المساجد بيوت الله في الأرض
تحظى المساجد في الإسلام بمكانةٍ عظيمةٍ باعتبار نسبتها إلى الله سبحانه؛ فهي بيوت الله في الأرض، قال المولى عزّ وجلّ: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)، وعمّارها أحباب الله، شهد لهم الله -سبحانه- بالإيمان، حيث قال: (إِنَّما يَعمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَم يَخشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَن يَكونوا مِنَ المُهتَدينَ)، وقد نالتْ بعض المساجد في الإسلام فضلاً ومكانةً أكثر من غيرها، حيث تأكّد فضل المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى في القدس عن غيرها من المساجد من حيث المكانة وأجر الصلاة فيها، واقترن ذكر بعض المساجد بأحداثٍ جِسام في تاريخ السيرة النبوية، ومن ذلك مسجد قباء، فأين يقع مسجد قباء، وما هي خصائصه ومزاياه، وما هو أجر الصلاة فيه؟
موقع مسجد قباء وأهميته وفضله
جاء التاريخ الإسلامي شاهد حقٍّ، ودليل صدقٍ على المنارات التي شكّل وجودها فارقةً في تاريخ السيرة النبوية، وما نتج عنه من اهتمام المسلمين بها عبر الحِقب المتعاقبة، ولعلّ مسجد قباء نال حظّاً وافراً من هذا المعنى.
موقع مسجد قباء
يقع مسجد قباء في الطرف الجنوبي من المدينة المنورة، وهي المنطقة التي كان يسكنها بنو عمرو بن عوف، ويمرّ منها وادٍ يسمّى رانوناء، وهي بلدة تشتهر بكثرة مياهها الجوفية، وخصوبة أرضها، وكثرة مزارعها وبساتينها،[٤] وقد كانت قباء آنذاك قريةً تقع خارج حدود المدينة النبوية، وتحديداً على يسار السائر نحو مكة من المدينة، والمسافة بينها وبين المدينة المنورة حينها تقدّر بنحو ميلين؛ أي: ما يزيد عن ثلاثة كيلو مترات،[٥] ويبعد مسجد قباء عن المسجد النبوي في المدينة المنورة بالمشي المتوسّط ما يقارب نصف ساعة، وسمّي بمسجد قباء نسبةً إلى اسم ديار بني عمرو، حيث نزل النبّي -صلّى الله عليه وسلّم- بديارهم في أوّل نزول له في المدينة المنورة، فبنى المسجد،[٧] وكان ذلك في السنة الأولى للهجرة.
إقرأ أيضا:من هم السلف الصالحأهمية مسجد قباء في الإسلام
يختصّ مسجد قباء بكونه أوّل مسجدٍ بناه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الإسلام، وفي مكانته يقول الإمام محمد الأمين الشنقيطي: (ومن حيث الأولية النسبية؛ فالمسجد الحرام أول بيتٍ وضع للناس، ومسجد قباء أول مسجد بناه المسلمون، والمسجد الحرام بناه الخليل، ومسجد قباء بناه خاتم المرسلين، والمسجد الحرام كان مكانه باختيار من الله، وشبيه به مكان مسجد قباء)،وقد أشار كثير من المفسرين إلى أنّ مسجد قباء هو المقصود بقول الله تعالى: (لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقومَ فيهِ)،[٩] حيث جاء ذكره في معرض بيان أهميته ومكانته عند الله سبحانه.
فضل مسجد قباء
جاء في الحديث الصحيح أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان يزور مسجد قباء كلّ يوم سبت، راكباً أوماشياً، بل إنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يحثّ أصحابه -رضي الله عنهم- على قصده والصلاة فيه، وكان يبيّن لهم طريقة تحصيل الأجر المضاعف عند الشروع بالذهاب إليه؛ حيث ورد عنه: (من تطهَّر في بيتِه ثمَّ أتَى مسجدَ قُباءَ فصلَّى فيه صلاةً كان له كأجرِ عُمرةٍ)، حيث يتّضح من الحديث أنّ هذا الأجر العظيم متحقّقٌ لمن توضّأ في بيته، ثمّ خرج إلى مسجد قباء قاصداً الصلاة فيه، أمّا من أتى قباء فصلّى فيه من غير قصدٍ من بيته؛ فلا شكّ أنّه مأجورٌ وعمله مبرورٌ، ولكنْ لا يتحصّل على الأجر الوارد في الحديث السابق.
إقرأ أيضا:حقوق الجار