الحب في الإسلام الحب من المعاني العميقة المتجذّرة في الإنسان، فالمشاعر شيء جبلّي لا ينفك عنه، وإينما وُجد الإنسان وُجد معه الحب والبغض وسائر المشاعر الإنسانية، والحب يضيف إلى حياة الإنسان السعادة والحبور، ويسمو بنفسه وروحه، وللحب صورٌ عديدة، منها ما استحسنه الإسلام وأوجبه على الإنسان ورتّب عليه ثواباً ونعيماً، ومنها ما ذمّه ودعا إلى تركه والابتعاد عنه، وأول هذه الصور حب الله سبحانه وتعالى وحُب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذا الحب مما عظّمه الله عز وجل وأوجبه على العباد وتوعّد من قصّر فيه بقوله: (قُل إِن كانَ آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم وَإِخوانُكُم وَأَزواجُكُم وَعَشيرَتُكُم وَأَموالٌ اقتَرَفتُموها وَتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرضَونَها أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّـهِ وَرَسولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّـهُ بِأَمرِهِ وَاللَّـهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ)،[١] ومحبة الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم من أفضل ما يعدّه الإنسان للقاء الله عزّ وجل، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ محبتهما موجبة لدخول الجنّة، ففي القصّة الواردة في صحيح البخاري أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله: (متى الساعةُ؟ قال: (وماذا أعْدَدْتَ لها؟) قال: لا شيء، إلا أني أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: (أنت مع مَن أحْبَبْتَ)).[٢][٣] ومن صور الحب المشروع في الإسلام وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حب الزوجة، فقد سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّة: (مَن أحَبُّ النَّاسِ إليكَ؟ قال: (عائشةُ))،[٤] ومن تلك الصورة أيضاً محبّة الإخوان، فقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم مرّة بيد معاذ بن جبل رضي الله عنه، فقال: ((يا معاذُ إنِّي واللهِ لأُحِبُّك)، فقال معاذٌ: بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، وأنا واللهِ أُحِبُّك)،[٥] وقد كان الصحابة يعرفون من الرسول صلى الله عليه وسلم حبّه لأسامة بن زيد رضي الله عنه ويقولون عنه حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإسلام دين يأمر أبناءه ويحثّهم على التحابب فيما بينهم، بل ويرتّب على ذلك أجوراً عظيمة ونعيماً كبيراً، فهي سبيل لمحبة الله عز وجل وهي علامة من علامات صدق الإيمان، وموجبة للاستظلال بظلّ الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، كما أنها تورث صاحبيها الجنّة.[٣] ومن الحبّ أيضاً محبة الأقارب ومحبّة النعم ومتاع الدنيا، وليس في الإسلام ما ينكر على الإنسان هذه الصورة من صور الحب، إلا أنّ المذموم فيها أن يقدّمها الإنسان في المحبة على حب الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد كان من الصحابة رضي الله عنهم أمثلة كبيرة في تقديم حب الله عز وجل وحب رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام على حب الدنيا ومتاعها، فقد روى أنس بن مالك رضي الله في ذلك: (كان أبو طلحةَ أكثرَ الأنصارِ بالمدينةِ مالًا من نخلٍ، وكان أحبَ أموالِه إليه بَيرُحاءُ، وكانت مُستَقبِلَةَ المسجدِ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدخُلُها، ويَشرَبُ من ماءٍ فيها طيبٍ، قال أنسٌ: فلما أُنزِلَتْ هذه الآيةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبَرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. قام أبو طلحةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إن اللهَ تَبارَك وتعالى، يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبَرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. وإن أحبَّ أموالي إلي بَيرُحاءُ، وإنها صدَقَةٌ للهِ، أرجو بِرَّها وذُخرَها عِندَ اللهِ، فضَعْها، يا رسولَ اللهِ، حيث أراك اللهُ. قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بَخٍ، ذلك مال رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ).[٦][٣] كما أن من صور الحب المشروعة في الإسلام حب الأوطان، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبّ وطنه مكّة ويرغب في البقاء فيها لولا أن أخرجه منها المشركون، ومن تلك الصور أيضاً حب المساكين وحب الأعمال الصالحة، ومنها أيضاً حب شرع الله عز وجل، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يحبّ الصلاة وتقرّ بها عينه، ومن صور الحب أيضاً الحب بين الجنسين؛ الذكر والأنثى، وهذه الصورة مما فصّل العلماء في حُكمها وتفاصيلها.[٣][٧] حُكم الحُب بين الجنسين قسّم العلماء الحب الذي يكون بين الجنسين إلى قسمين؛ القسم الأوّل أن يميل أحد الجنسين إلى الآخر فيغضّ بصره ويصرف قلبه عن الانشغال بهذا الحُب، ويبقى حريصاً على تقوى الله عزّ وجل باحثاً عن طريقة للزواج ممن يحب، فإن لم يستطع الزواج منه ترك هذا الحُب وصرف عنه نفسه وهواه، ومثل هذا لا يُنكر عليه ميله للجنس الآخر وحُبه له، وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لمْ يُرَ للمتحابَّينِ مثلَ النكاحِ).[٨][٣][٧] والقسم الثاني من الحب بين الجنسين هو ما تملّك قلب الإنسان وتمكّن منه فلم يستطع معه أن يكبح جماح نفسه وأن يعفّها عن الحرام، فانعكس ذلك على سلوكه، وترجمه بأعمال تغضب الله سبحانه وتعالى، وهذا الحب هو الحب المحرم المحظور، وله عواقب وخيمة، وغالباً ما يكون هذا النوع من الحب هو حب للصور والمحاسن، وهو مرض خطير، بعجز الإنسان والطبيب عن ردّه عن الإنسان، ولا يصيب إلا القلوب التي لم تتعلق بالله عز وجل ولم تمتلئ بحبه وحب رسوله وهديه، فإذا أراد الإنسان أن يدفع هذا المرض عن قلبه فلا بدّ له من الإقبال على الله عز وجل وتشريب قلبه بحبه.[٧][٣] الحب بين الرسول عليه السلام وعائشة رضي الله عنها ورد في الحب بين الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته مواقف كثيرة، نذكر مما كان بينه وبين السيدة عائشة رضي الله عنها ما يلي:[٩] دخلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّة على رسول الله عليه السلام وهو في بيته مع عائشة رضي الله عنها، فقال لها: (إي بنيةِ! “ألستِ تُحبين ما أحبُّ؟” فقالت: بلى. قال: “فأحبِّي هذه”).[١٠] لمّا أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخيّر نساءه في البقاء معه، بدأ عليه الصلاة والسلام بعائشة رضي الله عنها، فقال لها: (يا عائشةُ! إني أريدُ أن أعرضَ عليكِ أمرًا أُحبُّ أن لا تَعجلي فيهِ حتى تستشيري أبويْكِ”. قالت: وما هو؟ يا رسولَ اللهِ! فتلا عليها الآيةَ. قالت: أفيكَ، يا رسولَ اللهِ! استشيرُ أبوى؟ بل أختارُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ).[١١] روت عائشة رضي الله عنها عن اللحظات الأخيرة قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: (إنّ من نعم الله علي: أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توفي في بيتي، وفي يومِي، وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عِندَ موته : دخل علي عبد الرحمن، وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقُلْت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: (أن نعم). فتناولته، فاشتد عليه، وقُلْت: الينه لك؟ فأشار برأسه: (أن نعم ). فلينته، فأمره).[١٢] المراجع ↑ سورة التوبة، آية: 24. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3688، صحيح. ^ أ ب ت ث ج ح د. مهران ماهر عثمان، “الحب في الإسلام”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-19. بتصرّف. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 7107، أخرجه في صحيحه. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان ، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 2021، أخرجه في صحيحه. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1461، صحيح. ^ أ ب ت “حكم الحب في الإسلام”، www.fatwa.islamweb.net، 2001-9-27، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-19. بتصرّف. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7343، صحيح. ↑ “الحب في البيت النبوي”، www.articles.islamweb.net، 2014-3-9، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-19. بتصرّف. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2442، صحيح. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1478، صحيح. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4449، صحيح.
إقرأ أيضا:حكم تهذيب اللحية