أحكام شرعية

حكم كشف الوجه

الحجاب الشرعيّ جعل الله -تعالى- اللباس زينةً وصيانةً للناس، فلم يتركهم على حال من العُريّ، إلّا أنّ الشيطان الرجيم حاول فتنة الناس كما فتن آدم وحواء -عليهما السلام- من قبل، فكان ذلك سبباً في نزع لباسهما عنهما، وظهور سوءاتهما، فاستجاب له كثير من الناس، حتى إنّ العرب كانوا يطوفون ببيت الله الحرام عُراة، رجالاً ونساءً، إلّا أنّ الإسلام جاء ليخرج الناس من ظلمات الجهل والغفلة إلى نور الحكمة والمعرفة، فألغى مفاسد الجاهلية ومنعها.[١] ثمّ إنّ الله -سبحانه- أراد للمرأة المسلمة أن تكون دائماً على قدر من العفّة والطهر، وأن يصون عنها أطماع الناظرين، وألّا يُدنّس عفافها وشرفها ممّن لا يعرف ديناً ولا خُلقاً، فأمرها بالحفاظ على نفسها بالحجاب الشرعيّ، كما حرّم عليها الخلوة مع الرجال الأجانب، وأمرها كذلك بإخفاء زينتها إلّا ما كان ظاهراً أصلاً، ليتمّ عليها الستر والصيانة، وأمر رجال المسلمين أيضاً بغض البصر، وصرفه عن كلّ مشهد محرّم، فالواجب على المسلم إذا وقع بصره على أمرٍ مُحرّم من غير قصد أن يسارع في صرف بصره عنه مباشرةً، وذلك لطهارة قلبه وحفظ دينه، كما أنّ في هذه الأوامر الشرعية صيانةً للمجتمع، ودرءاً للفتن عنه.[١] حُكم كشف الوجه للمرأة المسلمة اختلف الفقهاء في حُكم كشف المرأة لوجهها، فبعضهم قال بحُرمة كشفه ووجوب تغطية المرأة لوجهها، والبعض الآخر قال بجواز كشف وجهها فلا تأثم بكشفه، وفيما يأتي بيان شيء من أدلّة القائلين بحُرمة كشف الوجه للمرأة المسلمة:[٢] قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[٣] ووجه الدلالة في الآية عندهم أنّ الجلباب هو ما وضع على الرأس، فإذا أُدني ستر الوجه أيضاً، وهو ما ستر البدن كلّه. قول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)،[٤] قالوا هذه الطهارة المطلوبة ليست فقط لنساء النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل هي أشدّ حاجةً لنساء المؤمنين؛ لأنّ نساء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- طاهرات عفيفات. قول الله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)،[٥] قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (لمَّا نزلت ْهذه الآيةُ أخذْنَ أزُرَهنَّ فشَقَقْنَها من قِبَلِ الحَوَاشِي، فاخْتَمَرْنَ بها)،[٦] وقال الحافظ ابن حجر إنّ المقصود باختمرن؛ أي غطين وجوههن. قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ولا تَنْتَقِبْ المرأةُ المُحْرِمَةُ، ولا تَلْبَسْ القُفَّازَينِ)،[٧] قالوا هذا دليل على أن تنقّب المرأة في غير الحجّ واجب. أمّا أدلّة المُجيزين لكشف المرأة المسلمة وجهها؛ فهي:[٨] قول الله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[٩] فقالوا: ما ظهر منها؛ أي الوجه والكفّين. قصة الفضل -رضي الله عنه- حين صحب الرسول صلّى الله عليه وسلّم، التي رواها عبد الله بن عباس فقال: (إنّ الفضل رديف النبي صلّى الله عليه وسلّم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يصرف وجه الفضل إلى الشقّ الآخر).[١٠] قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عندما دخلت عليه أسماء بنت أبي بكر بثيابٍ رقاق: (يا أسماءُ إنَّ المَرأةَ إذا بلغتِ المَحيضَ لم يَصلُحْ أن يُرى منها إلَّا هذا وَهَذا، وأشارَ إلى وجهِهِ وَكَفَّيهِ).[١١] حكم الحجاب الشرعي وشروطه أجمع الفقهاء على أنّ الحجاب الشرعيّ واجب على كلّ مسلمة بالغة عاقلة حرّة، واشترطوا له عدداً من الشروط استنبطوها من القرآن الكريم والسنة النبوية، وفيما يأتي بيان بعضها:[١] أن يكون الحجاب شاملاً لبدن المرأة ساتراً له، ويُستثنى من ذلك: الوجه والكفين؛ للخلاف الحاصل بين العلماء فيهما، وذلك لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حينما دخلت عليه أسماء -رضي الله عنها- بلباس رقيق فأعرض عنها، وقال لها (يا أسماءُ إنَّ المَرأةَ إذا بلغتِ المَحيضَ لم يَصلُحْ أن يُرى منها إلَّا هذا وَهَذا، وأشارَ إلى وجهِهِ وَكَفَّيهِ).[١١] ألّا يكون الحجاب زينةً في ذاته؛ لقول الله تعالى: (لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)،[١٢] فيدخل في الآية كلّ ما كان زينةً تلفت أنظار الرجال للنساء. ألّا يشفّ الحجاب ما تحته من البدن؛ لأنّه إن شفّ ما تحته لم يكن حجاباً، بل كان فيه مزيد من الفتنة للرجال. أن يكون الحجاب فضفاضاً، غير مبيّن لجسم المرأة، فإنّ المرأة لو لبست لباساً ضيقاً لفصّل حجم جسدها أو بعضه، ولكان فيه مزيداً من الفتنة، ولفت النظر لجسدها، والمطلوب من الحجاب أن يمنع ذلك لا أن يزيده. ألّا يكون الحجاب مطيّباً بالعطر ونحوه؛ لورود النهي عن تطيّب المرأة خارج بيتها. ألّا يكون فيه تشبّه بلباس الرجال؛ فقد ورد في أحاديث الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- النهي عن ذلك، ولَعنُ فاعله. ألّا يكون فيه تشبّه بلباس الكافرات؛ فقد نهى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن يتشبّه المسلمون بالكفّار في أي شيء، بما في ذلك اللباس. ألّا يكون لباس شهرة؛ أي لا يكون لباساً يُقصد به الخيلاء، والفخر على الناس؛ لمخالفته لما هو مألوف بينهم، ولفته للأنظار، سواءً بلونه، أو شكله، أو بذخه. الحِكمة من مشروعية الحجاب إنّ لتشريع الحجاب الشرعيّ، وفرضه على النساء في الإسلام حِكم عديدة، منها:[١٣] الحجاب طاعة وعبادة لله عزّ وجلّ؛ فالمرأة المؤمنة بالله تعالى، المسلمة له، تثق في شريعته، وتتبعها مطمئنةً راضيةً بها. الحجاب طهارة لقلوب المؤمنين رجالاً ونساءً؛ فكلّ رجال ونساء المؤمنين محتاجون لطهارة القلب، وعفّة النفس، والصون من الفتنة. الحجاب وسيلة هامّة لتحقيق حياء المسلمة؛ فالحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو ممدوح ومطلوب في الإسلام. الحجاب يتناسب مع مفهوم الغيرة، وفي رغبة الرجل في صيانة المرأة عن كلّ ما هو شين وعار، وذلك من أخلاق الإيمان المحمودة. الحجاب من مكارم الأخلاق، فهو يدعو إلى الحياء، والحشمة، والعفّة، ويصون من الفساد، والسفالة. الحجاب يحدّ من الأطماع، والنزوات، والخواطر الشيطانية، ويقطع الطريق عليها، فهو يقي المجتمع، ويقي القلوب، ويقي من رمي المحصنات، والأذى الممكن في الأعراض. المراجع ^ أ ب ت د. طه فارس (2015-11-15)، “حجاب المرأة المسلمة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-11. بتصرّف. ↑ “الأدلة على وجوب تغطية الوجه”، www.fatwa.islamweb.net، 2004-2-10، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-11. بتصرّف. ↑ سورة الأحزاب، آية: 59. ↑ سورة الأحزاب، آية: 53. ↑ سورة النور، آية: 31. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن صفية بنت شيبة، الصفحة أو الرقم: 4759، صحيح. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1838، صحيح. ↑ “أدلة القائلين بجواز كشف الوجه والكفين للمرأة”، www.fatwa.islamweb.net، 2004-10-16، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-11. بتصرّف. ↑ سورة النور، آية: 31. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1855، صحيح. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4104، صحيح. ↑ سورة النور، آية: 31. ↑ علي محمد مقبول الأهدل (2014-8-19)، “فوائد الحجاب”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-11. بتصرّف.

إقرأ أيضا:حكم الرموش الصناعية

 

السابق
حكم تقبيل المصحف
التالي
حكم لبس الدبلة