بسم الله الرحمن الرحيم
الحياة الدنيا هي مزرعة الآخرة :
ما اقترن ركنان من أركان الإيمان في القرآن كما اقترن ركن الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالله يحملك على طاعته، والإيمان باليوم الآخر يحملك على ألا تؤذي مخلوقاً كائناً من كان، لذلك أقول لكم : الذي لم يدخل اليوم الآخر في حسابه لم يستقم على أمر الله .
(وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74))
[سورة المؤمنين الآية :74]
أيها الأخوة، هذه الحياة الدنيا هي مزرعة الآخرة، والحياة الدنيا جنة إذا عرفت الله، لأنه عن طريق الحياة الدنيا تكتسب آلية دخول الجنة بعباداتك، بطاعاتك، بإنفاقك، بتربية أولادك، بالدعوة إلى الله، بخدمة الفقراء، برعاية المساكين، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق
كيف السبيل ؟
1- صحبة الصادقين:
كيف السبيل؟
لذلك ربنا عز وجل أمرنا أن نكون مع المؤمنين فقال :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119))
إقرأ أيضا:فرضية الحج[سورة التوبة الآية:119]
2- ترك صحبة اللاعبين:
الآية هنا تقول :
(وَذَرِ الَّذِينَ)
[سورة الأنعام:70]
هؤلاء دعهم، لا تجلس معهم، لا تصاحبهم إلا لهدف نبيل، إن أردت أن تصاحبهم لكي تأخذ بأيديهم إلى الله، إن أردت أن تصاحبهم من أجل أن تقنعهم بأحقية هذا الدين والشرع، أما إذا أصروا على ما هم فيه دعك منهم ولا تلتفت إليهم،
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً)
[سورة الأنعام:70]
3- البعد عن تمجيد منجزات الإنسان وعدم الاكتفاء بها:
الإنسان يتوهم أننا عندنا خلوي، عندنا كمبيوتر، عندنا اتصالات، عندنا مركبات، عندنا طائرات، يرى الحضارة شيئاً ثميناً جداً، هذه الحضارة لو أنها ثمينة جداً لِمَ يحرمُها الأنبياء من قبل، الذي بلغت رسالته ما بلغ الليل والنهار، لم تكن هناك لا أجهزة اتصال، ولا هواتف محمولة، ولا كمبيوترات، ولا فضائيات، ولا شيء، أنا لا أقلل من قيمة هذه المنجزات، لكن الذي يكتفي بها ويعبدها من دون الله، ويعبد الذين اخترعوها من دون الله بعيد عن حقيقة جوهر الحياة الدنيا .
إقرأ أيضا:إنسانية الإسلام4- الرجوع إلى العقل:
الإنسان كلما ازداد عقله ازداد خوفه من الله :
رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللّهِ
[رواه ابن لال عن ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه]
5- العطاء والتقوى:
الفرق بين المؤمن وغير المؤمن كما ورد في القرآن الكريم :
الآية الدقيقة جداً في هذا الموضوع :
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6))
[سورة الليل]
صدق أنه مخلوق للجنة فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، المؤمن عجيب أيها الأخوة، همه الأول أن يعطي لا أن يأخذ، لأنه يعد نفسه للآخرة، لأنه يعد عملاً صالحاً يلقى الله به، تجد عطاءه عجيباً يعطي كل شيء، يقابله غير المؤمن يأخذ كل شيء، لأنه أيقن أنه مخلوق للدنيا لا للآخرة .
(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9))
[سورة الليل]
لأنه كذب بالحسنى وهي الجنة وآمن بالدنيا استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ،
(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى)
والأول
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)
إقرأ أيضا:إنسانية الإسلامهذا التقسيم الحقيقي للبشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، وأعراقهم
6- الإيمان بأنه ما من جهة في الكون يمكن أن تنقذك مما أنت فيه:
ما من جهة في الكون يمكن أن تنقذك مما أنت فيه
(وَلَا شَفِيعٌ)
[سورة الأنعام:51]
أحياناً يكون الإنسان قوياً جداً يلغي لك العقوبة لأنه قوي، إن لم يكن قوياً بالحد المطلوب يتوسط لك عند واحد قوي،
(وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ)
[سورة الأنعام:51]
الولي من يملك إلغاء العقوبة، والشفيع من يتوصل إلى من يملك إلغاء العقوبة، ففي الدنيا هناك أولياء.
احتمالات ثلاثة، قوي ينقذك مما أنت فيه، أو صديق يتوسط لدى قوي أن يلغي ما أنت فيه من أزمة خطيرة، أو أن يأخذوا منك مبلغاً من المال تلغى به العقوبة،
(وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا)
[سورة الأنعام:70]
لو تقدم العدل الفدية، لو تقدم أكبر فدية،
(لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا)
[سورة الأنعام:70]
أي حرموا سعادة الأبد بما كسبوا في الدنيا، معنى ذلك أن الذي ينجو عند الموت من عذاب جهنم، أن الذي يموت على الإيمان مستقيماً على أمر الله، مقبلاً عليه، مطبقاً لأمره، هو أعظم إنسان على وجه الأرض ولو كان فقيراً .
رب أشعث أغبر ذي طمرين، تنبو عنه أعين الناس، لو أقسم على الله لأبره
[أخرجه الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة]
7- ضبط الشهوات:
طبعاً الهوى هو الشهوة، الميل، هناك الهوي والهوى، الهوي هو السقوط، هوى يهوي هوياً، سقط يسقط سقوطاً، هوى يهوى هوىً، أحب يحب حباً، فعندنا الهوي وعندنا الهوى، الهوى من الهوى أي السقوط من الحب أحياناً، الإنسان يهوى ما لا يحل له فيسقط عند الله، ولأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتتحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله، الشيطان يستخدم سلاح الشهوات، وسلاح الشهوات قصير جداً، وأحقر إنسان ممكن أن يصرف ألف شاب عن دينه بصور إباحية، بفيلم، بموقع معين، فسلاح الشهوة خطير جداً لذلك يستخدمه الشيطان.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
التفسير المطول – سورة الأنعام 006 – الدرس(24-73): تفسير الآيات 70-72، الدنيا مزرعة الآخرة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2005-06-10