الله والمخلوق

أنواع حكمته سبحانه وتعالى:

وحكمته سبحانه وتعالى نوعان:

النوع الأول: حكمته في خلقه وهذه شعبتان:

أ- حكمته في الخلق: فإنه سبحانه خلق الخلق وأحكم خلقهم، وصورهم فأحسن صورهم، وأبدع الكون ورتبه أكمل ترتيب، ونظمه أجمل تنظيم، ومنح كل مخلوق شكله اللائق به، فأبدع أيما إبداع ([1]).

قال الخطابي: (ومعنى الإحكام لخلق الأشياء إنما ينصرف إلى إتقان التدبير فيها، وحسن التقدير لها، إذ ليس كل الخليقة موصوفا بوثاقة البنية، وشدة الأسر، كالبقة والنملة وما أشبههما من ضعاف الخلق، إلا أن التدبير فيهما، والدلالة بهما على كون الصانع وإثباته، ليس بدون الدلالة عليه بخلق السماوات والأرض والجبال وسائر معاظم الخليقة.

وكذلك هذا في قوله جل وعز: }الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ{[السجدة: 7]. لم تقع الإشارة به إلى الحسن الرائق في المنظر، فإن هذا معدوم في القرد والخنزير والدب، وأشكالها من الحيوان، وإنما ينصرف المعنى فيه إلى حسن التدبير في إنشاء كل شيء من خلقه على ما أحب أن ينشئه عليه، وإبرازه على الهيئة التي أراد أن يهيئه عليها، كقوله تعالى: }وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا{[الفرقان: 2]) ([2]).

وقال ابن هبيرة رحمه الله: “في بدن الإنسان زهاء خمسة آلاف حكمة تدل على صانعها” ا هـ ([3]).
 

إقرأ أيضا:تأثير القول المعروف

ب- حكمته من الخلق: فإنه سبحانه خلق الخلق لحكمة عظيمة، وغاية جليلة هي عبادته تبارك وتعالى، وامتحانهم وابتلاؤهم بالشرائع لينظر كيف يعملون، قال تعالى:   }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{[الذاريات: 56]، وقال: }وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا{[ص: 27]، وقال: }أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ{[المؤمنون: 115 ، 116]. وقال: }مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى{[الأحقاف: 3].

النوع الثاني: حكمته في شرعه:

فإنه شرع الشرائع المشتملة على كل خير، والدلالة على الهدى، والمنجية من عذابه وسخطه، المؤدية إلى رضوانه والجنة.

فأمره ونهيه يحتويان على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا، (فما أمر الله تعالى بشيء إلا وفيه مصلحة عاجلة أو آجلة أو كلاهما، وما نهى عن شيء إلا وفيه مفسدة عاجلة أو آجلة أو كلاهما) ([4]).

(وليس المراد بالآجل أمور الآخرة، لأن الشرائع لا تحدد للناس سيرهم في الآخرة، ولكن الآخرة جعلها الله جزاء على الأحوال التي كانوا عليها في الدنيا، وإنما نريد أن من التكاليف الشرعية ما قد يبدو فيه حرج وإضرار بالمكلفين وتفويت مصالح عليهم … ولكن المتدبر إذا تدبر في تلك التشريعات ظهرت له مصالحها في عواقب الأمور)([5]).

إقرأ أيضا:الخوف والناصية

وقد جمع الله عز وجل بين هذين النوعين من الحكمة في قوله تعالى: }أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{[الأعراف: 54].

وذكرهما ابن القيم في نونيته المشهورة حيث قال: ([6])

والحكمة العليا على نوعين أيـ
 
 
 
 
ـضا حصلا بقواطع البرهان
إحداهما في خلقه سبحانه
 
 
 
 
نوعان أيضا ليس يفترقان
إحكام هذا الخلق إذ إيجاده
 
 
 
 
في غاية الإحكام والإتقان
وصدوره من أجل غايات له
 
 
 
 
وله عليها حمد كل لسان
والحكمة الأخرى فحكمة شرعه
 
 
 
 
أيضا وفيها ذانك الوصفان
غاياتها اللائي حمدن وكونها
 
 
 
 
في غاية الإتقان والإحسان
 
 

إقرأ أيضا:الساعة تأتي بغتة للأحياء وللأموات

([1])انظر: حجة الله البالغة للدهلوي (1/106 – 114)، وصيد الخاطر لابن الجوزي (1/67)، وللغزالي كتاب بعنوان: الحكمة في مخلوقات الله.
([2])شأن الدعاء (73 – 74).
([3])الإفصاح 1/278.
([4])القواعد الصغرى للعز بن عبد السلام (199).
([5])مقاصد الشريعة لمحمد الطاهر بن عاشور (13).
([6])شرح نونية ابن القيم لابن عيسى 2/225 – 227.

السابق
الشفاعة العظمى
التالي
تعريف الحكمة