سماع الأغاني
يرغب كثير من الشّباب في الابتعاد عن الأغاني، ولكنّهم لا يعلمون ما هي الطريقه المناسبة لذلك، وهذا ينطبق على من يعلمون أنّ للأغاني أضراراً كثيرةً؛ وبهذا هم يدركون حُكم الأغاني تماماً، وصنفٌ آخر ربما لا يعلمون الحُكم الشرعيّ لها؛ وأنّها مُحرَّمةٌ شرعاً؛ ولذلك لا بدّ من تعليمهم، وإطلاعهم على حُكم الأغاني من ناحيةٍ شرعيّةٍ، وعلى أضرار سماع الأغاني، وهناك صنفٌ ثالثٌ يُدرك أنّ الأغاني مُحرَّمةٌ في الشريعة الإسلاميّة، ولكنّه لا يعلم كيفيّة التوقّف عن سماعها؛ لذا فإنّه يجب تعليم هؤلاء الطريقة الصّحيحة للابتعاد عن الأغاني، والبدائل المناسبة عنها.
كيفيّة الابتعاد عن الأغاني
يستطيع المسلم الذي يرغب في الابتعاد عن الأغاني أن يسلك الطُّرق الآتية؛ لتُعينه على الابتعاد عن سماع الأغاني، وهي على النّحو الآتي:[١][٢]
- استشعار مرضاة الله في جميع الأعمال والأقوال الصّادرة عن المسلم، والابتعاد عن كلّ ما يجلب غضب الله وسخطه؛ فالأغاني المُحرَّمة ممّا يجلب غضب الله، ولا بدّ من الابتعاد عن الأغاني؛ إرضاءً لله سبحانه وتعالى، وتجنُّباً لسَخَطه.
- الانشغال بالقرآن الكريم، تلاوةً، وحِفظاً، ودراسةً، وتدبُّراً.
- الانشغال بالعِلم النّافع، الذي يعود بالنّفع على الإنسان، وأهله، ومجتمعه، وأُمّته؛ فأوّل آيةٍ نزلت في كتاب الله تدعو إلى القراءة وطلب العلم، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).[٣]
- الانشغال بذِكر الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ ذِكر الله يُضفي الهدوء والطّمأنينة على الإنسان المؤمن، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).[٤]
- استشعار المسلم الغايةَ من وجوده، وهي عبادة الله سُبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).[٥]
تسميات أُخرى للأغاني
أطلق الإمام ابن قيم الجوزية على الأغاني تسمياتٍ أخرى، وضعها تحت فصل أسماء السّماع الشيطانيّ، ومن هذه الأسماء التي أطلقها على الأغاني: اللّهو، والزُّور، والباطل، واللَّغْو، والمُكاء، والتَّصدِية، وقُرآن الشّيطان، ورُقيَة الزِّنا، ومَنبت النّفاق، والصّوت الفاجر، والصّوت الأحمق، والسُّمود، ومزمور الشّيطان، وصوت الشّيطان.[١]
إقرأ أيضا:كيفية حياة البرزخخطر سماع الأغاني وأضرارها
لسماع الأغاني أضرارٌ ومخاطر كثيرةٌ تعود على الإنسان الذي يتعلّق قلبه بالغناء وسماع الغناء، ومن أهمّ أضرار سماع الغناء ومخاطرها ما يأتي:[٦]
- يُنبت في القلب شُعَب النِّفاق، فقد ورد عن الصحابيّ الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (الغناءُ يُنبِتُ النِّفاقَ في القلبِ كما ينبِتُ الماءُ البقل)؛[٧] فالقلب الذي يتعلّق بالغناء يُصبح مُظلماً، يفقد البصيرة، ويفقد التّمييز بين الحقّ والباطل، بل ويفرح بالباطل ويكره الحقّ.
- يوقِع في القلق، والاكتئاب، والعذاب النفسيّ الدّائم؛ فهو كمن يأكل بنَهَمٍ، ثمّ لا يشعر بالشبع، ويشرب ولا يرتوي، فهو في قلق مُستمرّ، ويصدق عليه قول الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا…)،[٨] وكثير ممّن أدمنوا الغناء وتعلّقوا به ثمّ تركوه بتوفيق الله، شعروا براحةٍ نفسيةٍ، وطمأنينة، وراحة بالٍ، وصلاح حالٍ، كانوا قد فقدوه منذ زمن؛ بسبب الغناء، والتعلُّق به.
- يطرد عن القلب سماع القرآن الكريم، والاستمتاع بالإنصات إليه، وتدبُّر معانيه، قال ابن القيم رحمه الله: (إنّك لا تجدُ أحداً عُنِي بالغناء وسماع آلاته، إلّا وفيه ضلال عن طريق الهُدى، عِلماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدَلَ عن هذا إلى ذاك، وثقُل عليه سماع القرآن، وربّما حمله الحال على أن يُسكِت القارئ ويستطيل قراءَته، ويستزيد المغنى ويستقصِر نوبته، وأقلّ ما في هذا: أن يناله نصيب وافر من هذا الذمّ، إن لم يحظَ به جميعه، والكلام في هذا مع من في قلبه بعض حياة يُحسّ بها، فأمّا من مات قلبه وعظُمت فتنته، فقد سدّ على نفسه طريق النّصيحة).[٩]
- يُبعد الإنسان وينأى به عن حضور مجالس العلم والإيمان، ويُبعده عن مُصاحبة الصّالحين، ويُكرِّه سامع الغناء بأهل الخير، ويُحبِّب لقلبه صُحبة أهل الضّلال والهوى، كما قال تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ*وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ*حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ*وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ).[١٠]
- يُزيّن للإنسان المعصية، ويُغريه بالشّهوة التي حرّمها الله، ويُحرّك مشاعر السّامع نحو العِشق، والهيام، والفُجور، ويُهيّج في الإنسان الرّغبة في إقامة العلاقات خارج نِطاق ما أحلّه الله؛ ولذلك قال ابن مسعود، وهو قول للفضيل بن عياض كذلك: (الغناء رقية الزِّنا)، وأحوال أهل الغناء ومُجونهم وفضائحهم الأخلاقيّة وفسادهم لا تخفى على أحدٍ.
- يجعل الإنسان من أهل الغَفلة، فيغفل عن ذِكر الله، ويغفل عن المُواظَبة على الفرائض وأدائها في وقتها، ويُضيع السُّنن، ويتكاسل عن المسابقة في الخيرات، ويجعل السّامع جريئاً في ارتكاب المُنكَرات والسيِّئات، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ*وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)،[١١] وقد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (عطَف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطّرب)؛ فالمقصود بمن اشترى لهوَ الحديث هم أهل الغناء والسّامعون لهم،[١٢] وقال ابن مسعود -رضي الله عنه- في تفسير المقصود بلهو الحديث: (هو والله الغناءُ).[١٣]
- يُعدّ شعار أهل الفسق الذين لا يراعون حُرمة الشّرع، بينما يُعدّ الإعراض عن سماع الأغاني من شعار أهل الإيمان، وأهل المروءة.
- يجعل على قلب الإنسان غشاءً وغِطاءً؛ يمنعه من التدبُّر والتفكُّر في عظمة الخالق -جلّ وعَلا- وفهم كلامه، ويجعل حاجباً بينه وبين محبّة النبيّ -عليه الصّلاة والسلّام- وفهم سُنَّته، وطاعته، والاقتداء به، فلا يتأثّر قلبه بموعظةٍ، ولا يستشعر لذّة العبادة، ويفتتن بالدُّنيا الزّائلة، ويُطيل الأمل فيها، ويغفل عن الآخرة الباقية