معاملات اسلاميه

جلب الرزق

الرزق

مّما يشغل فكر كثيرٍ من الناس، بل مُعظم الناس، ما يخصّ مسألة الرزق وتحصيله، بل ربما تَنميته وتكثيره حتى يصل المرء إلى حد الكفاية أو الغنى، لكن المُؤمن يثق أنّ رزقه سيأتيه لا محالة، فقد كفل الله تأمين قوته وقوت من يعول، بشرط أن يسعى لذلك بالعمل الدؤوب، ثم يتوكّل على الله فيما بعد ذلك بخصوص ما يأتيه من رزق، وهو ما يُعرف بالتوكّل، وقد فرّق العلماء بين التوكّل والتواكل؛ فإذا سعى الإنسان بكل قوّته وقام بما يجب عليه القيام به من العمل والجهد المطلوب منه، ثم جاء رزقه شحيحاً، أو حتى لم يأته شيءٌ من الرزق حتى افتقر، فإن عليه أن يقوم ببعض الأمور لجلب رزقه الذي توقّف ربما لعلةٍ مجهولة أو معلومة لم يتبه لها، فما هي وسائل جلب الرزق؟ وماذا ينبغي على الإنسان أن يعمل في حال عُسره؟

معنى الرزق

الرِّزقُ يعني جميع ما ينتَفِعُ بهِ العبد من الأموال أو الزروع أو التجارة أو غير ذلك، وكلُّ إنسانٍ له رزقٌ مقسوم مُحدّد هيّأه الله له بمجرد أن نُفِخت فيه الروح، وحتماً سيدرك ذلك الرزق شاء أم أبى.

وقد صحَّ من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (يا أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللهَ وأجمِلوا في الطَّلبِ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها وإن أبطأ عنها فاتَّقوا اللهَ وأجمِلوا في الطَّلبِ خذوا ما حلَّ ودَعوا ما حرُم)،[٣] فالرزق مقسومٌ لكل عبد، ويبقى على المرء من العمل أن يسعى في طلب رزقه وتحصيله.

إقرأ أيضا:ما هو بيع السلم

كيفية جلب الرّزق

لا بد للمرء أن يسعى في تحصيل ما قدّره الله له من الرزق حتى لا يكون مُتواكلاً، وإن عُسر عليه رزقه وضاق به الحال فيجب أن يقوم ببعض الأمور ويتوكل بعدها على الله، وينتظر أن يأتيه ما قسمه الله من الرزق، وممّا يجب على العبد فعله لجلب الرزق ما يأتي:

  • يجب أن يدرك المرء أن رزقه مقسومٌ، وأنه آتيه لا محالة، وأنّ الله لم يؤخر الرزق عنه إلا لسبب؛ فإنّ المسلم إذا ما سعى لتحصيل رزقه ثم أبطأ الله عليه فإنّه يثق أنّ ذلك بأمره وحده، وأنّ الله لم يكتب له الرزق في تلك الفترة، وأنّ ما كتبه الله من الرزق سيأتيه في وقته الذي حدّده الله له، فإنّ لكل امرئٍ رزقاً استقرّ باستقراره في رحم أمه، يقول رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- بهذا الشأن: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد وَكَّلَ بالرَّحمِ ملَكًا، فيقولُ: أي ربِّ، نُطفةٌ، أي ربِّ، علقةٌ، أي ربِّ، مضغةٌ، فإذا أرادَ اللَّهُ أن يقضيَ خلقًا، قالَ: قال الملكُ: أي ربِّ ذَكَرٌ أم أنثى؟ شقيٌّ أم سعيدٌ؟ فما الرِّزقُ؟ فما الأجلُ؟ فيُكْتبُ كذلِكَ في بَطنِ أمِّهِ)، كما ثبت في الصّحيح أنّ النبي -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (يا أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللهَ وأجمِلوا في الطَّلبِ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها، وإن أبطأ عنها فاتَّقوا اللهَ وأجمِلوا في الطَّلبِ، خذوا ما حلَّ ودَعوا ما حرُم).
  • البعد عن الذنوب: فإنّ الذنوب من أهمّ ما يُؤخّر الرزق، والبعد عنها يُسرّع في الرزق ويجلبه لأهله، وقَد يُحرَمُ العبدُ الرزق الذي كُتب له بسبب معصيةٍ أو ذنب أصابه، ودليل ذلك ما روى ثوبانَ مولى رسولِ الله عن الرَّسولِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (إنَّ الرَّجلَ ليُحرمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ يُصيبُه)؛ فإن ارتكاب المعاصي والذُّنوبِ من أسباب منع الرزق، وبالتّالي فإنّ البعد عن الذنوب طريقٌ لجلب الرزق، ويمكن أن يأتي الرزق للعبد مع أنه مُذنبٌ عاصٍ لله، ولكن ذلك الرزق يأتي منزوع البركة فلا يجد المرء في رزقه الخير، بل أنه يبقى بحاجة لغيره مع كثرة ما يأتيه من المال بسبب الذّنوب. ومن المعاصي التي تمنع الرزق وتُؤخّره الزّنا، فعَن عبد الله بن عمر -رضِيَ اللهُ عنهُ-، عن رَسولِ اللهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (الزِّنا يورِثُ الفقرَ)، ويدخل في الحديث جميع ما يُؤدّي إلى الزّنا من الوسائل التي تُفضي إليه، كالنظر وغيره.
  • التوكّل على الله وعدم القنوط من رحمته: فإنّ العبد المُؤمن إذا ما قام بواجبه وأدّى عمله على أكمل وجه، فإنّه يتوكّل على الله في رزقه، ويعتقد يقيناً أنّ الله سيؤتيه ما كتبه له من الرزق، حيث إن ذلك يُعتبر من اليقين بالله والإيمان به، ويُشير إلى قوّة إيمان العبد وصدقه.
  • التوجّه إلى الله بالدّعاء والالتجاء إليه: فإن الله -سبحانه وتعالى- يفرح إذا ما دعاه عبده وينتظر ذلك، بل إنّ الله -سبحانه وتعالى- ربما يُصيب عبده المؤمن ببعض المصائب ليسمع دعاءه، ويرى تضرّعه إليه فيُلبّي دعوته، فإذا أقبل العبد المُؤمن إلى الله بالدّعاء وتوجّه إليه لم يردّ الله طلبه، بل لبّاه له ورزقه الأجر على صبره، بعد أن يسوق إليه رزقه الذي كتبه له، فيأجره ويرزقه، ويكون قد نال الاثنتين.
  • إعطاء كلّ ذي حقّ حقه، وعدم سلب الناس أموالهم: خصوصاً فيما يُعرَف بتطفيف المكيال، أو نقص الوزن بالنسبة للبائع، وذلك يدخل في باب السّحت والحرام وأكل أموال الناس بالباطل المَنهيّ عنه، وقد روى ابن ماجة في سننه عن عبد الله بن عُمر -رضي الله عنهما- أنه قال: (أقبلَ علينا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا معشرَ المُهاجِرينَ، خمسٌ إذا ابتُليتُمْ بِهِنَّ، وأعوذُ باللَّهِ أن تدرِكوهنَّ، لم تَظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعلِنوا بِها إلَّا فَشا فيهمُ الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تَكُن مَضت في أسلافِهِمُ الَّذينَ مَضو،ا ولم ينقُصوا المِكْيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذوا بالسِّنينَ وشدَّةِ المئونَةِ وجَورِ السُّلطانِ عليهِم، ولم يمنَعوا زَكاةَ أموالِهِم إلَّا مُنِعوا القَطرَ منَ السَّماءِ، ولَولا البَهائمُ لم يُمطَروا، ولم يَنقُضوا عَهْدَ اللَّهِ وعَهْدَ رسولِهِ إلَّا سلَّطَ اللَّهُ عليهم عدوًّا من غيرِهِم فأخَذوا بعضَ ما في أيدَيهِم، وما لَم تَحكُم أئمَّتُهُم بِكِتابِ اللَّهِ ويتخيَّروا مِمَّا أنزلَ اللَّهُ إلَّا جعلَ اللَّهُ بأسَهُم بينَهُم).[١٠]
  • صلة الرَّحم تجلب الرزق وقطعها يمنعه: فمن وصل رحمه وصله الله ورزقه، وأدخل البركة في ماله وتجارته وزاد من رزقه، ودليل ذلك ما رواه ابن حبان أنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (مَن أحَبَّ أنْ يُبسَطَ له في رزقِه ويُنسَأَ له في أجَلِه فلْيتَّقِ اللهَ ولْيصِلْ رحِمَه)، فإن قطيعة الرحم تمنع الرزق، وتنزع البركة من المال والأَجَل، ووصلها يزيد الرزق ويجلبه، ويُطيل في الأجل ويُبارك فيه.
  • الصّدقة تجلب الرزق: فإن الله -سبحانه وتعالى- يرزق العبد إذا تصدّق جزاء صدقته، ودليل ذلك ما يرويه ابن عبد البرّ في التمهيد عن علي بن الحسين بن علي -رضي الله عنهما- حيث يقول: (اجتمع عليُّ بنُ أبي طالبٍ وأبو بكرٍ وعمرُ وأبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ فتمارَوْا في أشياءَ، فقال لهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ: انطلِقوا بنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نسألُه، فلمَّا وقفوا على النَّبيِّ عليه السَّلامُ قالوا: يا رسولَ اللهِ جِئنا نسألُك، قال: إن شئتم سألتموني وإن شئتم أخبرتُكم بما جئتم له، قالوا أخبِرْنا يا رسولَ اللهِ، قال: جئتم تسألوني عن الصَّنيعةِ لمن تكونُ ؟ ولا ينبغي أن تكونَ الصَّنيعةُ إلَّا لذي حسَبٍ أو دِينٍ، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ يجلِبُه اللهُ على العبدِ، اللهُ يجلبُه عليه فاستنزِلوه بالصَّدقةِ، وجئتم تسألوني عن جهادِ الضَّعيفِ، وجهادُ الضَّعيفِ الحجُّ والعمرةُ، وجئتم تسألوني عن جهادِ المرأةِ، وجهادُ المرأةِ حُسنُ التَّبعُّلِ لزوجِها، وجئتم تسألوني عن الرِّزقِ من أين يأتي وكيف يأتي، أبَى اللهُ أن يرزُقَ عبدَه المؤمنَ إلَّا من حيث لا يحتسِبُ)
السابق
حق الجار فى الاسلام
التالي
اتقان العمل في الاسلام