المنهيات الشرعية

التولي

التولي لغة

التولي مأخوذ من مادة «ولي» التي تدل على القرب، يقول ابن فارس: «الواو واللام والياء أصل صحيح يدل على قرب، من ذلك الولي: القرب «1» والتولي: الإعراض بعد قرب. يقول الجوهري: وتولى عنه، أي أعرض وولى هاربا: أي أدبر، وقوله تعالى: لكل وجهة هو موليها (البقرة/ 148) أي مستقبلها بوجهه «2» » .

ويقول الراغب: وقولهم: تولى إذا عدي بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله في أقرب المواضع منه.

يقال: وليت سمعي كذا، ووليت عيني كذا، ووليت وجهي كذا، أقبلت به عليه. وإذا عدي بعن لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض، وترك قربه، فمن الأول قوله ومن يتولهم منكم فإنه منهم (المائدة/ 51) ومن الثاني قوله: فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين (آل عمران/ 63) والتولي، قد يكون بالجسم، وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار، قال الله- عز وجل-: ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون (الأنفال/ 20) ويقال: ولاه دبره، إذا انهزم، وقال تعالى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار «3» ثم لا ينصرون (آل عمران/ 111) .

وولى الشيء وتولى: أدبر. وولى عنه: أعرض عنه أو نأى، وولى هاربا: أدبر. وقد يكون وليت الشيء ووليت عنه بمعنى، وقد تكون التولية إقبالا، ومنه قوله تعالى: فول وجهك شطر المسجد الحرام (البقرة/ 144) والتولية تكون انصرافا. قال الله تعالى: ثم وليتم مدبرين … (التوبة/ 25) وقال أبو معاذ النحوي: قد تكون التولية بمعنى التولي.

إقرأ أيضا:العجلة

يقال: وليت وتوليت بمعنى واحد … وقد ولى الشيء وتولى إذا ذهب هاربا ومدبرا، والتولي يكون بمعنى الإعراض، ويكون بمعنى الاتباع قال الله تعالى: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم (محمد/ 38) أي إن تعرضوا عن الإسلام. وقوله تعالى: ومن يتولهم منكم فإنه منهم (المائدة/ 51) معناه من يتبعهم وينصرهم، تقول:

توليت فلانا أي اتبعته ورضيت به، وتوليت الأمر توليا إذا وليته، قال الله تعالى:

والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم (النور/ 11) أي ولي وزر الإفك وإشاعته «4» .

التولي اصطلاحا

قال المناوي: التولي هو الإعراض المتكلف بما يفهمه (التفعل) «1» .

وقال الكفوي: التولي: الإعراض مطلقا، ولا يلزمه الإدبار والتولي بالإدبار (يوم الزحف) قد يكون على حقيقة، وقد يكون كناية عن الانهزام، كما في قوله تعالى ثم وليتم مدبرين (التوبة/ 25) .

والتولي قد يكون لحاجة تدعو إلى الانصراف مع ثبوت العقد (النية) «2» .

حكم التولي يوم الزحف

عد الإمام ابن حجر التولي يوم الزحف من كافر أو كفار لم يزيدوا عن الضعف إلا لتحرف لقتال أو لتحيز إلى فئة يستنجد بها ضمن الكبائر، مستدلا بقوله تعالى: ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (الأنفال/ 16) وبما أخرجه الشيخان من قوله صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا السبع الموبقات … وذكر منها:

إقرأ أيضا:سوء الظن

التولي يوم الزحف» .

ونقل عن الشافعي- رحمه الله- قوله: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا، ولا يستوجبون السخط من الله لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة، وهذا مذهب ابن عباس- رضي الله عنهما- المشهور عنه «3» .

[للاستزادة: انظر صفات: الجبن- صغر الهمة الضعف- الوهن- التخلف عن الجهاد- التهاون الإهمال- التخاذل- التنصل من المسئولية.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الثبات- الرجولة الشجاعة- علو الهمة- العزة- المسئولية- الشرف جهاد الأعداء- العزم والعزيمة- الشهامة- النشاط] .

الآيات الواردة في «التولي»

1- ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين (246) «1»

2- إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم (155) يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير (156) «2»

إقرأ أيضا:ترك الصلاة

3- يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (15) ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (16) «3»

4- لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين (25) ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين (26) ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم (27) «4»

5- يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا (9) إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون باللهالظنونا (10) هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (11) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا (12) وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا (13) ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا (14) ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤلا (15) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا (16) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا (17) «1»

6- سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا (11) بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا (12) ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا (13) ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما (14) سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا (15) قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما (16) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما (17) «2»

الأحاديث الواردة في ذم (التولي)

1-* (عن ابن الخصاصية- رضي الله عنه- يقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه على الإسلام فاشترط علي «تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وتصلي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدي الزكاة، وتحج البيت، وتجاهد في سبيل الله. قال: قلت:

يا رسول الله، أما اثنتان فلا أطيقهما: أما الزكاة فما لي إلا عشر ذود هن رسل أهلي «1» وحمولتهم، وأما الجهاد فيزعمون أنه من ولى فقد باء بغضب من الله فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي «2» قال:

فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها ثم قال: «لا صدقة ولا جهاد، فبم تدخل الجنة؟» . قال: ثم قلت: يا رسول الله، أبايعك، فبايعني عليهن كلهن) * «3» .

2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات. قيل:

يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» ) * «4» .

3-* (عن العباس بن عبد المطلب- رضي الله عنه. قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين «5» .

فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث «6» بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء «7» أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي. فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته «8» قبل الكفار: قال عباس:

وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي عباس، ناد أصحاب السمرة «9» .

فقال عباس: (وكان رجلا صيتا «10» ) فقلت بأعلى صوتي: أي أصحاب السمرة؟ قال: فو الله لكأنعطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها «1» فقالوا: يا لبيك يا لبيك. قال: فاقتتلوا والكفار «2» .

والدعوة في الأنصار «3» يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا حين حمي الوطيس «4» » قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار،. ثم قال:

«انهزموا، ورب محمد.» قال: فذهبت انظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى. قال: فو الله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا «5» وأمرهم مدبرا» ) * «6» .

4-* (عن صفوان بن عسال- رضي الله عنه- قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فقال صاحبه:

لا تقل نبي؛ إنه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات. فقال لهم: «لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا الفرار يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود «7» أن لا تعتدوا في السبت» قال: فقبلوا يده ورجله فقالا: نشهد إنك نبي. قال: «فما يمنعكم أن تتبعوني؟» قالوا: إنداود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود) * «1» .

5-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال:

نزلت في يوم بدر ومن يولهم يومئذ دبره (الأنفال/ 16)) * «2» .

الأحاديث الواردة في ذم (التولي) معنى

6-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذ من سبع موتات:

موت الفجاءة، ومن لدغ الحية، ومن السبع، ومن الحرق، ومن الغرق، ومن أن يخر على شيء أو يخر عليه شيء، ومن القتل عند فرار الزحف» ) * «3» .

7-* (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: «اللهم إني أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التردي، وأعوذ بك من الغرق، والحرق، والهرم، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا، وأعوذ بك أن أموت لديغا» ) * «4» .

8-* (عن عمير الليثي- رضي الله عنه- قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «إن أولياء الله المصلون، ومن يقيم الصلوات الخمس التي كتبهن الله عليه، ويصوم رمضان، ويحتسب صومه، ويؤتي الزكاة محتسبا طيبة بها نفسه، ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها» فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، وكم الكبائر؟ قال: «تسع، أعظمهن: الإشراك بالله، وقتل المؤمن بغير حق، والفرار من الزحف، وقذف المحصنة، والسحر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا. لا يموت رجل لم يعمل هؤلاء الكبائر، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة إلا رافق محمدا صلى الله عليه وسلم في بحبوحة «5» جنة أبوابها مصاريع الذهب» ) * «6» .

9-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم: أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال. فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب «7» ، مقبل غير مدبر»

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف قلت؟» قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم. وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر.

إلا الدين «1» ؛ فإن جبريل- عليه السلام- قال لي ذلك» ) * «2» .

10-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:

أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، قال: «لا تشرك بالله شيئا، وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا؛ فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا، فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرا؛ فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية؛ فإن بالمعصية حل سخط الله- عز وجل- وإياك والفرار من الزحف، وإن هلك الناس، إذا أصاب الناس موتان «3» وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأخفهم في الله» ) * «4» .

11-* (عن عطاء يزعم «5» أن أبا العباس أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- يقول:

بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أصوم أسرد «6» ، وأصلي الليل. فإما أرسل إلي وإما لقيته. فقال:

«ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي الليل؟ فلا تفعل، فإن لعينك حظا، ولنفسك حظا، ولأهلك حظا، فصم وأفطر، وصل ونم، وصم من كل عشرة أيام يوما، ولك أجر تسعة» قال: إني أجدني أقوى من ذلك يا نبي الله قال: «فصم صيام داود (عليه السلام) » قال: وكيف كان داود يصوم يا نبي الله؟ قال: «كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى» قال: من لي بهذه يا نبي الله؟ (قال عطاء: فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صام من صام الأبد «7» ، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد» ) * «8» .

12-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير، وأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم) * «9» .

13-* (عن عمرو بن حزم- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات فذكر فيه: «وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم» ) * «1» .

14-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:

كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة «2» . فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة. وهي سمرة «3» . وقال:

بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت «4» ) * «5» .

15-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:

لقينا المشركين يومئذ «6» ، وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله وقال:

لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا. فلما لقينا هربوا حتى رأيت النساء يشتددن «7» في الجبل، رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا فأبوا، فلما أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلا. وأشرف أبو سفيان «8» فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: لا تجيبوه.

فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة) ؟ «9» قال: لا تجيبوه.

فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال:

كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك. قال أبو سفيان: اعل هبل «10» . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه» .

قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجل» قال أبو سفيان: لنا العزى «11» ولا عزى لكم. فقال النبيصلى الله عليه وسلم: «أجيبوه» . قالوا: ما نقول؟ قال قولوا: «الله مولانا ولا مولى لكم» .

قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال «1» ، وتجدون مثلة «2» لم آمر بها ولم تسؤني) * «3» .

16-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان بذراريهم ونعمهم «4» . ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف. ومعه الطلقاء «5» فأدبروا عنه «6» . حتى بقي وحده. قال:

فنادى يومئذ نداءين. لم يخلط بينهما شيئا. قال: فالتفت عن يمينه فقال: «يا معشر الأنصار» فقالوا:

لبيك يا رسول الله، أبشر، نحن معك. قال: ثم التفت عن يساره فقال: «يا معشر الأنصار» قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر، نحن معك. قال: وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: «أنا عبد الله ورسوله» فانهزم المشركون وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء. ولم يعط الأنصار شيئا.

فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا فبلغه ذلك. فجمعهم في قبة، فقال: «يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم؟» فسكتوا. فقال: «يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد تحوزونه «7» إلى بيوتكم؟» قالوا:

بلى. يا رسول الله، رضينا. قال: فقال: «لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار شعبا «8» ، لأخذت شعب الأنصار» ) * «9» .

17-* (عن ابن عباس- رضي الله عنهما- لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين (الأنفال/ 65) فكتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فقال سفيان غير مرة: أن لا يفر عشرون من مائتين، ثم نزلت الآن خفف الله عنكم (الأنفال/ 66) … الآية، فكتب أن لا يفر مائة من مائتين، وزاد سفيان مرة: نزلت حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون (الأنفال/ 65) قال سفيان وقال ابن شبرمة: وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا) * «10» .

18-* (عن بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت أبي يحدثنيه عن جدي: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قال: استغفر اللهالذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف» ) * «1» .

19-* (عن أبي عامر الأشعري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الحي: الأسد، والأشعريون: لا يفرون في القتال، ولا يغلون هم مني، وأنا منهم» . قال:

فحدثت بذلك معاوية، حدثني فقال: ليس هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «هم مني وإلي» ، فقلت: ليس هكذا حدثني أبي ولكنه حدثني، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هم مني وأنا منهم» ، قال: فأنت أعلم بحديث أبيك) * «2» .

20-* (عن أبي إسحاق. قال: قال رجل للبراء: يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ قال: لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شبان أصحابه «3» وأخفاؤهم «4» حسرا «5» ليس عليهم سلاح، أو كثير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم «6» .

جمع هوازن وبني نضر. فرشقوهم رشقا «7» ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به. فنزل فاستنصر «8» وقال: أنا النبي لا كذب «9» أنا ابن عبد المطلب، ثم صفهم» ) * «10» .

21-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فحاص «11» الناس حيصة فكنت فيمن حاص، قال: فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: ندخل المدينة فنتثبت فيها ونذهب ولا يرانا أحد، قال: فدخلنا فقلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كانت لنا توبة أقمنا، وإن كان غير ذلك ذهبنا. قال:

فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا إليه فقلنا: نحن الفرارون. فأقبل إلينا فقال: «لا، بل أنتم العكارون «12» » قال: فدنونا فقبلنا يده فقال: «أنا فئة المسلمين» ) * «13» .

من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذم (التولي)

1-* (عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر ابن الخطاب- رضي الله عنه- قال: «كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفر عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشهيد من احتسب نفسه على الله» ) * «1» .

2-* (قال المنذري- رحمه الله-: «كان الشافعي- رحمه الله- يقول: «إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال، أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا، ولا يستوجبون السخط عندي من الله لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال، أو التحيز إلى فئة. وهذا مذهب ابن عباس المشهور» ) * «2» .

3-* (قال الإمام النووي- رحمه الله-: «وأما عده صلى الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من الكبائر، فدليل صريح لمذهب العلماء كافة في كونه كبيرة» ) * «3» .

4-* (قال القرطبي عند قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (الأنفال/ 15) «أمر الله- عز وجل- في هذه الآية ألا يولي المؤمنون أمام الكفار، وهذا الأمر مفيد بالشريطة المنصوصة في مثلى المؤمنين، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنين من المشركين فالفرض ألا يفروا أمامهم. فمن فر من اثنين فهو فار من الزحف، ومن فر من ثلاثة فليس بفار من الزحف، ولا يتوجه عليه الوعيد، والفرار كبيرة موبقة بظاهر القرآن وإجماع الأكثر من الأئمة» ) * «4» .

5-* (وعند القرطبي: قال ابن القاسم:

لا تجوز شهادة من فر من الزحف، ولا يجوز لهم الفرار، وإن فر إمامهم لقوله- عز وجل- ومن يولهم يومئذ دبره.. الآية (الأنفال/ 16) «5» .

6-* (قال ابن كثير: «فأما إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب فإنه حرام وكبيرة من الكبائر» ) * «6» .

من مضار (التولي)

(1) يسخط الرب- عز وجل- ويرضي الشيطان.

(2) الذي يفر يوم الزحف غير متحيز إلى فئة أو متحرف لقتال إنما يخاف الموت، وهذا دليل على ضعف الإيمان.

(3) من تولى من الزحف فقد ارتكب جريمة عظمى في حق المجتمع، وأصبح منبوذا ينظر إليه شزرا.

(4) وهو في نفسه منتقص يرى نفسه ذليلا دون غيره في الرجولة.

السابق
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
التالي
الإجرام