صفات الله

معنى قول السلف:”الاستواء معلوم”

معنى قول السلف:”الاستواء معلوم”

يشتبه على كثير من طلبة العلم ما أُثر عن بعض الصحابة والتابعين وثبت عن ربيعة شيخ الإمام مالك وعن مالك أيضا رضي الله عنهم أجمعين أنهم قالوا حين سئلوا عن كيفية الاستواء فقالوا بأن “الاستواء معلوم ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة” زاد ربيعة بدل الجملة الأخيرة : “ومن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق”[1] . فيظنون أن هذا تفويضٌ لمعنى الاستواء ومنعٌ للحديث عن هذه الصفة التي وصف الله نفسه بها في مواضع في كتابه ووصفه بها أعلمُ الناس به ^  في أحاديثه الكثيرة . وهذا وهم أورثه عدم التأمل في النصوص المروية عن السلف في هذا الباب ومنهم الإمام مالك نفسه رحمه الله ، ولذلك قال العلماء : الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبيّن فقهه . ولو تأملوا هذا اللفظ نفسه لعلموا أنه ليس فيه تفويض فإن السؤال كان عن “كيف استوى” ؟ لا عن معناه ، ولأنهم يقولون “والإيمان به واجب” فالإيمان بماذا ؟ بما لا نعرف معناه ؟!.

فالقول بأن الاستواء معلوم يعني أنه لا يحتاج إلى تأويل لأنه معلوم غير مجهول . وأما أن الكيف غير معقول فذلك أن الصفات فرع عن الذات وحيث لا يعرف أحد كيفية ذاته سبحانه فلا سبيل لأحد إلى معرفة كيفية صفاته . وهذا يقال في جميع الصفات كالسمع والبصر والحياة وكذلك في القدم والساق والرجل وفي الاستواء والمجيء والنزول وسائر الصفات فنثبتها على حقيقتها ولا نذكر لها تمثيلا ولا تكييفا . والإيمان به واجب لأن الله ذكره وبيّنه رسوله ويجب قبوله من الله ورسوله . وأما أن السؤال عنه بدعة فذلك حين ظهور بدعة التأويل فيسألون عن كيفية هذه الصفات ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل والتحريف . وكان السلف رضوان الله عليهم أحرص الناس على سد أبواب الفتن ودرء مسالك الابتداع في الدين .[2]

إقرأ أيضا:عقيدة الشيخ عثمان بن فودي

———————————

[1] أخرجه اللالكائي في السنة 1/92 ، والذهبي في العلو (132 مختصره) وصححه غير واحد .

[2] قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في رحلة الحج إلى بيت الله الحرام : “ولا شك أن الطريق المأمونة هي طريق الكتاب والسنة لا سيما في صفاته جل وعلا التي لا سبيل للعقول إلى إدراك حقائقها ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه :110] . وهذا الذي أوضحنا من إثبات الصفات لله حقيقة من غير تكييف ولا تشبيه هو معنى قول الإمام مالك رحمه الله : (الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول) فإن معنى قوله : (الاستواء غير مجهول) أن هذا الوصف معروف عند العرب وهو في لغتهم الارتفاع والاعتدال ، لكن ما نسب إلى الله من هذا الوصف لا يشابه ما نسب منه للحوادث ، وذلك هو معنى قوله : (والكيف غير معقول) . فقول الإمام مالك : (الاستواء غير مجهول) نفي للتعطيل . وقوله : (والكيف غير معقول) نفي للتشبيه والتكييف ، وبنفي الأمرين يكون الصواب . اهـ من رحلة الحج إلى بيت الله الحرام ، دار ابن تيمية ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص 75.

إقرأ أيضا:ردود على شبه وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
السابق
الفرق بين التفويض والكف عن التكييف والتمثيل
التالي
التأويل فرع عن التشبيه