الحج والعمره

أحكام الحج والعمرة

العبادات

شرع الله -سبحانه وتعالى- عدداً من العبادات وكلَّف عباده بها، وكانت الغاية من خلق الله -تعالى- لمخلوقاته من جنٍّ وإنسٍ هي أداء حقِّه من العبادة، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[١] وتعدّدت أنواع العبادات وأشكالها؛ منها: الصّلاة، والصّيام والزّكاة، والحجّ والعُمرة، وانقسم كلُّ صنفٍ من صنوف العبادات إلى فروضٍ ونوافلٍ، وبُني الإسلام على خمسٍ من العبادات التي تعدّ أركانه وأعمدته، وأوجبها الله -تعالى- على كلِّ مسلمٍ، وهي كما جاء في الحديث الشّريف الذي يرويه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ)،[٢] وفي هذه المقالة سيتمّ الحديث عن عبادتين من هذه العبادات؛ وهما، الحجُّ والعمرة، وبيان لتعريفهما، وتوضيح ما يتّصل بهما من أحكام.

أحكام الحجّ والعُمرة

أحكام العُمرة

إنَّ ذِكر أحكام العمرة قبل الحجّ راجعٌ لاشتراكهما في بعض الأحكام، كما أنَّ المُحرِم بالحجّ قد يحرم بالعمرة في آنٍ واحدٍ، كما في حجِّ القرآن والتّمتّع،[٣] فإذا وصل المُعتمر إلى مكان الإحرام المسمّى بالميقات، يغتسل إن أمكنه الاغتسال ويلبس ملابس الإحرام، ثمّ يشرع في التّلبية قائلاً: (لبّيك عمرة، لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك)، وعند وصوله إلى مكّة المكرّمة يحضر إلى الكعّبة المشرّفة ويطوف بها سبعة أشواط مبتدئاً بالحَجَر الأسود ومنتهياً عنده، ثمّ يُصلّي ركعتين خلف مقام إبراهيم -عليه السّلام- أو قريباً منه إن أمكن، ويتوجّه بعدها إلى الصّفا والمروة فيسعى بينهما سبعة أشواط كذلك بدءاً بالصّفا وانتهاءً بالمروة، ودليل ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)،[٤] وبعدها يِحْلق المعتمر شعره أو يُقصِّر منه، أمّا المرأة فتقصّر فقط، وبذلك يتحلّل المُعتمر من إحرامه ويكون بذلك قد أتمّ العُمرة.[٥]

إقرأ أيضا:ما هي أركان العمرة

أحكام الحجّ

إنّ للحجّ أحكاماً وأفعالاً مخصوصةً ينبغي على كلّ من أراد الحجّ فعلها والتزامها، فإذا خرج المسلم للحجّ فأنّه يُحرم من الأماكن المحدّدة للإحرام، فإذا جاء اليوم الثّامن من شهر ذي الحِجّة يتجهّز الحُجّاج فيغتسلون ويرتدون ثياب الإحرام، ويُحرم أهل مكّة من أماكنهم، ويستهلُّون إحرامهم بالتّلبية؛ أي بترديد قول: (لبّيك حجّاً، لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك)، ويخرجون الحُجّاج في هذا اليوم إلى مِنى، ويصلُّون فيها الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر اليوم التّالي؛ أي اليوم التاسع، قصّراً بلا جمع، وعند طلوع شمس اليوم التّاسع يتّجه الحُجّاج إلى عرفة، فيصلُّون فيها الظُّهر والعصر قصراً وجمعاً جمع تقديم، ويقفون بعرفة مستثمرين وقتهم بذكر الله تعالى، والتّضرُّع له بالدّعاء.[٥]

عند غروب شمس اليوم التّاسع من ذي الحجّة ينطلق الحُجّاج إلى مزدلفة، ويصلّوا فيها المغرب والعشاء والفجر ثمّ يتّجهوا إلى مِنى، ومن كان من الحُجّاج ضعيفاً ولا يقوى على الزِّحام، فبإمكانه الخروج قبل الفجر إلى مِنى؛ تلافياً للزّحام، وعند الوصول إلى مِنى في اليوم العاشر من ذي الحِجّة على الحجّاج رمي جمرة العقبة، وذلك برمي سبع حصياتٍ متتاليةٍ، والتّكبير مع كلّ رميةٍ، ثمّ يقومون بذبح الهَدْي وتوزيعه على الفقراء والأكل منه، وذبح الهَدْي واجب في حقّ من حجَّ قارناً أو متمتِّعاً، ثمّ يقوم الحُجّاج بالتّحلّل من الإحرام تحلُّلاً أوّلاً، فيحلِقون ويقصّرون ويرتدون ثيابهم، ويُباح لهم ما كان محظوراً عليهم بالإحرام باستثناء مباشرة النّساء، وينتقلون بعد ذلك إلى مكّة، فيطوفون طواف الإفاضة ويسعون بين الصّفا والمروة، وبذلك يكون الحُجّاج قد تحلّلوا التّحلّل الثّاني الذي يُبيح لهم كلّ ما كان محظوراً عليهم حتى النّساء.[٥]

إقرأ أيضا:خطوات العمرة الصحيحة

يعود الحُجّاج إلى مِنى يومي الحادي عشر والثّاني عشر من ذي الحِجّة ويبيتون فيها، وفي كلّ يومٍ منهما يرمي الحُجّاج بعد الزّوال بثلاث جمراتٍ؛ هنّ: الجمرة الأولى، والوسطى، وجمرة العقبة، وفي كلِّ واحدةٍ منها يرمي الحاجّ بثلاث جمراتٍ، وفي كلّ جمرة يرمي سبع حصياتٍ متتاليةٍ، ويكبّر عند كلّ رميةٍ، وبعد إتمام الرّمي في يوم الثّاني عشر، يكون الحاجُّ بالخِيار بين التّعجل بالعودة إلى مكّة، وبين المبيت بمِنى لليوم الثّالث عشر من ذي الحِجّة ورمي الجمرات الثلاث كما فعل في اليومين السّابقين، ودليل ذلك ما قول الله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)،[٦] وقبل عودة الحُجّاج إلى بيوتهم، يطوفون بالكعّبة المشرّفة طواف الوداع.[٥]

الحجّ والعُمرة

الحجّ

الحجّ في اللغة مشتقّ من الجذر اللغوي: حَجَجَ، ومعناه: القُدوم والقصد، فيُقال: حجّ إلينا فلان؛ أي: قدِم إلينا، وحَججت الرّجل: بمعنى قصدته، ورجل محجوج؛ أي: مقصود من النّاس، ومن ثمّ تعارف النّاس على إطلاق الحجّ في التوجّه إلى بيت الله الحرام؛ قاصدينه لأداء الشّعائر والمناسك،[٧] ولمعنى الحجّ في الاصطلاح صِلة بمعناه في اللغة، فإنّ الحجّ اصطلاحاً كما يعرّفه الفقهاء هو: قصد بيت الله الحرام والمشاعر المقدّسة؛ لأداء أعمال مخصوصة؛ منها: الوقوف بعرفة والطّواف والسّعي عند جمهور الفقهاء، وذلك وِفق شروط مخصوصة وفي وأوقات مخصوصة كذلك وهي أشهر الحجّ،[٨] كما جاء في قول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).[٩]

إقرأ أيضا:متى فرض الحج في الإسلام

العُمرة

العُمرة في اللغة مأخوذة من الجذر اللغوي: عَمَرَ، ويرجع هذا الجذر إلى أصلين؛ أحدهما: الدلالة على البقاء وامتداد الزّمن، والآخر: الدلالة على العلوّ في الشيء؛ مثل: علوّ الصّوت، وإلى هذا الأصل يرجع معنى العُمرة، فيُقال: اعتمر الرّجل؛ أي: أهلّ بالعُمرة؛ وذلك لأنّه يرفع صوته بالتّلبية للعُمرة،[١٠] وذكر ابن منظور في معجمه إنّ أصل العُمرة من الزّيارة، وتُجمع على عُمَر،[١١] أمّا معنى العُمرة في الاصطلاح الشّرعي، فهي كما يُعرِّفها جمهور الفقهاء: القيام بالطّواف بالبيت الحَرام، والسّعي بين الصّفا والمروة مع الإِحرام قبل ذلك،[١٢] وقد ورد ذِكر العُمرة في كتاب الله -تعالى- مقروناً بالحجّ، وذلك في قول الله تعالى:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ).[

السابق
ما هو أجر العمرة
التالي
ما هو الحجر الاسود