علوم الطب و الحياة

القرار المكين

قال تعالى: { أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } (سورة المرسلات 20 – 23)

بهذا الأسلوب المعجز يشير تعالى إلى حقيقتين علميتين ثابتتين ليس في علم الأجنة فقط، وإنما في علم التشريح والغريزة أيضاً.

الحقيقة الأولى: هي وصف الآيات للرحم بالقرار المكين.

الحقيقة الثانية: إشارة إلى عمر الحمل الثابت تقريباً، أوما أسماه القرآن: القدر المعلوم، وكأني بالقرآن الكريم، يدعوهم للبحث والتأمل لما تحتويان من الأسرار كما سنرى في تفصيلنا لهما، إن شاء الله تعالى.

القرار المكين:

قال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ } (سورة المؤمنون 12 – 13)
 نطفة ضعيفة لا ترى إلا بعد تكبيرها مئات المرات، جعلها الله في هذا القرار، فتكاثرت وتخلقت حتى أعطت هذا البناء العظيم، وخلال هذه المرحلة كانت تنعم بكل ما تتطلبه من الغذاء والماء والأوكسجين، في مسكن أمين ومنيع ومريح، وتحت حماية مشددة من أي طارئ داخلي أوخارجي حقاً إن هذا الرحم لقرار مكين.
القصة شيقة وممتعة لا يملك من يطالعها إلا أن يسبح الخالق العظيم، وهويرى تعاضد الآليات المختلفة: التشريحية، والهرمونية، والميكانيكية، وتبادلها في كل مرحلة من مراحل تطور الجنين، لتجعل من الرحم دائماً قراراً مكيناً.
تشريحياً:
1 ـ يقع الرحم في الحوض بين المثانة من الأمام والمستقيم من الخلف، وتتألف من ثلاثة أقسام تشريحية هي: الجسم والعنق والمنطقة الواصلة بينهما وتسمى المضيق.
2 ـ يحيط بالرحم جدار عظمي قوي جداً، يسمى الحوض، ويتألف الحوض من مجموعة عظام سميكة هي العجز والعصعص من الخلف، والعظمين الحرقفين من الجانبين ويمتدان ليلتحمان في الأمام على شكل عظم العانة، هذا البناء العظمي المتين لا يقوم بحماية الرحم من الرضوض والضغط الخارجية من الجوانب كافة فحسب، وإنما يطلب منه أن يكون بناءا وترتيبا تشريحيا يرضى عنه الجنين، بحيث يكون ملائماً لنموه، متناسباً مع حجمه وشكله، وأن يسمح له عندما يكتمل نموه ويكبر آلاف المرات بالخروج والمرور عبر الفتحة السفلية إلى عالم النور، وبشكل سهل فأي اضطراب في شكل الحوض أوحجمه قد يجعل الولادة صعبة أومستحيلة، وعندها يلزم شق البطن لاستخراج الوليد بعملية جراحية تسمى القيصرية.
3 ـ أربطة الرحم: هناك أربطة تمتد من أجزاء الرحم المختلفة لترتبط بعظام الحوض أوجدار البطن تسمى الأربطة الرحمية تقوم بحمل الرحم، وتحافظ على وضعيته الخاصة الملائمة للحمل والوضع، حيث يكون كهرم مقلوب، قاعدته في الأعلى وقمته في الأسفل، وينثني جسمه على عنقه بزاوية خفيفة إلى الأمام، كما تمنع الرحم من الانقلاب إلى الخلف أوالأمام، ومن الهبوط للأسفل بعد أن يزيد وزنه آلاف المرات.
هذه الأربطة هي: الرباطان المدوران، والرباطان العرضيان، وأربطة العنق الأمامية والخلفية.

إقرأ أيضا:البكتيريا الأكلة للحم البشر والشذوذ الجنسي

ولندرك أهمية هذه الأربطة، يكفي أن نعلم أنها تحمل الرحم التي يزداد وزنه من (50) إ قبل الحمل إلى (5325) إ مع ما تحويه من محصول الحمل، وأن انقلاب الرحم إلى الخلف قبل الحمل قد يؤدي للعقم؛ لعدم إمكان النطاف من المرور إلى الرحم، وإذا حصل الانقلاب بعد بدء الحمل فقد يؤدي للإسقاط.
هرمونياً: يكون الجنين في حماية من تقلصات الرحم القوية، التي يمكن أن تؤدي لموته، أولفظه خارجاً، وذلك بارتفاع عتبة التقلص لألياف العضلة الرحمية بسبب ارتفاع نسبة هرمون البروجسترون الذي هوأحد أعضاء لجنة التوازن الهرموني أثناء الحمل والتي تتألف من:
1 ـ المنميات التناسلية: كمشرف.
2 ـ هرمون الجريبين كعض، ويقوم بالعمل مباشرة.
3 ـ هرمون البروجسترون كعض، ويقوم بالعمل مباشرة.

تتعاون هذه اللجنة وتتشاور لتؤمن للجنين الأمن والاستقرار في حصنه المنيع، فلنستمع إلى قصتها بإيجاز:

قصة الحمل:
ما إن تعشعش البيضة في الرحم حتى ترسل الزغابات الكوريونية إلى الجسم الأصغر في المبيض رسولاً يدعى المنميات التناسلية تخبره بأن البيضة بدأت التعشيش، وتطلب منه أن يوعز للرحم أن يقوم بما عليه من حسن الضيافة.
وفعلاً يقوم الهرمون بالتأثير المباشر على الدم ليقوم بتأمين متطلبات محصول الحمل، كما أن للهرمون واللوتئين (البروجسترون) كما ذكرنا الفضل في رفع عتبة تقلص العضلات الرحمية، فلا تتقلص إلا تقلصات خفيفة تفيد في تعديل وضعية الجنين داخل الرحم.
وفي الشهر الثالث يبدأ الجسم الأصفر يعلن عن اعتذاره عن الاستمرار في تقديم هذه الهرمونات، ويميل للضمور، وفي هذا الوقت تأخذ المشيمة -التي تكون قد تكونت- على عاتقها أمر تزويد الحمل بمتطلباته المتزايدة من الهرمونات حتى نهاية الحمل.
وهكذا نجد لغة التفاهم والتعاون ظاهرة في هذه اللجنة الهرمونية والجهات التي تصدر عنها.

إقرأ أيضا:إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع:

مع الطب في القرآن الكريم تأليف الدكتور عبد الحميد دياب الدكتور أحمد قرقوز مؤسسة علوم القرآن دمشق.

السابق
التلبينة سنة نبوية وعلاج طبيعي
التالي
ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون