وجه ربنا سبحانه
لله – سبحانه – وجه لا يشبه وجوه المخلوقين ، نصدّق بذلك ونؤمن به ؛ لأنّ الله أخبرنا بذلك في كتابه ، ونصّ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه .
قال تعالى : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) [الرحمن :27] ، يقول ابن جرير عند تفسيره لهذه الآية : و ( ذو الجلال والإكرام ) من نعت الوجه ، فلذلك رفع ( ذو ) . (1)
وقد نفى بعض السابقين إثبات الوجه لله تعالى ، وزعموا أنّ الوصف بقوله : ( ذو الجلال والإكرام ) إنمّا هو للرب فالمنعوت بـ ( ذو الجلال والإكرام ) عندهم الربّ لا الوجه .
وقد ردّ هذا الزعم الإمام ابن خزيمة ، فقال : ” هذه دعوى يدّعيها جاهل بلغة العرب ، لأنّ الله – جلّ وعلا – قال : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) فذكر الوجه مضموماً في هذا الموضع مرفوعاً ، وذكر الرب بخفض الباء بإضافة الوجه ، ولو كان قوله : ( ذو الجلال والإكرام ) مردوداً إلى ذكر الرب في هذا الموضع لكانت القراءة ذي الجلال والإكرام مخفوضاً … ” . (2)
ومن النصوص التي جاء فيها إثبات الوجه لله قوله تعالى : ( كلٌّ شيءٍ هالك إلاَّ وجهه ) [ القصص : 88 ] .
أثر الإيمان بوجه الله تعالى
أ- قصد وجه الله بصالح الأعمال
إذا علمنا ما قرره الله فعلينا أن نقصد وجه ربنا بأعمالنا كما أرشد الله إلى ذلك في محكم كتابه ، فالعمل الذي لا يقصد به وجهه باطل : ( كلٌّ شيءٍ هالك إلاَّ وجهه ) [ القصص : 88 ] .ومن ذلك إنفاق المال ابتغاء وجهه : ( وما آتَيْتُم من زَكَاةٍ تريدون وجه الله فأولئِك هم المضعفون ) [ الروم : 39 ] .وقد وصف عباده الصالحين بأنّهم يريدون بعملهم وجهه ، ولا شيء غير وجهه ( إنَّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً و لا شكوراً ) [ الإنسان : 9 ] ، ( وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى – إلاَّ ابتغاء وجه ربه الأعلى ) [ الليل : 19-20 ] ( واصبر نفسك مع الَّذين يدعون ربَّهم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يريدون وجهه ) [ الكهف : 28 ] .وفي الصحيحين من حديث عتبان بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فإن الله قد حرم على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه الله ) . (3)
ب- الاستعاذة بوجهه سبحانه
وقد فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقد روى جابر بن عبد الله أنَّه (( لما نزلت هذه الآية : ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم ) [الأنعام: 65] ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أعوذ بوجهك ) فقال : ( أو من تحت أرجلكم ) [الأنعام : 65] ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أعوذ بوجهك ) ، قال : ( أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعضٍ ) [ الأنعام : 65 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا أيسر ) . (4)وعن علي بن أبي طالب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند مضجعه : ( اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم ، وبكلماتك التامات من شرّ كل دابة أنت آخذ بناصيتها ) . رواه أبو داود (5)
ج- إجابة من سألك بوجه الله
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من استعاذ بالله فأعيِذُوهُ ، ومن سألكم بوجه الله فأعطوه ) . (6)
د- الطمع في رؤية وجه الله
عن عمار بن ياسر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول : ( اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق ، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي .
اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة .
وأسألك كلمة الحق والعدل في الغضب والرّضا .
وأسألك القصد في الفقر والغنى .
وأسألك نعيماً لا يبيدُ .
وأسألك قرة عين لا تنقطع .
وأسألك الرضا بعد القضاء .
وأسألك برد العيش بعد الموت .
وأسألك لذة النظر إلى وجهك .
وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة .
اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهتدين ) . (7)
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة المذكورة في قوله تعالى : ( للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) [ يونس : 26 ] بأنها النظر إلى وجه ربنا عزّ وجلّ ، ونقل القول بذلك عن أبي بكر وحذيفة ثم قال : ( الآثار في معنى هذا عن الصحابة والتابعين – رضي الله عنهم – كثيرة ) . (8)
وروى مسلم في صحيحه عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال : يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيِّض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ، وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزّ وجل ) ثمّ تلا هذه الآية : ( للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) [ يونس : 26 ] . (9)
وقد جاء في الصحيحين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( جنتان من فضة : آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب : آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عدن ) . (10)
حجاب وجهه تبارك وتعالى :
عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله – عزّ وجلّ – لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعملُ النهار قبل عمل الليل ، حِجَابُهُ النور ( وفي رواية أبي بكر : النار ) لو كشفه لأحرقتْ سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) . (11)
وهذا التردد من الراوي في لفظ النّور والنّار لا يضرّ ، فإن مثل هذه النّار الصافية التي كلم الله بها موسى يقال لها : نور ونار كما سمّى الله نار المصباح نوراً ، بخلاف النّار المظلمة كنار جهنّم فتلك لا تسمى نوراً .
وهذه الحجب تحجب العباد عن الإدراك ، كما قد يحجب الغمام والسقوف عنهم الشمس والقمر ، فإذا زالت تجلت الشمس والقمر ، وليس المراد أنّها تحجب الله عن الرؤية ، فهذا لا يقوله مسلم ، فإنّ الله لا يخفى عليه شيء في السماء ولا في الأرض ، ولكن يحجب أنواره إلى مخلوقاته . كما قال : ( لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) فالبصر يدرك الخلق كلهم ، وأما السبحات فهي محجوبة بحجابه النور أو النّار .
——————-
(1) تفسير الطبري : انظر تفسير آية رقم : 27 من سورة الرحمن .
(2) التوحيد ، لابن خزيمة : ص : 21 .
(3) صحيح البخاري بشرحه فتح الباري : 1/519 ، ورقمه : 425 ، وصحيح مسلم 1/455 .
(4) صحيح البخاري : 13/338 . ورقمه : 7406 .
(5) جامع الأصول : 4/271 . ورقمه : 2263 ، وإسناده حسن ، كما ذكر محقق جامع الأصول .
(6) رواه أبو داود في سننه ، انظر صحيح سنن أبي داود : 3/961 ، ورقمه : 4260 ، وقال الألباني فيه : حسن صحيح ، والأسماء والصفات ، للبيهقي : 1/306 .
(7) رواه ابن خزيمة في التوحيد : ص : 12 ، والنسائي في سننه : انظر صحيح سنن النسائي : 1/280 ، ورقمه : 1237 ، 1238 ، وإسناده صحيح .
(8) الأسماء والصفات ، للبيهقي : ص : 308 .
(9) رواه مسلم في صحيحه: 1/163 ، ورقمه : 180 .
(10) رواه البخاري في صحيحه : 13/423 ، ورقمه : 7444 ، ورواه أيضاً في : 8/623 ، ورقمه : 4878 ، بلفظ مقارب ، ورواه مسلم في صحيحه : 1/163 ، ورقمه : 180 ، ورواه ابن خزيمة بلفظ : ( وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى وجه ربهم ) ، وقال محقق كتاب التوحيد معلقاً على الحديث : ورواه البيهقي في الأسماء والصفات ص : 222 .
(11) رواه مسلم في صحيحه : 1/161 ، ورقمه : 179 .