لرّسل والأنبياء
لقد بعث الله عزّ وجلّ الأنبياء والرّسل عليهم صلوات الله وسلامه إلى البشر بالهداية وبالرِّسالات إلى أقوامهم لهدايتهم، فَحَملوا الرّسالة بِصدقٍ وأمانةٍ، وبذلوا الغالي والنَّفيس لأجلها، وكان الله عزّ وجلّ قد بعث في كلّ أُمّةٍ رَسولاً، أو نبيّاً، أو مجموعةً من الأنبياء والرُّسل، وكذلك كان العرب أيضاً، إذ بعث الله تعالى مجموعةً من الأنبياء والرُّسُل إليهم، ومن هؤلاء الأنبياء ما يأتي:
إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام
أول أنبياء العرب هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام، وهو أبو العرب،[١] وقد أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ إِسْمَاعِيلَ عليه السّلام في كتابه العزيز فقال تعالى: (واذْكُر في الكِتابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ)،قيل إنه وعد إنساناً في مَوضِعٍ فلم يرجع إليه ذلك الإنسان ونسيه، فبقي إسماعيل اثنين وعشرين يوماً في انتظاره.
اسمه ونَسَبُه
هو إسماعيل بن إِبرَاهِيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح. وقِيل: إسماعيل بن إِبرَاهِيم بن آزر بن النّاحور بن الشّارغ بن القَاسِم ابن يعبر بن السّالح بن سنحاريب.[٣] انقسم أولاد إبراهيم عليه السّلام إلى قسمين: قسمٌ ذهب إلى هاجر فولدت إسماعيل عليه السلام ومنه تناسل العرب، والقسم الثّاني ذهب إلى سارة فولدت إسحاق عليه السّلام، ومن إسحاق وُلِد يعقوب عليه السّلام وهو (إسرائيل)، وذريته هم بنو إسرائيل، ومنهم كان أنبياء بني إسرائيل جميعاً.
إقرأ أيضا:أول الرسل بعد آدممولده وأولاده ووفاته
وُلِد إسماعيل لإبراهيم عليهما السّلام من هاجر؛ إذ إن إبراهيم عليه السّلام سأل الله ذريّةً طيّبةً، وأن الله بشره بذلك، وذُكر أنّ سارة قالت لإبراهيم عليه السّلام: إنَّ ربي قد أحرمني الولد، فادخل على جاريتي هذه لَعلّ الله يرزُقُنى منها ولداً، فلما وَهَبَتْها له دخل بها إبراهيم عليه السّلام، فحملت منه، فلّما حملت ارتفعت نفسها وتعاظَمَت على سيِّدَتها، فغارت منها سارة فَشَكَت ذلك إلى إبراهيم، فقال لها: افعلي بها ما شِئْتِ، فخافت هاجر فهربت فنزلت عند عين هناك، فقال لها ملك من الملائكة: لا تخافي فإنّ الله جاعلٌ من هذا الغلام الذي حملت خيراً، ولما رجعت هاجر وضعت إسماعيل عليه السّلام وكان لإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة.[٥] كان عمر إسماعيل كما يُقال مائة وثلاثين سنة عندما توفّي، ثم مات ودُفِن في الحِجْر مع أمه هاجر رحمهما الله تعالى.[٦]
وَلَدَ إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام اثني عشر رجلاً، وهم: نابتا، وقيذر، وأذبل، ومنشا، ومسمعا، وماشى، ودما، وأذر، وطيما، ويطورا، ونبش، وقيذما. وأمّهم بنت مُضاض بن عمر الجرهميّ.
رسالته وقومه
كان إسماعيل عليه السّلام رسولاً إلى عرب جنوب الجزيرة العربيّة، وتشمل الجراهمة وهم أهل مكّة، والعماليق، وأهل اليمن وهم قبائل مُتعدّدة،[٤] وقد اتّبَع مُعظم العرب دعوة إسماعيل عليه السّلام حين دعاهم إلى دين أبيه إبراهيم عليه السّلام فكانوا يعبدون الله ويُوحّدونه، وبقي فيهم التّوحيد حتّى جاء عمرو بن لحي كبير خُزاعة بهُبَل وجعله في جوف الكعبة، ودعا أهل مكّة إلى عِبادة الأصنام والشّرك بالله فأجابوه.
إقرأ أيضا:متى خلق ادمهودٌ عليه السّلام
هودٌ عليه السّلام هو النّبي الذي أرسله الله تعالى في قبيلة عاد التي تُعتَبَرُ أحد قبائل العرب الأولى، ويُشار إلى بعض ما يَخُصّه اختصاراً ما يأتي:
اسمه ونَسَبُه
هو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلّام، ويُقال: هو عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، ويُقال: هود بن عبد الله بن رباح الجارود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السّلام، وكان من قبيلة يُقال لهم عاد بن عوض بن سام بن نوح، وكانوا عَرَباً يسكُنونَ الأَحْقاف – وهي جبال الرَّمل – وكانت باليمن بين عُمان وحَضرَمَوت، بأرضِ مُطِلَّة على البحر يُقال لها الشَّحر، واسم واديهم مغيث، وكانوا كثيراً ما يَسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضّخام، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ)،[٨] أي عاد إرم وهم عاد الأولى.
رسالته وقومه
هود عليه السّلام أقدم من إبراهيم عليه السّلام كان من قوم عاد، وكان موطنها الأحقاف، والحِقْف: ما استطال واعوجّ من الرّمل، وكانت منازل عاد على المُرتفعات المتَفرقة في جنوب الجزيرة، وقيل إنّه كان أوّل نبيّ بعد نوح عليه السّلام، وكان قوم هود عليه السّلام من أقوى قبائل العرب تَحَصُّناً، وأقواها شكيمة، ولكن كانوا أشد غروراً.[٩]
إقرأ أيضا:زوجة موسى عليه السلاماعترض قوم هود عليه السّلام على نُبوَّته لأنه بَشَر، وكان الأغنياء من قوم هود يقولون له: (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إلّا الذينَ هُم أراذِلُنا بادِيَ الرَّأي)،[١١] وقد قال هود للكُفّار من قومه: (ولا أَقْولُ لَكُم عِنْدي خَزائِنُ الله ولا أعْلَمُ الغَيْبَ ولا أَقولُ إنِّي مَلَك).
صالح عليه السّلام
الحديث في سيرة صالح عليه السّلام شيّقٌ من ناحية ومُؤثّر من ناحية أخرى، مَليءٌ بالعِظات والعِبَر لكلّ ذي لُبّ، وأهمّ ما يُذكر في سيرته عليه السّلام ما يأتي:
اسمه ونَسَبُه
هو صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن نوح، وقيل: هو صالح بن عبيد بن ماشح بن عبيد بن جادر بن ثمود، وقيل: صالح بن عبيد ابن أسف بن ماسخ بن عبيد بن خادر بن ثمود، وفى رواية: صالح بن أسف ابن كماشج بن إرم بن ثمود.
رسالته وقومه
قوم صالح عليه السّلام هم قبيلة مشهورة يُقال لهم ثمود باسم جَدِّهم ثمود، وكانوا عَرَباً من العارِبَة يسكنون بين الحجاز وتبوك، وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام مثلهم، فبعث الله فيه صالح عليه السّلام فآمن معه جزءٌ يسيرٌ منهم وكفر مُعظمهم، وتكلَّموا فيه وشتموه ووصفوه بما ليس فيه وأرادوا قتله.
قصة ناقة صالح
ذكر المُفَسِّرون أنَّ ثمود اجتمعوا يوماً فجاءَهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله، فقالوا له: نؤمن بك إن أنت أخرجت لنا من هذه الصّخرة ناقةً صِفَتُها كذا وكذا، فقام عليه السّلام إلى مُصَلّاه فصلّى لله ودعا ربَّهُ عزّ وجلَّ أن يجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر الله عزّ وجلّ تلك الصّخرة أن تَنفَطِر عن ناقةٍ عظيمةٍ عَشراء كما طلبوا، فلما عاينوها ورأوها آمنَ كثيرٌ منهم، واستمرّ أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعِنادهم، وكان رئيس الذين آمنوا جندع بن عَمرو بن محلاة وكان من رؤسائهم. وقال صالح عليه السّلام لقومه: هذه ناقة الله لكم آيةً على صدق ما جئتكم به، فَذَروها تأكُل في أرض الله ولا تَمسُّوها بسوء، فاتّفَقَوا على أن تبقى بين أظهُرِهم، ترعى حيث شاءت من أرضهم، وتَرِدُ الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، ويُقال إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم، فلما طال عليهم هذا الحال اجتمعوا واتفقوا أن يعقِرواها، ليستريحوا منها ويتوفّر عليهم ماؤهم، وكان الذي تولّى قتلها منهم رئيسهم قدار بن سالف بن جندع، فعاقبهم الله على كفرهم.
شعيب عليه السّلام
شُعيب عليه السّلام نبيٌ عربيٌ من العرب العارِبَة، وقد تَميَّز شُعيب عليه السّلام بالفصاحة والبلاغة، وحُسن التّوجيه والبلاغ، يقول عنه محمد عليه الصّلاة والسّلام: (أربعةٌ من العَرَب: هود وصالح وشعيب ونبيُّك يا أبا ذر). كان شُعيب عليه السّلام يُسمّى خَطيبَ الأنبياء؛ لما اشتُهِر به من دقَّةٍ وفَصاحةٍ، وقد كان رسول الله – عليه الصّلاة والسّلام – إذا ذُكر شعيب قال: (ذاكَ خَطيبُ الأنبياء).
اسمه ونَسَبُه
اسمه شُعَيْب بن صيفون بن عيفا بن نابت بن مدين بن إبراهيم، وقيل إن اسم شُعيب يزون، وقال بعضهم: لم يكن شُعيب عليه السّلام من ولد إبراهيم، وإنّما هو من ولد بعض من كان آمن بإبراهيم واتّبعه على دينه، وهاجر معه إلى الشّام، ولكنّه ابن بنت لوط فجدّة شُعيب ابنة لوط عليهما السّلام.
رسالته وقومه
أُرسِل شُعيب عليه السّلام إلى قوم مَدْين؛ وهي قبيلة عربية تسكن في (معان) الواقعة بين الشّام والحجاز،وقد سكن بينهم شُعيب بعد هجرته من أرض بابل، وأتقن لُغَتَهم فصار واحداً منهم، وكان عُمره حين بعثته عشرين سنة، وقد كانت دعوته بعد دعوة لوط بمُدَّةٍ وجيزة، وكان قومه مع كفرهم يَبْخَسون المكاييل والموازين، فدعاهم إلى التَّوحيد ونهاهم عن التَّطفيف، وقد بيَّن لهم عليه السّلام ما في سلوكهم من عدوان؛ لخلوّ معاملاتهم من العدل، ولإنقاصهم حقوق النّاس، ولنشرهم الفساد في الأرض، وأمَرَهم أن يُغَيِّروا هذا المَسلك السّيئ، ويُوفوا النّاس حقوقهم، لكنّهم لم يسمعوا ولم يُؤمنوا، وواجهوه بعدّة صور؛ فَمَرَّةً يستميلونه بالمدح، ومرَّةً يتّهمونه بالكذب، ومرّةً يصفونة بالجهل، ناهيك عن قولهم أنّه مَسحورٌ وبه جان، وانتهى الأمر بهم بالكفر والحجود، وحينها أعلن لهم شُعيب أنَّه نَصَحَهُم بصدقٍ وأمانةٍ، وأنّ عليهم أن يترقَّبوا مصيرهم من العذاب حتّى جاء أمر الله فأحرقتهم النّار التي جاءت بها الرّيح مع أموالهم التي اكتسبوها بالحرام، وسُمِّيَ يوم عذابهم يوم الظُّلَّة.
خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام
سيرة نبي الله محمد عليه الصلّاة والسّلام من ألمع سِيَر الأنبياء والرّسل على الإطلاق؛ فهو النَّبي الوحيد الذي وُجِّهَت الأنظار إلى مراحل حياته من يوم مولده وحتّى يوم وفاته، وليس ذلك لأحد من الأنبياء والرّسل إلا لمحمد؛ فمولده معلوم، وحياته معلومة، ووفاته معلومة، فسيرته ساطعةٌ كالشّمس.
نَسَبُ محمد عليه الصّلاة والسّلام ومولده
هو مُحمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن مُعدّ بن عدنان، وينتهي نَسَبُ عدنان إلى سيّدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام.
وُلِدَ رسول الله عليه الصّلاة والسّلام يوم الإثنين الثّاني عشر من شهر ربيع الأول، عام الفيل 570م، ولمّا وضعته أُمُّه عليه الصّلاة والسّلام أرسَلَت إلى جدّه عبد المطّلب أنّه قد وُلِدَ لك غُلام فأتاه، فنظر إليه، وحمله، ودخل به الكعبة، ثم قام يدعو الله، ويحمَدُه وسمّاه محمّداً، وكان هذا الاسم غريباً فتعجّب منه العرب.
شَبابُه وعَمَلُه
شَبّ رسول الله عليه الصّلاة والسّلام محفوظاً من الله تعالى، بعيداً عن أقذار الجاهليّة وعاداتها، فكان أفضل قومه مروءةً، وأحسَنَهم خُلُقاً، وأشَدّهم حياءً، وأصدَقُهم حديثاً، وأعظمهم أمانةً، وأبعدَهم عن الفُحش والبَذاءة، حتّى أسموه في قومه بالأمين، وكان واصلاً للرّحِم، حاملاً لما يُثقِل كواهل النّاس، مُكرِماً للضّيوف، عَوناً على البرّ والتّقوى، وكان يأكل من نتيجةِ عمله، وقد رَعى الغَنَمَ في بني سَعد مع إخوَتِه من الرَّضاعة.
بعثته
بُعِثَ محمد عليه الصّلاة والسّلام رسولًا للعالم كُلّه، بالعقيدة الإلهية الواحدة، والشَّريعة المُلائِمة للنّاس أجمعين، والصّالحة للتّطبيق في كل زمانٍ ومكان، وقد كان عمره حين بُعِث أربعين عاماً، وقد أقَام رَسُول الله بمكَّة بعْد نُزُولِ الوَحي عليه ثلَاث عَشْرة سنةً، ثمَّ هاجَر فقَدِمَ المدينَةَ في ليلةَ الإثنين الثّاني عشر من شهر ربِيع الأوَّل فأقام فيها عشر سنين، وكانت بعثته بالتّحديد في 17 رمضان سنة 13 قبل الهجرة، وذلك يوافق يوليو سنة 610م، وأول ما بُدِىء به الوحي الرّؤيا الصّادقة؛ فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، وكان ينزل عليه الوحي في أحوال مُختلفة؛ فمنها النّوم، ومنها أن ينفث في روعه الكلام، ومنها في مثل صلصلة الجرس، ومنها أن يُمثّل له الملك رجلاً، ومنها أن يتراءى له جبريل في صورته، ومنها أن يُكلّمه الله من وراء حجاب؛ إمّا في اليقظة كما كان في ليلة الإسراء، وإمّا في النّوم.
وفاته
توُفِّي محمد عليه الصّلاة والسّلام صباح يوم الإثنين لما اشتدّت شمس الضّحى الواقع في الثّاني عشر من ربيع الأول لعام 11 هجريّة، وكان عمره حينها ثلاث وستّون سنةً وأربعة أيام.