٍ إلى فكرٍ ورويَّةٍ، وهي مجموعةُ الصِّفاتِ والسُّلوكاتِ البشريَّةِ التي تُوصَفُ بالحُسنِ أو القُبْح.[٣]
الأخلاقُ اصطلاحاً
عُرِفت الأخلاقُ بموازينَ عديدةٍ ومعاييرَ مُتنوعةٍ تبعاً للمدارس الفلسفيّةِ والدينيَّة، ويَرى أَرسطو وأفلاطون أنَّ الأخلاقَ تتمثّلُ في قدرة الفرد على التّمييز بينَ الخيرِ والشَّر، وأنَّها الفضيلة التي يَتغلَّبُ فيها الجانِبُ الإلهيُّ من الفَردِ على الجانِبِ الشّهوانيّ،[٤] بينَما يَرى الرواقيِّون (مَذهبٌ فَلسفيٌّ يُغلِّبُ الفِكْرَ الشَرقيّ) أنَّ الأخْلاقَ هيَ ضَبطُ الشَّهَواتِ بالعَقلِ ومُمارسَةُ الفَضائِل.[٤] أمَّا مِن المَنظور الإسلاميِّ فَتُعرَفُ الأخلاقُ بأَنَّها مَجموعَةُ المبادئِ والقَواعِدِ التي يُحدِّدُها الوحيُ لِتنظيمِ حياةِ النّاسِ وسُلوكاتِهم على نحوٍ يُحقِّقُ الغايَةَ من وُجودِهم،[١]” ويُعرِّفُها الجَرجانيّ بأنَّها: الطِّباعُ والسُّلوكاتُ العفويَّةُ التي تَصدُر عن الإنسانِ مِن غيرِ إرجاعِها للعَقلِ والتَّدبُّرِ والمُراقَبةِ، وتعتَمدُ على ما يَرسخُ في النَّفْسِ مِن حُسْنٍ وقُبْحٍ، ويَنْعَكِسُ عَنها مِن غَيْر فِكرٍ ورَويَّة.[٢]
إقرأ أيضا:درجات الحب في الإسلامأخلاق المسلم
يُعتَبَرُ الدِّينُ الإسلاميّ من أبرزَ مَصادِر الأخلاقِ والفَضائِل، وهوَ دِينٌ ثابِتٌ وبِثَباتِهِ تَثبُتُ كُلُّ القِيَمِ النّّابِعَةِ مِنْه، وتَتَّسِمُ الأخلاقُ الإسلاميّة بِسِماتٍ فريدةٍ تتمثَّلُ بالخُلودِ، والصِّدقِ، والصِّحةِ، والشُّمولِ، والتَّكامُلِ، والتَّوافُقِ العَقليّ والفِطْريِّ؛ نظراً لِتفرُّدِ مَصدَرِها بالوَحيِ وَتَشريفِها بآياتِ القُرآنِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ، وأخلاقُ المُسلِمِ مَبنيَّةٌ بِبناءٍ قَويمٍ يَتَناسَبُ مَع ظُروفِ الزَّمانِ والمَكانِ، ويَتلاءَمُ مَع تَكوينِ الفَرْدِ والمُجتَمعِ، ويَسْتوعِبُ حياةَ الإنسانِ من جَميعِ جوانِبِها.[٢]” ونِظامُ الأخلاقِ في الإسلامِ مُرتبِطٌ بِجَوانبِ الإيمانِ والعبِادةِ والمُعاملات؛ إذْ تَربِطُ الأدلّةُ الشَّرعيَّةُ من القرآنِ والسُّنَّةِ بينَ الإيمانِ وحُسْنِ الخُلُقِ، فَفي الحديثِ الشَّريفِ: (أَكمَلُ المؤمنينَ إيماناً أَحسَنُهم أَخلاقاً)[٥] تَظهرُ المُفاضلةُ بينَ المؤمنين استناداً لمعيارِ حُسْنِ الخُلُق. وفي قَولِ الرّسول عليهِ الصّلاة والسّلام: (إِنَّما بُعِثتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخْلاق)[٦] يَبرُزُ الهدفُ الأَسمى والمُشترَك لجميعِ الدِّيانات السماويَّة وجَوهَرُها الذي يتمثَّلُ في تَعزيزِ الأخلاقِ وتَهذيبِها.[١]“
حُسْنُ الخُلُق
مُعظَمُ العباداتِ التي يتقرّبُ بها العبدُ إلى ربِّهِ تحتاجُ إلى جهدٍ بدنيٍّ ومُجاهدةٍ نفسيَّةٍ لِتحصِيلِ أجرها وتثبيتِ مُستحقِّها؛ فالصَّلاةُ والصِّيامُ والزَّكاةُ والحجُّ وغيرها عباداتٌ عظيمةٌ تحتاجُ إلى جَلَدٍ عظيمٍ وهِمَّةٍ عاليةٍ لأدائِها والتقرُّبِ بها، بل إنَّ الخَلل البسيطَ في بعضِ أركانِها قَدْ يُبطِلها ويوجِبُ قَضاءَها أو التَّكفيرِ عنها. أمَّا عبادةُ حُسْنِ الخُلُق فَهيَ آدابٌ وفَضائِلُ فِطريَّةٌ إيمانيَّةٌ تَنعَكِسُ على عاداتِ المَرءِ وسُلوكاتِهِ دُونَ جُهدٍ مَبذولٍ أو تَكلُّفٍ وعَناءْ، فَهِيَ عِبادةٌ صامِتةٌ عَظيمَةُ الأجْرِ ويَرتَقي أَجْرُها لدَرَجاتِ قائِم اللَّيلِ صائِم النَّهارِ كَما وَرَدَ عَن رَسولِ الله صلَّ الله عليهِ وسلَّم، فعَن عائِشَةَ رضيَ الله عنها قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّ الله عليهِ وسَلَّمَ يَقول: (إنَّ المؤمن لَيُدركُ بحُسْن خُلقه درجاتِ قائم اللّيل صائمِ النهار)[٧] فعِبادةُ حُسنِ الخُلُق تُزيِّنُ سائِرَالعِباداتِ، وتُكمِّلُها، وتَحتلُّ مساحةً من الأَجرِ مِثلَ غيرِها، وتُفاضِلُ دَرجاتِ الإيمانِ كما جاءَ في الحديثِ (أَكمَلُ المؤمنينَ إيماناً أَحسَنُهم أَخلاقاً).[
إقرأ أيضا:5 طرق تساعدك على التسامح والنسيان