قراءة القرآن
يحرص المسلم على التَّقرُّب من الله سبحانه وتعالى بجميع الأعمال والأقوال التي يُحبُّها الله كالصلاة، أو الصيام في غير المفروض كصيام النوافل، أو ذكر الله، والاستغفار في جميع الأوقات والأزمنة، والتسبيح والتهليل والتحميد، أو قراءة كتاب الله، والتَّدبُّر في آياته وما جاء فيها من قصص ومعجزات وعِبَر وأحكام، ولقراءة القرآن الكريم الكثير من الأحكام والآداب التي ينبغي التحلي بها والتنبه إليها قبل البدء بتلاوته، ومن تلك الأحكام والآداب لبس الحجاب للمرأة والتستُّر عند قراءة كتاب الله، فما حكم قراءة القرآن الكريم للمرأة المسلمة دون لبس حجابها وتغطية شعر رأسها؟ وما المقصود بالحجاب؟
المقصود بالحجاب
عندما يذكر الفقهاء لفظة الحجاب، فإنما يعنون به ستر مطلق بدن المرأة، فيشمل الحجاب غطاء الرأس، كما يشتمل تغطية سائر البدن وإخفاء مواضع الفتنة في المرأة المسلمة،[١] وأن يحتوي الحجاب على جميع الشروط اللازمة لاعتباره حجاباً؛ كأن لا يكون فيما ترتديه المرأة زينة ظاهرة تجذب الأنظار إليها، وأن يكون فضفاضاً لا يصف جسدها ولا يُبرز مفاتنها، وأن لا يكون مُعصفراً، وأن لا يكون مُعطراً أو مُبخَّراً، إلى غير ذلك من شروط الحجاب الشرعية التي وضعها الفقهاء.[٢]
إقرأ أيضا:فوائد حفظ القرآن الكريمحكم قراءة القرآن بدون حجاب
يرى الفقهاء أنّه لا يُشترَط لقراءة القرآن ارتداء الحجاب الشرعي؛ إذ إنَّ شروط قراءة القرآن الكريم محصورةٌ فقط بالطهارة لمن كان يريد مسَّ المصحف،[٣] ويشترط لذلك الطهارة من الحدث الأكبر، فلا يجوز للجنب قراءة القرآن، أما الحدث الأصغر فيجوز فيه قراءة القرآن عن ظهر قلب، كما يجب على من يريد مسَّ المصحف أن يكون متوضّئاً مستعداً لذلك، ويُشترط أيضاً لقارئ القرآن أن تكون ملابسه طاهرة، وأن يقرأ القرآن في موضعٍ طاهر، وغير ذلك من متعلقات الطهارة ومستلزماتها.[٣][٤] أما اشتراط لبس الحجاب لمن تريد قراءة القرآن من النساء فليس داخلاً في تلك الشروط، فيكون جائزاً قراءة القرآن دون ارتداء الحجاب للمرأة، إلا أنّه من الأفضل والأولى للمرأة من باب الأدب مع الله وأثناء وخلال قراءة كلامه الذي هو القرآن الكريم أن تستر جسدها ورأسها إذا أرادت قراءة القرآن لا على سبيل الوجوب، إنّما من باب التأدُّب مع القرآن، كما أنّ المرأة إن عَرَضَ عليها سجود التلاوة، فينبغي أن تتستّر له كما تتستّر للصلاة، فمن المستحب للمرأة لبس الحجاب إذا أرادت قراءة القرآن كما يقول بذلك معظم أهل العلم.[٥]
قراءة القرآن للحائض والنفساء
اختف الفقهاء في حكم قراءة القرآن للحائض والنفساء على عدة أقوال وآراء؛ حيث يرى فريقٌ من العلماء جواز أن تقرأ الحائض والنفساء القرآن الكريم، بينما يرى آخرون من أهل العلم عدم جواز ذلك لهما وحرمته إطلاقاً عليهما؛ لانتفاء شرط الطهارة عنهما، وفي ما يلي بيان رأي كلِّ فريقٍ وأدلته:
إقرأ أيضا:طريقة سهلة لحفظ القرآن للأطفال- حُرمة قراءة القرآن أو لمسه للحائض والنُّفساء: يرى علماء وفقهاء المذاهب الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل أنّ قراءة القرآن للحائض والنفساء غير جائز شرعاً، لفقدان شرطٍ من شروط قراءة القرآن الكريم الذي هو الطهارة، فيحرُم عند أصحاب هذا القول على الحائض والنُّفساء القراءة من المصحف أو حتى مجرد لمسه دون القراءة منه، أو مجرد قراءة القرآن الكريم غيباً دون لمس المصحف، وهو رأي جمهور أهل العلم، وبذلك أفتى الإمام النووي رحمه الله؛ حيث نُقل عنه أنه قال: (مذهبنا أنه يَحْرُمُ على الجنب والحائض قراءة القرآن، قليلها وكثيرها، حتى بعض آية، وبهذا قال أكثر العلماء)،[٦] وقد استدلَّ القائلون بحرمة قراءة القرآن للحائض والنفساء بعددٍ من الأدلة منها:[٦]
- قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).[٧]
- ما رواه عبد الله بن أبي بكر أنّ في الكتاب الذي كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم رضي الله عنه قال: (ألا يمس القرآن إلا طاهر).[٨]
- أنَّ هذا الحكم -حرمة مس المصحف أو القراءة من القرآن الكريم- قد اشتهر بين الصحابة والتابعين والفقهاء الكرام، حتى بلغ أو كاد يصل إلى درجة الإجماع، كما نهى الصحابة الحائض والجنب عن مس المصحف أو القراءة منه.
- أما قراءة بعض الآيات من القرآن الكريم التي فيها دعاءٌ أو ذكرٌ أو آداب أو أدعية لمجرد الذكر أو الدعاء، كدعاء السفر؛ بقول: (سُبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كُنّا له مُقْرِنين)،[٩] والدعاء عند المصيبة؛ بقول: (إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون)،[١٠] ونحو ذلك من الأوراد والأدعية؛ فلا بأس في ذلك إن كان لمجرد الذِّكْر والدُّعاء، لا بنية قراءة القرآن. يقول الإمام الخطيب الشربيني رحمه الله: (يحلُّ ما لم يقصد به تلاوة القرآن الكريم؛ لأنه لا يكون قرآناً إلا بالقصد وعقد النية).