الدنيا دار بلاء
جعل الله -تعالى- الدنيا دار ابتلاء واختبار وليست دار راحة وطمأنينة، فمهما على شأن النّاس في الدنيا علماً ومالاً وسروراً فذلك كلّه يبقى ابتلاءً ليعلم الله -تعالى- من يشكر النِّعم ممّن يكفرها؛ حيث قال الله تعالى: (هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )، فطبيعة الدنيا أنّها دار امتحان إلى آخر يومٍ فيها، فمن عقل ذلك وأدركه ارتاح واطمأنّ لأنّه ترك البحث عن الكمال في شؤونه لعلمه أنّه ما كملت الدنيا لأحد، بل إنّ الله -تعالى- يبتلي المؤمن على قدر إيمانه، فحين سُئل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن أهل البلاء قال: (الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلباً اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ)،فأشار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث إلى أحد أهداف نزول البلاء على العباد وهو تطهيرهم من الذنوب.
يرفع الله البلاء
جعل الله -تعالى- البلاء للإنسان كالدواء من داء الذنوب؛ ليطهّره ويرفعه ويربّي سلوكه، فإذا نزل البلاء على المؤمن علِم بأنّه نعمة من الله -تعالى- ليحمده ويصبر عليها، وهناك عبادات تساعد المسلم على رفع البلاء عنه، وبيان ذلك فيما يأتي:
إقرأ أيضا:كيف ربي يستجيب دعائي- تقوى الله تعالى، فهي عبادة مأمور بها المسلم، حيث جعلها الله -تعالى- سبباً للفرج بعد الشدّة وكشْفاً للكرب بعد الضّيق، حيث قال: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، فجعل الله -تعالى- دفع البلاء وكشف الهمّ للأتقياء من عباده.
- الدّعاء؛ حيث قال ابن القيّم عن بركة الدّعاء : (والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدوّ البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل).
- كثرةُ الاستغفار؛ حيث قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فكان الاستغفار أماناً من وقوع العذاب حتى بعد انعقاد أسبابه.
- الصّلاة بخشوع وحضور؛ حيث أوصى الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- المؤمنين إذا كُسفت الشمس أو خسف القمر أن يفزعوا إلى الصّلاة ليكشف الله -تعالى- عنهم ما أصابهم، وعمّم ذلك على كلّ مكروهٍ يصيب المؤمن؛ حيث قال: (فافزَعوا للصلاةِ)، وورد في رواية أخرى: (فصلُّوا حتى يُفرِّجَ اللهُ عنكم).
- الصّدقة؛ وهي من أهمّ ما يرفع البلاء عن المسلم، فقال ابن القيّم إنّ الصدقة ترفع البلاء حتّى عن الكافر والفاجر، وأوصى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- النّساء أن يتصدّقن وقرن ذلك بأنّ النّساء من أكثر أهل النّار، فكانت الصدقة سبباً لدفع بلاء عظيم جداً وهو عذاب الآخرة.
حُسْن الظّن بالله
إنّ أخطر ما يُصيب الإنسان عند وقوع البلاء أن يسيء الظّن بالله -تعالى- فييأس ويقنط ويعتقد أنّ هذا البلاء حلّ عليه دون حِكمةٍ وسبب، أو أنّه سيُلازمه لبقيّة حياته، والحقيقة أنّ العبد يتقلّب في معيّة الله ولطفه كلّ حين حتى وقت اشتداد البلاء، فموسى -عليه السّلام- وقومه حينما ظنّوا أنّ البحر من أمامهم وفرعون من خلفهم فيأس بعضهم وقال: (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، فقال موسى -عليه السّلام- وهو في غاية الثقة بالله -تعالى- وحُسْن الظّن به: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )، فنجّى الله -تعالى- برحمته موسى وقومه من فرعون وجنوده عندما لجؤوا إليه واستعانوا به، ونوح -عليه السّلام- بعد الامتحان الذي عاشه بتكذيب قومه واستهزائهم به لم يقطع الرّجاء ولم يبتعد عن التضرّع لله -تعالى- بتحقيق النّصر وتفريج الهمّ، حيث قال: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ)، فلم يتأخّر فرجُ الله -تعالى- له، حيث قال الله تعالى: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ*وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ*وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ)، فكانت النّجاة لنوح -عليه السّلام- ومن آمن والهلاك لأهل الكفر، والأنبياء -عليهم السّلام- قدوة للمسلم وعلى إذا حلّ به كرب وبلاء أن يستعين بالله -تعالى- ويدعوه وهو يُحسن الظّن أنّ الفرج قريب.
إقرأ أيضا:كيف أكون فتاة صالحةالحِكمة من البلاء
يعلم المسلم أنّ أمره كلّه خير، فحِكمة الله -تعالى- تتجلّى في كلّ الظروف التي تحلّ بالمؤمن، وعليه أن يتلقّى أيّ بلاء يصيبه بحمد الله تعالى؛ لأنّه لفائدة الإنسان ومصلحته، فقد يحلّ البلاء بالمسلم لتحقيق غاية من الغايات الآتية:
- ينزل البلاء ليكفّر خطايا المسلم؛ حيث وصف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أي بلاء يصيب المؤمن كبُر أو صغُر وحتى الشوكة التي يُشاكها تكفّر عنه الخطايا، حيث ورد في الحديث: (فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ).
- ينزل البلاء ليرفع درجات المؤمن عند ربه عزّ وجلّ، وإنّ أكثر الناس بلاءً هم الأنبياء ثمّ الصالحون، وقال العلماء أنّ البلاء ينزل على الأنبياء لتتضاعف أجورهم، وليكونوا قدوةً للمؤمنين من بعدهم في صبرهم واحتسابهم.
- ينزل البلاء ليُميّز الله -تعالى- المؤمنين عن المنافقين، حيث قال الله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
- ينزل البلاء ليُعاقب المؤمن على بعض ذنوبه، فمن حِكمة الله -تعالى- أن يحرم عبده الرزق بذنوبه، ليتذكّر ذنبه وأثره القبيح في حياته، فيعود إلى ربّه مستغفراً تائباً