ملخص المقال
- حاجي خليفة أو كاتب جلبي صاحب كتاب كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون أشهر مؤلف في تاريخ العثمانيين، فمن هو حاجي خليفة ومنهجه في الكشف؟
حاجي خليفة أو كاتب جلبي صاحب كتاب كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون أشهر مؤلف في تاريخ الدولة العثمانية، ومن أهم الأعمال الببليوجرافية، فمن هو حاجي خليفة؟ وما منهجه في كشف الظنون؟
من هو حاجي خليفة؟
هو مصطفى بن عبد الله، ويلقب بـ “حاج” (في الفارسية: حاجي) خليفة، أو كاتب جلبي، من تركيا، ويتفق كل الذين ترجموا لحاجي خليفة على أنه ولد في مدينة إستانبول في ذي القَعدة سنة 1017هـ / فبراير- مارس سنة 1608م. وكانت إستانبول خلال هذه الفترة عاصمة سلاطين آل عثمان وقد عرفت ازدهارا كبيرا، وتألق نجمها بعد أن أصبحت مركز الخلافة الإسلامية. فازدهرت بها حياة العمران بعد الفتور الذي أصابها بعد الفتح مباشرة، الذي كان سنة 857هـ / 1453م فما هي إلا مدة قصيرة حتى أصبحت إستانبول مدينة إسلامية بكل معاني الكلمة حيث أنشئت فيها المساجد الفسيحة البالغة في الروعة والجلال والجمال، وأخذ سلاطين آل عثمان يتنافسون في البناء والتشييد، إلى غير ذلك من مظاهر الحضارة الإسلامية التي عرفتها المدينة مسقط رأس حاجي خليفة.
فحاجي خليفة إذا ولد في أوج عظمة الدولة العثمانية، حيث عرفت إستانبول بدورها أوج عزها ومجدها، وحضارتها، إلا أن الأوج أحيانا يكون هو القمة التي يبدأ منها الانحدار، وإذا كان الصعود يحتاج عادة إلى بعض الفترات الطويلة، فكثيرًا ما يكون الانحدار بسرعة مذهلة !
فمؤلفنا قد فتح عينه على مدينته الجميلة عاصمة الخلافة الإسلامية، وهي زاهية بمآثرها وعمرانها وحضارتها الإسلامية، وبنظام بلاطها وبأنظمة الجيش فيها التي تتمثل في استعراضاته وقوته، وأسطوله وأسلحته وبنوده، وراياته وألبسته بذلات ضباطه وقواده .. وفي موسيقاه الصاخبة التي تردد صداها المدينة وضواحيها، ذلكم الجيش الذي كان مزهرا بانتصاراته في كل الجهات، وفي جميع ميادين الحروب.
فتح حاجي خليفة عينيه على هذا وأكثر من هذا في طفولته، وهو قد شب وقرعرع في عهد السلطان مراد الرابع (سابع عشر سلاطين بني عثمان)، الذي تربع على عرش الخلافة العثمانية ما بين سنتي 1032هـ / 1623م و 1050هـ / 1640م، وهو آخر سلطان خرج إلى الحرب بنفسه.
وإذا كان مؤلفنا قد فتح عينيه على مظاهر الازدهار والعمران وقوة الجيش فإن تلك المظاهر سرعان ما بدأت تتخذ المظهر الصوري، وكانت نتيجة لقوة الدفع التي بدأت مع تأسيس الإمبراطورية.
ومن المعروف أن عهد الضعف في الإمبراطورية العثمانية يبتدئ بعد موت السلطان سليمان القانوني، في منتصف القرن عشر الميلادي سنة 952هـ / 1546م والذي خلفه ولده سليم الثاني. وفي عهد سليم هذا أصيب الأتراك بأول انهزام حربي مؤلم ومؤثر كان له ما بعده، وذلك في معركة ليبانتو الشهيرة سنة 979هـ / 1571م بواسطة الأسطولين الإسباني والبندقي. وفي عهد السلطان مراد الثالث (982هـ – 1003هـ / 1574م – 1595م) بدأت سيطرة الحريم والمحظيات على شؤون الدولة.
إقرأ أيضا:ابن عباس المؤرخ الإسلامي الأولحاجي خليفة في عهد السلطان مراد الرابع
أما في عهد مراد الرابع الذي عايشه حاجي خليفة والذي سنرى أنه كان من بين مستخدميه في الجيش في هذا العام هجم الفرس على بغداد، وثار الأمراء لتحرير الأقاليم ومنهم الأمير فخر الدين “المعني” الذي أراد تحرير لبنان، واستطاع الفرس بزعامة عباس الأول شاه فارس أن يستولوا على بغداد لفترة من الوقت.
وإذا كان مراد الرابع قد استطاع أن يسترجع بغداد بعد صعوبات جمة وحروب طاحنة، فإننا سنرى أن نفسية الجيش كانت متضعضعة، وفي الحروب مع عباس هذا، وذاق مؤلفنا ويلات الحروب، وذاق مرارة الحصار تسعة أشهر كاملة.
ولتترك المؤلف يحدثنا بنفسه عن ذلك إذ يقول:
“سافرت سرة مع والدي، وقاسيت الشدائد في المحاصرة تسعة أشهر من الحرب والقتال، وانقطاع الآمال باستيلاء القحط والغلاء وغلبة الأعداء، ولكن البلية إذا عمت طابت ذلك تقدير العزيز العليم، ولما رجعنا ميئوسين مخدولين ودخلنا الموصل مات والدي في يوم من أيام ذي القعدة سنة 1035هـ وسنه في حدود الستين، ودفن في مقابر الجامع الكبير ومات عمي بعد شهر”. وهكذا نرى أن المشاكل بدأت تتسرب إلى جسم الدولة العثمانية، وكانت عظمة مراد الرابع “كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد”، بالرغم من أنه كان مفتول العضلات، شديد القسوة.
وحاجي خليفة قد شاهد حربا أخرى قبل هذه، وهو لا يزال طري العود صغير السن في بداية طور المراهقة لا يتجاوز عمره السادسة عشرة سنة، وإلى ذلك يشير بقوله : “لما خرجت العساكر إلى قتال إبرازه باشا سنة 1033هـ سافرت مع أبي وشاهدت الحرب الواقعة في تلك السنة بناحية قيصرية (قرية بشمال سوريا)”. والمؤلف في ترجمته لنفسه يتعرض للأحداث التي يراها مؤثرة في حياته، والتي علقت بذهنه من أجل ذلك، ولا شك أن هذه الأحداث لها أهميتها في واقع الأمر.
وفي هذه السفرة بالذات قد نستعرض كيف أخذه أبوه معه في الحملة العسكرية وهو في هذه السن المبكرة ؟! لكن يبدو أن أباه كان في حاجة إليه، ليساعده وليؤنسه.
ويؤكد هذا الاحتمال موت أبيه في الحملة الموالية مباشرة والتي سبقت الإشارة إليها، فكانت عاطفة الأب الشيخ متأججة نحو طفله، ولذلك فهو يريد أن يجعل منه رجلا صلب العود قبل الأوان، ويريد كذلك أن يتلذ بمعاشرته إياه، ويريد أن يدربه في نفس الوقت على شؤون الوظيفة.
ومهما يكن من أمر فإن هذه الحملة نفسها تصور لنا كذلك مقدار التضعضع الذي بدا يصيب هذا الكيان الضخم، كيان الإمبراطورية العثمانية الواسعة الأرجاء.
فالمؤلف في هذا النص يشير إلى الحرب التي دارت رحاها في شمال سوريا واستغرقت حوالي سنة، والتي ثار فيها إبرازه باشا القبران حاكم مرعش [1] وأرضروم [2] وبعد حرب طاحنة تغلب جيش السلطان مراد الرابع، على إبرازه باشا وأمر بقتله ولم يشفه لإبرازه باشا عند السلطان ما كان من حسن بلائه في حروب بولونيا !
وإذا ما استعرضنا الأحداث التاريخية التي عاشها حاجي خليفة كمواطن وكموظف في الدولة، وكمثقف واع، فإننا سنرى فيما بعد كيف اعتملت هذه الأحداث في نفسه وأثرت في شعوره، وسنراه يرفض الوظيفة ويزهد فيها ليتفرغ إلى البحث والتأليف.
ونشير هنا إلى بعض الأحداث الأخرى التي عاشها المؤلف لنعرف مقدار التعفن الإداري الذي كان من شانه أن يزهد بعض الأحرار في الأعمال الرسمية للدولة.
حاجي خليفة في عهد السلطان إبراهيم
فمراد الرابع الذي كان حاجي خليفة من موظفيه في حسابات الجيش، خلفه أخوه السلطان إبراهيم من سنة (1050هـ – 1058هـ / 1640م – 1648م)، وإذا كنا قد عرفنا بعض الأحداث التي أترث في نفسية المؤلف والتي عاشها في عهد السلطان مراد الرابع فلا بأس أن نعطي نظرة وجيزة عن عهد إبراهيم السلطان العثماني الذي عاش المؤلف كذلك جزء من حياته في خدمته.
فالسلطان إبراهيم في أول عهده ترك أمر تصريف شؤون الدولة إلى وزيره (قرة مصطفى)، وكان هذا الوزير مشهورا بالدهاء والقدرة على تسير الأمور إلا أنه مهما يكن من قدرته فإن إسناد التصرف المطلق لوزير مهما كان أمره يصبح مبعثا للدسائس والمؤامرات .. وهذا الذي حدث فعلا ففي سنة 1054هـ / 1644م أمر السلطان إبراهيم بقطع رأس الوزير نتيجة للدسائس!!
وبعد ذلك وقع السلطان إبراهيم تحت نفوذ أمه ومحظياته، وسيطر على السلطان إبراهيم وعلى شؤون الدولة شخص آخر لا يتسم بصفات الوزير الأول وهو (جنجي خوجة حسين) الذي زين للسلطان السبيل في طريق الملذات والشهوات.
واستنفذت الملذات والشهوات كل موارد الدولة في عهد إبراهيم وساءت الحال، وانهزم أسطوله أمام أسطول البندقية مرة أخرى ففكر على أثر هذا الانهزام في ذبح المسيحيين إلا أنه استجاب لنهي علماء الإسلام له عن ذلك واستمر يحارب ربع قرن تقريبا، فأنهكت حروبه وشهواته خزينة الدولة وثارت عليه فرقة الإنكشارية [3] بمساندة العلماء فخلع وشنق سنة 105هـ / 1648م.
هذه الأحداث كلها كانت تحت سمع وبصر المؤلف عاشها وضميره ووجدانه. وبعد شنق إبراهيم أصبح نفوذ الانكشارية قويا جدا في الدولة، حيث ظفرت هذه الفرقة من الجيش بسلطة كبيرة فكانت تنصب السلاطين وتخلعهم كما نشاء.
لماذا استقال حاجي خليفة من وظيفة الجيش؟
وفي عهد السلطان إبراهيم هذا قدم المؤلف استقالته من وظيفة الجيش، وهذه السنة التي استقال فيها هي السنة الانتقالية في عهد إبراهيم أي السنة التي قطع فيها السلطان إبراهيم رأس وزيره المقتدر (قره مصطفى) ومن ثم جد السلطان في تلبية شهواته.
وليس معنى هذا أننا نربط بين حادثة القتل وحادثة الاستقالة، ولكننا نربط هذه الاستقالة وبين فساد الأوضاع في إدارة الدولة. أما السبب المباشر لاستقالة المؤلف فهو يذكره بنفسه في ترجمته لحياته في آخر تأليفه “ميزان الحق في اختبار الأحق”، حيث يشير إلى نزاع وقع بينه وبين باشا خليفة الذي هضم حقوقه في الخدمة الرسمية وكان ذلك سنة 1055هـ / 1644م وفي هذه السنة كان المؤلف قد انتقل في عمله إلى قسم تخطيط الخرائط بالجيش، ولكنه على أثر بخس حقوقه الواجبة له، قرر أن يعتزل الخدمة نهائيا وأن يتفرغ للبحث والتأليف.
وهذه الحادثة التي يرويها لنا المؤلف كان من شأنها أن ترهق إحساسه بفساد الأوضاع. وكانت هذه الأحداث بعامة، والأوضاع الإدارية في الدولة مما يشغل بال المؤلف. ولذلك حاول أن يدلي بدلوه في إصلاح الأوضاع أو على الأقل التنبيه لما هي من فساد فألف كتابه “دستور العمل، لإصلاح الخلل”. ولعل التأليف السالف الذكر “ميزان الحق في اختيار الأحق”، هو مساهمة من المؤلف في محاولة التنبيه على ضرورة إصلاح الأوضاع، لكن الانحدار كان أقوى من أن يرده نداء مهما يكن صادقا !!
مؤلفات حاجي خليفة
انقطع حاج خليفة في السنوات الأخيرة من حياته إلى تدريس العلوم على طريقة الشيوخ في ذلك العهد، فترك عدة كتب، منها:
تحفة الكبار في أسفار البحار – تقويم التواريخ – ميزان الحق في التصوف – سلم الوصول إلى طبقات الفحول – تحفة الأخيار في الحكم والأمثال والأشعار.
وله مؤلفاته المخصصة للجغرافيا, وعددها أربعة هي: معجمه الببليوغرافي الضخم الذي وضعه باللغة العربية والذي يحيط بجميع فروع العلم والأدب، ثم سفره الأساسي في الجغرافيا العامة باللغة التركية، وأخيرا مصنفان باللغة التركية يحملان طابعا أكثر تخصصا أحدهما صياغة معدلة لأطلس أوروبي للعصر القريب منه، والآخر مصنف تاريخي يرتبط ارتباطا وثيقا بالجغرافيا الملاحية.
وفاته
توفي حاجي خليفة في إستانبول عام 1067هـ / 1657م.
تعريف بكتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون
يعتبر كتاب “كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون” ذخيرة نفيسة في المكتبة العربية، وهو جدير بأن يكون موضوع عناية ودراسة. وأول ما نلاحظ عند دراستنا “لكشف الظنون” هو أنه ألف في القرن الحادي عشر الهجري / السابع عشر الميلادي. وهذه الفترة هي فترة جمود فكري إذا ما قيست بعهود الازدهار، ولكنها في الواقع امتداد العصر تأليف الموسوعات ، في الأدب، واللغة. والفقه، والتراجم ..، مثل نهاية الأرب للنويري، وصبح الأعشى للقلقشندي ومؤلفات السيوطي.
وعمل حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون، هو حلقة من تلك الحلقات التي عملت على التعريف بتراثنا، ومحاولة انقاد ما يمكن إنقاذه، وإذا كان عمله هذا من نوع خاص وفي ميدان معين فهو عمل هام يستوجب الوقوف عنده والتعرف عليه.
اعتمد حاجي خليفة في عمله هذا على المؤلفين الذين سبقوه في نفس الميدان أي ميدان التعريف بالمؤلفات والمؤلفين، وهذا التعريف قد يكون عاما وشاملا لجميع ضروب العلوم والفنون، وقد يكون خاصا بضرب معين عن المعرفة، وبطبقة خاصة من طبقات ذلك الضرب المعين.
وحاجي خليفة في كشف الظنون يقصد إلى العموم والشمول، حيث أراد أن يضع فهرسا جامعا شاملا، ومعجما يضم ما في المكتبة العربية من مؤلفات، وهذا عمل شاق في حد ذاته، بالرغم من أن الخطوات السابقة تمهد الطريق، ومما يزيد في صعوبة هذا العمل مضي الزمن وامتداده، وكل من سبق في الميدان سوف يقف عند حد معين، وعلى اللاحق أن يبتدئ من حيث انتهى السابق.
لقد تنبه المسلمون منذ العصور الأولى إلى ضرورة وضع فهرس جامع يسهل على طالب العلم قصده، ويكون له مفتاحا بين يديه ييسر عمله.
الخطوات التي سبقت حاجي خليفة في هذا الميدان
من أهم الخطوات التي مهدت الطريق أمام مؤلف الكشف الخطوات التالية:
1- خطوة ابن طيفور البغدادي المتوفي سنة 280هـ صاحب كتاب “أخبار المؤلفين والمؤلفات”، فهذه خطوة مبكرة تعتبر من الخطوات الأولى في هذا الميدان.
2- خطوة “فهرست ابن النديم” محمد بن إسحاق البغدادي المولد، وهذه الخطوة كانت في منتف القرن الرابع الهجري، فهي من الخطوات المبكرة، لأن ابن النديم هذا احتراف الوراقة، والكتابة، فأتاحت له ظروفه معرفة الكتب العديدة، ومؤلفيها، وأتاحت له الاطلاع على المعارف التي سادت في زمانه.
وكتابه الفهرست يدل على إحاطة ابن النديم بمختلف علوم عصره، ويدل على وقته فيما قرأ، أو رأى، أو سمع، وكتابه مقسم إلى عشر مقالات في عشرة جوانب من جوانب الثقافة الإسلامية، فكتاب ابن النديم إذا يعطينا صورة واضحة عن الحصيلة العلمية الضخمة التي كانت بين يدي طلاب العلم بديار الإسلام في منتصف القرن الرابع الهجري.
3- كتاب “مفتاح العلوم” لمحمد بن أحمد الخوارزمي، من القرن الرابع الهجري أيضا عاش ببلاط السامانيين، وهو أقدم دائرة معارف عربية. وقسم الخوارزمي كتابه إلى قسمين هامين: أ– العلوم العربية والإسلامية: كالشريعة، والفقه، والكلام ، والعروض، والتاريخ. ب- العلوم المترجمة: كالفلسفة والمنطق والطب والحساب والهندسة والفلك والموسيقى والحيل – مكانيكا – والكيمياء .. ثم بين مصطلح كل علم.
4- كتاب “إحصاء العلوم” لأبي نصر الفارابي المتوفى سنة 339هـ.
5 – كتاب “موضوعات العلوم”، الذي صنفه عبد الرحمن البسطامي وهو كتاب حافل في موضوعه.
6- صنف الملا لطفي المقتول سنة 900هـ كتابه “المطالب الإلهية” خدمة لخزانة بايزيد العثماني.
7- وألف معاصره السيوطي المشهور كتابه “النقابة وإتمام الدراية”.
8- وبعدهما ألف السيد محمد أمين بن صدر الدين الشرواني المتوفى سنة 1036هـ، كتابه في هذا الميدان وهو : “الفوائد الخافانية” الذي أهداه للسلطان أحمد الأول العثماني.
9- هذا ويعتبر كتاب “مفتاح السعادة ومصباح الزيادة”، من أهم الكتب في هذا الموضوع، وهو من الكتب التي كانت نبراسا لمؤلف كشف الظنون. ومؤلف مفتاح السعادة هو عصام الدين أحمد طاشكبرى زادة المتوفى في 968هـ، سار في كتابه على منهج ابن النديم، وقسم العلوم إلى ست درجات، أدخل في كل درجة منها طائفة من العلوم وزمرة منها، وأعطى الدرجة السادسة لعلوم الباطن وبها أنهى الكتاب، وكتاب مفتاح السعادة هذا يحتوي على مقدمات في فضيلة العلم والتعليم والتعلم وشروط ذلك.
ويلاحظ أن مؤلف الكشف اتكأ على هذه المقدمات وانتفع بهذا الكتاب كثيرا، فهو قد استفاد من هذا الرصيد كله ومن غيره .. وهو يصرح في مواضع عديدة من كتابه بما استفاد من الذين سبقوه.
منهاج حاجي خليفة وطريقته
يقول حاجي خليفة: “أنه قام بعمله هذا بالهام من الله تعالى وأنه ابتدأ عمله بتحرير أسماء الكتب بحلب”. ويلاحظ أن صاحب الكشف بالرغم من اعتماده على الكتب السالفة الذكر وغيرها كمصادر وكمادة لكتابه، قد ابتدع لنفسه منهاجا خاصا به وهذا مما ينبغي اعتباره، أنه بهذا المنهاج سهل الرجوع إلى ما يقصده الباحث والطالب وذلك حيث رتب المؤلفات في كتابه على حروف المعجم التي ألفت قبله حسب عمله ويرتبها على حروف الهجاء ترتيبا معجميا.
وبهذا العمل أصبح كشف الظنون معجبا للمؤلفات، بحيث يسهل على الباحث العثور على الكتب المؤلفة في أي موضوع من الموضوعات، وبهذا العمل أيضا أصبح الكتاب مرجعا هاما لا يستغني عنه طالب العلم، وخاصة في طبعاته الأخيرة ذات الذيول والتعاليق.
وفي ثنايا الكتاب يبدو المجهود الذي بذله المؤلف، ومما يلفت النظر في كشف الظنون، مقدمة الكتاب، تلك المقدمة التي تبين مدى سعة إدراكه لحقائق العلم، وتدل على ثقافته الواسعة وعلى ما بذله من جهد في سبيل العلم والمعرفة.
فهو يتحدث في مقدمة الكتاب عن مختلف العلوم والفنون ويشرح فيها فائدة كل علم وكل فن، ويتعرض لنشأة العلم ومدارسه وإلى المشهورين من أربابه والمشتغلين به.
وهي مقدمة حافلة تجسم الجهد المبذول من طرف المؤلف خلال عشرين سنة في جمع شتات هذا الكتاب، الذي ضمنه في نهاية الأمر زهاء خمسة عشر ألفا من أسماء الكتب والمؤلفات، لخمسمائة وتسعة آلاف من المؤلفين، في نحو ثلاثمائة فرع من فروع المعرفة.
[1] مرعش: مدينة في تركيا على حدود سوريا الشمالية فتحها صلحا أبو عبيدة.
[2] أرضروم: مدينة في تركيا تعلو عن سطح البحر بأكثر من 2000 م كانت تسمى “قليلة” عندما فتحها حبيب بن مسلمة سنة 23 هـ وبعدما استولى عليها السلاجقة في القرن الخامس هـ. سموها “أرضوم”.
[3] الإنكشارية: فرقة من الجيش العثماني كان يؤخذ جنودها من الشبان المسيحيين الذين كان على المدن الخاضعة للأتراك أن ترسلهم سنويا لخدمة السلطان، وكان هؤلاء الشبان ينشئون منذ حداثتهم على الولاء للسلطان ويدربون تدريبا عسكريا دقيقا، وفي القرن السابع عشر والثامن عشر ظفرت هذه الفرقة بسلطة كبيرة، فكانت تنصب السلاطين وتخلعها كما تشاء، وصار التجنيد لها وراثيا منذ القرن السابع عشر ثم توقف تدريجيا تجنيد المسيحيين فيها، وبقيت هذه الفرقة ذات نفوذ إلى أن قضى عليها السلطان محمود الثاني في مذبحة الأستانة سنة 1241هـ / 1826م.