الخوف من الله
لا بُدّ للمسلم من أن يفكّر يومياً في علاقته مع خالقه؛ فالعبد ينظر إلى علاقته بربّه على أنّها علاقة روحانيّة، فتراه يفتر أحياناً في العبادة، ويشحذ الهمّة في أحيانٍ أخرى، والفرق بين المرء الصالح والمرء الفاجر أنّ الفاجر تتحكّم به أهواؤه وتسيطر عليه، وتتقاذفه الذنوب، فتراه ينصاع لها بسهولة، رغم أنّه في بعض الأحيان يُنيب إلى الله، أمّا الصالح فهو يكثر الطاعات، وما يدعوه إلى ذلك هو شدّة خوفه من الله، فكيف يتحقّق الخوف من الله؟
معنى الخوف من الله
الخوف لُغةً
الخوف في اللغة اسم، وهو مصدر للفعل خَافَ، وتصريفاته هي: خَافَ يخافُ خَوفاً، وخوَّفه أي جعله يخاف، فيُقال: يُخوِّفه تخويفاً، كما يُقال: فلان اعتراه خوف؛ أي أصابه الفَزَع والخشية من شيءٍ ما، والخوف هو: انفعال يحدث في النفس ينتج عن توقّع خطر ما من الأمور المكروهة، أو من فوات أمر من المحبوبات.[١]
الخوف اصطلاحاً
يُعرّف الخوف من الله في الاصطلاح الشرعيّ بأنّه استشعار العبد لعظمة الله سبحانه وتعالى، وعظمة الوقوف بين يديه، واليقين بأنّ الله -سبحانه وتعالى- يعلم ما يُسِرّه العبد في قلبه، وما يجهر به من القول والفعل،[٢] قال الله سبحانه وتعالى في ذلك: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ*أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)،[٣] وقال الله سبحانه وتعالى في موضعٍ آخر: (…مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).[٤]
إقرأ أيضا:شروط قبول العملكيفيّة الخوف من الله
يمكن للعبد أن يستشعر الخوف من الله -سبحانه وتعالى- ويصل إليه بالقيام بعدّة أمور، وترك ما يُبعد عن الله -سبحانه وتعالى- من القول والعمل، وبيان كيفيّة الوصول إلى الخوف من الله فيما يأتي:[٥]
- أن يقرأ المسلم بشكل متواصل القرآن الكريم، ويتدبّر معاني آياته، ويستشعر عظمة الله في آيات كتابه؛ قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً*وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً*وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً).[٦]
- أن يستشعر المسلم خطر الذنب وأهواله ومخاطره عليه في الدنيا، ومآله الذي سيصل إليه إن استمرّ على هذا الذنب يوم القيامة؛ فقد روى الإمام البخاريّ في صحيحه عن الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه، أنّه قال: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا).[٧]
- أن يستشعر المسلم في نفسه وقلبه ويحقّق تقوى الله -سبحانه وتعالى- والخوف منه؛ عن طريق اللجوء إلى أداء الطاعات والمأمورات من العبادات والأخلاق الحميدة، ويبتعد عن جميع المنكرات والمُنهيات والمحرمات ويجتنبها اتِّقاءً لعذاب الله وعقوبته وخوفاً منه، ورغبة في الوصول إلى مرضاته.
- تعظيم محارم الله؛ فينبغي على العبد أن يعظّم محارم الله ولا ينتهكها، فيتورَّع عن الوقوع بالآثام والمعاصي والمنكرات؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ الصَّادِقُ: مَا حَالَ بَيْنَ صَاحِبِهِ وَبَيْنَ مَحَارِمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا تَجَاوَزَ ذَلِكَ خِيفَ مِنْهُ الْيَأْسُ وَالْقُنُوطُ).
- إدارك معاني أسماء الله -سبحانه وتعالى- وصفاته؛ ليتعرَّف على الله من خلالها؛ فكلما زادت معرفة العبد بأسماء الله -سبحانه وتعالى- وصفاته زاد خوفه وحياؤه منه، وزاد حُبّه له؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (كلما كان العبد بالله أعلم، كان له أخوَف)، وقال ابن مسعود: (كفى بخشية الله عِلماً).
- أن يدرك العبد الفضائل التي يستحقّها الذين يخافون الله والتي تكون لهم يوم القيامة، فقد قال الله سبحانه في كتابه العزيز: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)،[٨] كما قال رسول اللَّهِ -صَلّى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أبو هريرة: (لا يَلِجُ النارَ رجلٌ بَكَى من خشيةِ اللهِ، حتى يَعودَ اللبَنُ في الضِّرْعِ، ولا يَجتمِعُ غُبارٌ في سبيلِ اللهِ ودُخَانُ جهَنَّمَ في مِنْخَرَيْ مُسلمٍ أبَداً).[٩]
- تدبّر العبد لأحوال الخائفين من الله، وكيفية وصولهم إلى هذه المنزلة؛ وذلك بالإيمان والعمل الصالح وقيام الليل، والبكاء من خشية الله، والصيام.
- تدبّر آيات الله، وذلك بقراءة القرآن والتركيز على المواضع التي تتناول العذاب والوعيد، ووصف النار وأحوال الناس يوم القيامة، وما يبلغ أهل النار من الشقاء والبؤس والعذاب الدائم.
- معرفة العبد لقدر نفسه؛ وأنه ضعيف مَهين، وأنّ الله لو شاء لعاجَلَه بالعقوبة.
- تدبّر العبد أحوالَ الظالمين والعاصين الذين أخذهم الله بذنوبهم، قال الله سبحانه وتعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا).[١٠]
- تدبّر العبد أحوالَ الناس يوم القيامة يوم الفزع الأكبر، وما يكونون عليه من الكرب العظيم، قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).[١١]
- سماع المواعظ المؤثرة على النفس، والمحاضرات التي ترقّق القلب وتليّنه.
- الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى؛ لما في ذلك من استحضار لجلال الله وعظمته، ومن ثمّ الخوف منه، ومن عذابه.
- خوف العبد من الموت وهو في حال المعصية، قبل التّوبة إلى الله تعالى