نفسه سبحانه
لله تعالى نفس تليق بكماله وجلاله ، لا تشبه نفوس المخلوقات ، وقد أخبرنا الله بذلك في محكم كتابه ، قال تعالى : ( وإذا جاءك الَّذين يؤمنون بِآيَاتِنَا فقل سلامٌ عليكم كتب ربُّكم على نفسه الرَّحمة أنَّه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ ثمَّ تاب من بعده وأصلح فأنَّه غفورٌ رَّحيمٌ ) [ الأنعام : 54 ] .
فقد أخبر – سبحانه – أنّ له نفساً ، وأنّه كتب على نفسه الرحمة ، ونصّ الله على ذلك في آية أخرى ( قل لمن مَّا في السَّماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرَّحمة ليجمعنَّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) [ الأنعام : 12 ] .
وقد فسرّ الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً من هذه الكتابة ، ففي الحديث الذي يرويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لمّا قضى الله الخلق كتب كتاباً ، فهو عنده فوق العرش : إنّ رحمتي تسبق غضبي ) وفي رواية ( تغلب غضبي ) ، متفق عليه (1) ، وإثبات النفس لله منهج الرسل من قبل ، فهذا عيسى يقول لرب العزة : ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنَّك أنت عَّلامُ الغيوب ) [ المائدة : 116 ] ، وقال الله لرسوله موسى : ( ثمَّ جئت على قدرٍ يا موسى – واصطنعتك لنفسي ) [ طه : 40-41 ] .
وقد حذرنا الحقّ نفسه فقال : ( ويحذّركم الله نفسه والله رَؤُوفُ بالعباد ) [ آل عمران : 30 ] .
والله يذكر عباده في عباده الذين يذكرونه في أنفسهم ، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) . (2)
وذكر الله يرضي نفس ربنا تبارك وتعالى ، ففي حديث مسلم عن ابن عباس عن جويرية : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح ، وهي في مسجدها ، ثم رجع بعد أن أضحى ، وهي جالسة ، فقال : ( ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ ) . قالت : نعم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد قلت بعدك أربع كلمات ، ثلاث مرات ، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشة ، ومداد كلماته ) . (3)
—————-
1- مشكاة المصابيح 1/726 ورقمه 2364
2-مشكاة المصابيح 1/693 ورقمه :2264
3- رواه مسلم في صحيحه 4/2090 ورقمه :2726