هو عمر بن الخطاب بن نُفيل القرشي العدوي، يجتمع نسبه مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كعب بن لؤي بن غالب، ويكنَّى أبا حفص، لُقِّب بالفاروق، لأنه أظهر الإسلام بمكة ففرّق الله به بين الكفر والإيمان، وهو ثاني الخلفاء الراشدين، مثال العدل والإنصاف، والزهد والتواضع، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد أسلم ـ رضي الله عنه ـ في ذي الحجة سنة ست من النبوة، بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة ـ رضي الله عنه ـ، وله ست وعشرون سنة، وكان إسلامه فتحاً عظيماً، أعز الله به الإسلام والمسلمين .
كان عمر ـ رضي الله عنه ـ في جاهليته من أشد الناس إيذاء للمسلمين، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرى أن في إسلامه أو إسلام أبي جهل كسبا كبيرا للإسلام، فلذلك كان يدعو الله أن يهدي أحب الرجلين إليه، فكان عمر ـ رضي الله عنه ـ . عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجُلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمر بن الخطاب، فكان أحبُّهما إلى الله عمر بن الخطاب ) رواه أحمد .
وقد سبق إسلام عمر إرهاصات كانت تشير إلى أنه كان يفكر في الإسلام، وأن مآله سيكون إليه، رغم استبعاد المسلمين لذلك، لما يرونه من قسوة وشدة، لكن الله – تبارك وتعالى – القادر على كل شيء علم أن قسوة عمر الظاهرة قسوة عارضة لا مستحكمة ولا دائمة، وتكمن خلفها رحمة ورقة، وعدل وقوة، ولذلك هيأ له الأسباب للإسلام، وإذا أراد الله شيئاً هيأ له أسبابه .
روى ابن إسحاق عن أم عبد الله بنت أبي حثمة زوج الصحابي الجليل عامر بن ربيعة، قالت: ” والله، إنا لنترحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر بن ربيعة ( تعني زوجها ) في بعض حاجاتنا، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف عليَّ وهو على شركه، قالت: وكنا نلقي منه من البلاء أذى لنا وشدة علينا، قالت: فقال: إنه للانطلاق يا أم عبد الله؟، قلت: نعم، والله لنخرجن في أرض من أرض الله – إذ آذيتمونا وقهرتمونا – حتى يجعل الله لنا مخرجاً، قالت: فقال: صَحِبَكُم الله، ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه – فيما أرى ـ خروجنا، قالت: فجاء عامر بحاجته تلك، فقلت له: يا أبا عبد الله! لو رأيت عمر آنفاً ورقته وحزنه علينا!!، قال: أطمعت في إسلامه؟، قالت: نعم، قال: لا يُسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب!، قالت: يأساً منه لما كان يرى من غلظته وقسوته ” .
ولنستمع إلى عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – وهو يخبرنا عن لحظة إعلان عمر ـ رضي الله عنه ـ إسلامه، فيقول ـ كما يروي ذلك الألباني في صحيح السيرة ـ : ” لما أسلم عمر قال: أي قريش أنقل للحديث؟!، فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فغدا عليه، قال عبد الله: وغدوت أتبع أثره، وانظر ما يفعل – وأنا غلام أعقل كل ما رأيت – حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسملت ودخلت في دين محمَّد – صلى الله عليه وسلم -؟، قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر واتبعته أنا، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش – وهم في أنديتهم حول الكعبة – ألا إن ابن الخطاب قد صبأ!، قال: يقول عمر مِن خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، قال: وطلح ( أي أعيا ) فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاث مئة رجلٍ لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا، قال: فبينما هم على ذلك، إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟!، فقالوا: صبأ عمر!، قال: فمه، رجل اختار لنفسه أمراً، فماذا تريدون؟!، أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟!، خلوا عن الرجل، قال: فوالله، لكأنما ثوباً كُشط عنه، قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى ( المدينة ): يا أبت! من الرجل الذي زجر القوم عنك بـ (مكة) يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟، قال: ذاك أي بني! العاص بن وائل السهمي ” .
إقرأ أيضا:وأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْربينأسباب إسلام عمر بن الخطاب :
سماعه للقرآن الكريم :
فالقرآن هو كلام الله، له تأثير على القلوب، فيروى عن عمر أنه قال: “خرجت أتعرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، قال: فقرأ: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ }(الحاقة 40 : 41 )، قلت: كاهن، قال: { وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }(الحاقة: 42)، حتى بلغ آخر السورة. قال: فوقع الإِسلام في قلبي كل موقع ” رواه الطبراني، وهذه القصة فيها ضعف، وكذلك قصته مع أخته فاطمة حين لطمها لإسلامها وضرب زوجها سعيد بن زيد، ثم اطلاعه على صحيفة فيها آيات وإسلامه فلم يثبت شيء من هذه القصص من طريق صحيحه، ولكن الحافظ ابن حجر ذكر بان الباعث له على دخوله في الإسلام ما سمع في بيت أخته فاطمة من القرآن الكريم .
دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ له بالهداية:
عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجُلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمر بن الخطاب، فكان أحبُّهما إلى الله عمر بن الخطاب ) رواه أحمد .
وفي إسلام عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ معجزة من معجزات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي سرعة استجابة دعائه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حين دعا قائلا: ( اللهم أعز الإِسلام بأحب هذين الرجلين إليك )، فمن المعجزات والآيات التي أُعطى الله نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، تأييداً لدعوته، وإعلاءً لقدره، وهي من دلائل نبوته، سرعة استجابة الله لدعائه، ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الدعوات المستجابة ما لا يُحصى، مما امتلأت به كتب السيرة والحديث، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها دعاؤه لأبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ بأن يهدي أمه إلى الإسلام، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: ( كنت أدعو أمي إلى الإِسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أكره، فأتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله! إني كنت أدعو أمي إلى الإِسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال – صلى الله عليه وسلم -: اللهم اهد أم أبي هريرة، فخرجت مستبشراً بدعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – فلما جئت فصرت إلى الباب وقرُبت منه، فإذا هو مجاف، فسمعتْ أمي خَشَفَ قدمي، فقال: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله! أبشر، فقد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال: خيرا ) رواه مسلم .
قال النووي: ” وفيه استجابة دعاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الفور بعين المسؤول، وهو من أعلام نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” .
وقال ابن تيمية: ” ومعلوم أن من عوّده الله إجابة دعائه، لا يكون إلا مع صلاحه ودينه، ومن ادّعى النبوة، لا يكون إلا من أبرّ الناس إن كان صادقاً، أو من أفجرهم إن كان كاذباً، وإذا عوّده الله إجابة دعائه، لم يكن فاجراً، بل برّاً، وإذا لم يكن مع دعوى النبوة إلا برّاً، تعيّن أن يكون نبياً صادقاً، فإن هذا يمتنع أن يتعمّد الكذب، ويمتنع أن يكون ضالاً يظن أنه نبي”.
لقد فرح المسلمون بإسلام عمر ـ رضي الله عنه ـ فرحاً عظيماً، وازدادوا بإسلامه قوة ومنعة وعزة، وكان إسلامه ـ رضي الله عنه ـ نقطة تحول في تاريخ الإسلام، وبدأ المؤمنون يجهرون بتأدية شعائر الإسلام جماعات حول الكعبة، قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: ” إن إسلام عمر كان فتحا، وإن هجرته كانت نصرا، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه ” .
والأحاديث الثابتة في فضل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كثيرة، منها: قوله ـ صلى الله علي وسلم ـ: ( إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به ) رواه ابن ماجه، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: ( قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدَّثون ( ملهمون )، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب ) رواه البخاري، وفي صحيح مسلم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في عمر: ( والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا ( طريقا ) إلا سلك فجا غير فجك ) رواه البخاري، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟، فقالوا: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك، فوليت مدبرا، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله ) رواه البخاري .
إنَّ إسلام وحياة الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ صفحة مُشْرقة من السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، فهو أول من أسس وعمل بالتقويم الهجري، وفي عهده بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل العراق ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول، وهو الذي أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة، فرضي الله عن الفاروق عمر .