ملخص المقال
- قادة فتح الأندلس، حول التمهيد لفتح الأندلس ودافع فتحه، وأشهر قادة فتح الأندلس، موسى بن نصير، طارق بن زياد، طريف بن مالك، السمح بن مالك
قادة فتح المغرب العربي
أكمل عمرو بن العاص رضي الله عنه بمعاونة عقبة بن نافع الفهري فتح ليبيا كلها سنة 22هـ (642م) [1]. وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إنّا قد بلغنا طرابلس، وبينها وبين إفريقية (تونس) تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لنا في غزوها، فعل”، فكتب إليه عمر ينهاه ويأمره بالوقوف عند هذا الحد، فعاد إلى مصر مكرَهاً بعد أن استخلف على ليبيا عقبة بن نافع الفِهْرِي، الذي صار إليه بعد ذلك فتح المغرب [2].
وتولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري مصر لعمرو بن العاص، ففتح إفريقية. وخلفه معاوية بن حديج السكوني، فأكمل فتح إفريقية. وخلفه عقبة بن نافع، ففتح حتى المحيط الأطلسي، ولكن فتحه القريب من المحيط لم يكن فتحاً مستداماً، واستُشهد عقبة في ميادين الفتح.
وخلف أبو المهاجر دينار عقبة بن نافع، ففتح أبو المهاجر المغرب الأوسط (الجزائر). وخلف زهير بن قيس البُلَوِي أبا المهاجر، فعزّز الفتح في إفريقية، وانتصر على البربر انتصاراً سَوقِياً، ولكنه استشهد في ميادين الفتح.
إقرأ أيضا:هل أحرق طارق بن زياد سفنه ؟وخلف حسان بن النعمان الغساني زهيراً ففتح قَرْطاجَنّة وفاس وانتصر على الروم في معركة سَوْقِيّة حاسمة. وجاء موسى بن نصير خلفاً لحسان، فأكمل فتح المغرب الأقصى، وفتح طنجة عَنْوَة، وفتح سبتة صلحاً.
وكان فتح طنجة سنة 89هـ (709م)، وفي هذه السنة مات غيطشة، وتولى مكانه لذريق على الأندلس، وكان على سبتة يُلْيَان الذي قاوم بنجاح موسى بن نصير وردّه عن فتح سبتة بمعاونة غيطشة الذي كان يمده بكل ما يحتاج إليه للثبات أمام المسلمين الفاتحين. فلما مات غيطشة، لم تصل إلى يليان مِن خلفه الإمدادات، فلم يبق أمامه من خيار غير الاستسلام للمسلمين الفاتحين، فسلم سبتة صلحاً لطارق بن زياد وطنجة لموسى بن نصير.
العلاقة بين المغرب والأندلس
وكان فتح الأندلس، نتيجة طبيعية لتمام فتح المغرب، لأن الأندلس هو الجناح الغربي للمغرب [3]، ولأن الأندلس كان المجال الحيوي للفتح الإسلامي بعد إنجاز فتح المغرب الإفريقي، واستقرار الفتح فيه بانتشار العرب والإسلام في ربوعه، وبوجود القوة الضاربة بيد العرب المسلمين والبربر المسلمين الفاتحين على البر المغربي.
وبين الأندلس والبر المغربي الإفريقي -الذي فتحه المسلمون- بحر المجاز، عرضه ما بين طنجة والبر الأندلسي ثمانية عشر ميلاً، وهو عرضه أيضا بين جزيرة طريف على البر الأندلسي وسبتة على البر المغربي الإفريقي، ويعرف هذا الموضع بالزقاق، وبحر المجاز هو الذي يصل البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي [4].
إقرأ أيضا:هل أحرق طارق بن زياد سفنه ؟وهذا المجاز هو الذي يفصل بين المسلمين الفاتحين من جهة، وأهل الأندلس من جهة ثانية. ولكي يحمي المسلمون ما فتحوه في المغرب من أهل الأندلس والقوط الذين يحكمونها، كان لابد لهم من فتح الأندلس، لحماية البر الإفريقي في شمالي إفريقية، فقد رأينا طنجة وسبتة قبل فتحهما تحت حكم الأندلس، فقد كان يليان عامل لذريق على سبتة [5]: “ثم ساروا إلى مدائن على شط البحر، فيها عمال لصاحب الأندلس، قد غلبوا عليها، وعلى ما حولها، ورأس تلك المدائن سبتة، وعليها علج يسمى: يليان، قاتله موسى، فألفاه في نجدة وقوة وعدّة فلم يُطِقْهُ، فرجع إلى مدينة طنجة، فأقام بمن معه، وأخذ بالغارات على ما حولهم والتضييق عليهم، والسفن تختلف إليهم بالميرة والإمداد من الأندلس من قبل ملكها غيطشة، فهم يذبّون عن حريمهم ذباً شديداً، ويحمون بلادهم حماية تامة، إلى أن هلك غيطشة، فاضطرب حبل أهل الأندلس ..” [6].
هكذا كانت العلاقة وثيقة للغاية بين ولاية سبتة وطنجة وغيرهما مع مملكة القوط في الأندلس، وكان التعاون بين الطرفين وثيقاً، ومنذ أقدم العصور، إذا كان الحكم في الأندلس قوياً، سيطر على المدن الإفريقية المواجهة لساحل الأندلس، وإذا كان الحكم فيها ضعيفاً سيطر البر الإفريقي على الأندلس أو على جزء منها، والهدف هو حماية الأندلس بالسيطرة على مدن الساحل الإفريقي، لتكون الخط الدفاعي الأول عن البر الأندلسي، وحماية البر الإفريقي من حكام الأندلس، بفتح الأندلس، كما فعل المسلمون الفاتحون، فلا بد من أن يكون أحد الطرفين مسيطراً على الطرف الثاني.
إقرأ أيضا:طارق بن زياد والعبور إلى الأندلسضرورة فتح الأندلس
إن الهدف من فتح الأندلس هو ترصين الفتح الإسلامي في شمالي إفريقية بعامة وفي ولايتي طنجة وسبتة بخاصة. أما الهدف الثاني من الفتح فهو نشر الإسلام في ربوعها وإعلاء كلمة الله فيها. إن الفاتحين حملوا إلى الناس الإسلام بالفتح، ولم يحملوا الناس بالفتح على الإسلام.
وقد كان الروم قد اتخذوا من جزيرة صقلية قاعدة أمامية متقدمة لهم، ينطلقون منها للتعرض بالساحل الإفريقي المقابل لها، فأمر موسى بن نصير بالتأهب لركوب البحر، وأعلمهم أنه راكب بنفسه، فرغب الناس وتسارعوا، فلم يبق شريف ممن كان معه إلاّ وقد ركب الفلك وعقد موسى لواء هذه الغزوة لابنه عبد الله بن موسى، وأمّره على رجالها، وولاّه عليهم، ثم أمره أن يتوجه إلى صقلية. وإنما أراد موسى بما أراد من سيره في هذه الحملة أن يركب أهل الجلد والحماية والنكاية والشرف، فسميت هذه الغزوة غزوة الأشراف [7]، وكان ذلك سنة 85هـ (705م). وفي سنة 87هـ (707م)، أغزى موسى ابنه عبد الله جزيرة سَرْدَينيا [8] فغنم وعاد سالماً غانماً.
وكانت هاتان الغزوتان لحماية الساحل الإفريقي من غزو الروم من قواعدهم البحرية في هاتين الجزيرتين.
وبعد أن أنجز موسى بن نصير استعادة فتح المغرب الأوسط، وأكمل فتح المغرب الأقصى، وفتح طنجة، أصبحت السواحل المغربية المواجهة لبعض جزر البحر الأبيض المتوسط وللأندلس، معرضة لهجمات الروم، لغرض استعادة تلك المناطق المغربية الغنية إلى سيطرتهم من جديد، ومعرضة لهجمات من القوط الذين يحكمون الأندلس، لغرض إبعاد المسلمين الفاتحين عن بلادهم بطردهم من السواحل المغربية القريبة منهم، وحماية الأندلس من غزو المسلمين المتوقع لها، ومحاولة فتحها.
وكان من جزر البحر التي اتخذها الروم والقوط قواعد لهم متقدمة: جزيرتا مَيُورُقة ومَنُوْرَقة، وهما جزيرتان في البحر الأبيض المتوسط، بين صقلية وشبه جزيرة الأندلس [9].
وفي سنة 89هـ (709م) جهز موسى ابنه عبد الله فافتتح هاتين الجزيرتين [10]، وغنم ما لا يحصى، وعاد سالماً [11].
والهدف الأول والأخير، من تعرض المسلمين بهذه الجزر، هو حماية الساحل الإفريقي من هجمات الروم والقوط، والهجوم أنجع وسائل الدفاع كما يقولون.
وعندما ضعف المسلمون في شمال إفريقية، أصبحت تلك الجزر قواعد لأساطيل أعدائهم وحشود قواتهم للهجوم على المسلمين، وأسر نسائهم ورجالهم، وأخذهم إلى القسطنطينية وغيرها.
إن فتح الأندلس، هو الوسيلة الوحيدة لحماية البر الإفريقي المقابل لها، والذي كان المسلمون قد فتحوه، وصارعوا الأهوال من سنة 22هـ إلى سنة 90هـ، أي مدة ثمان وستين سنة، بذلوا خلالها كثيراً من الجهد والنفقات والشهداء، على رأسهم قائدان: عقبة بن نافع، وزهير بن قيس البلوي.
هكذا فتح المسلمون الفاتحون ما فتحوه، وهكذا حافظوا على ما فتحوه: بالتعرض والجهاد، وبفتح جديد يرصِّن الفتح القديم.
فتح طريف بن مالك
أرسل موسى في شهر رمضان من سنة 91هـ (آب = أغسطس – أيلول = سبتمبر 710م) سرية استطلاعية إلى جنوبي الأندلس بقيادة طريف بن مالك ففتح جزيرة طريف والجزيرة الخضراء، وعاد مع رجاله في رمضان أيضاً سالماً غانماً [12].
فتح طارق بن زياد
نزل طارق بن زياد قواته في منطقة جبل طارق بوجبتين، فكون المسلمون في تلك المنطقة رأس جسر لقوات المسلمين. وأرسل طارق بن زياد أحد قادته وهو: عبد الرحمن بن أبي عامر المعافري ففتح مدينة قرطاجنة الجزيرة، ومدينة الجزيرة الخضراء [13].
وانتصر طارق على جيش لذريق في معركة وادي لكة الحاسمة، وفتح طارق بعد هذه المعركة شَذُونَة والمَدُور وقَرْمونة وإشبيلية وإسْتَجَة، وأرسل مغيثاً الرومي ففتح قرطبة، وأرسل سرايا ففتحت مالَقَة وإِلبيرَة وغرناطة وكورة تُدْمِير وأُورْيُولة ومرسِيَة، ثم قصد هو طليطلة ففتحها.
الفتح المشترك بين موسى وطارق
أولاً: عبر موسى بن نصير إلى الأندلس في شهر رمضان من سنة 93هـ (حزيران – تموز = يونيو – يوليو 712م). ففتح موسى بن نصير قبل لقائه بطارق شَذُونَة وقَرْمُونَة ورَعْواق وإشبيلية ومارِدَة ولَقَنْت وإسْتَجة. ومن الواضح أن هذه المدن كان قد فتحها لأول مرة طارق بن زياد، فيبدو أنها قد انتقضت فأعاد موسى فتحها من جديد.
ثانياً: وبعد لقاء موسى بطارق، فتحا معاً بالتعاون بينهما: سرقسطة ووشْقَة ولارِدة وطَرمونَة وبرشلونة وجلِّيقِية وقشتالة القديمة.
ثالثاً: وانقسم جيش المسلمين إلى قسمين: قسم بقيادة موسى، وقسم بقيادة طارق، ففتح موسى وحده: بلد الوليد وقلعة لُك وخيخون حتى وصل إلى ساحل المحيط الأطلسي، وفتح طارق أماية وأشرقة وليون، ثم عاد مع موسى إلى طليطلة في طريقهما إلى دمشق، حيث استدعاهما الخليفة الوليد بن عبد الملك.
فتح مغيث الرومي
بعد أن فتح طارق مدينة إسْتَجَّة بعث سرايا من جنده إلى عدة جهات، فبعث جيشاً بقيادة مغيث الرومي لفتح مدينة قرطبة، فاستطاع مغيث فتح المدينة دون مشقة كبيرة.
فتح عبد العزيز بن موسى بن نصير
وجه موسى بن نصير ابنيه عبد العزيز وعبد الأعلى إلى جنوبي شرقي الأندلس، وكان هذا بعد استعادة فتح إشبيلية، فاستطاع عبد الأعلى بالتعاون مع أخيه عبد العزيز فتح مالَقَة وإلبيرة من جديد، ومن الواضح أن طارقاً سبق له فتحهما، فيبدو أنها انتقضتا، فاستعاد فتحهما عبد العزيز وأخوه من جديد.
ثم توجه عبد العزيز بن موسى إلى المنطقة الجنوبية الشرقية من البلاد، فالتقى بالقرب من أُوريُولة بالدوق تُدمِير حاكم هذه المقاطعة، فصالحه على مدن المقاطعة كلها وهي: أُوريولة وبَلانَة ولَقَنت ومولَة وبِسْقَرَة ولُورَقَة، فاستعاد المسلمون فتح مدن هذه المقاطعة صلحاً بموجب معاهدة.
وفي الوقت الذي كان موسى وطارق يقومان بالفتح في شمالي الأندلس، كان عبد العزيز يقوم بفتح وسط البرتغال. فقد فتح يابُرَة وشَنْتَرين وقُلُمْرِيَّة، وقد فتح المدينتين الأخيرتين صلحاً.
فتح عبد الأعلى بن موسى بن نصير
وجه موسى بن نصير ولديه عبد الأعلى وعبد العزيز إلى جنوبي شرقي الأندلس، وكان هذا بعد استعادة فتح إشبيلية، فاستطاع عبد الأعلى بالتعاون مع أخيه عبد العزيز من فتح مالَقَة وإلْبَيرَة من جديد، ومن الواضح أن طارقاً سبق له فتح هاتين المدينتين لأول مرة، والظاهر أنها انتقضت، فاستعاد عبد الأعلى وعبد العزيز فتحهما من جديد.
فتح عبد الله بن موسى بن نصير
في سنة 89هـ (708م) وجه موسى بن نصير ابنه عبد الله لفتح جزيرتي مَيُورَقَة ومَنُورَقة، فاستطاع فتح هاتين الجزيرتين، وعاد إلى قواعدها في إفريقية سالماً غانماً.
فتح السمح بن مالك الخولاني
فتح السمح بن مالك شطر جنوبي فرنسا، وبخاصة مدينة أربونة.
[1] ابن الأثير (3/ 25 – 26) والعبر (1/ 26).
[2] البلاذري (316) واليعقوبي (2/ 134).
[3] المسالك والممالك للأصطخري (33).
[4] نفح الطيب (1/ 145 – 146).
[5] نفح الطيب (1/ 251).
[6] نفح الطيب (1/ 250).
[7] الإمامة والسياسة (2/ 70 – 71).
[8] النجوم الزاهرة (1/ 216)، وانظر العبر (1/ 104) وشذرات الذهب (1/ 98) والبداية والنهاية (6/ 77).
[9] النجوم الزاهرة (1/ 216)، وانظر العبر (1/ 104) وشذرات الذهب (1/ 98) والبداية والنهاية (9/ 99).
[10] النجوم الزاهرة (1/ 216)، وانظر تاريخ خليفة بن خياط (1/ 305) وابن الأثير (4/ 540).
[11] ابن الأثير (4/ 540).
[12] ابن الأثير (4/ 511).
[13] تحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس (مخطوط) ص (70) – علي بن عبد الرحمن ابن هذيل.