يُستحبّ للمسلم أن يرقي نفسه بنفسه؛ لأنّه الأكثر شعوراً بشكواه وحاجته إلى الله -عز وجل-، وهذا أدْعى للتوكّل وحضور القلب عند الرّقية والدعاء والتضرّع بين يدي الله -تعالى-، وقد تعدّدت آراء أهل العلم في حكم طلب الرقية الشرعية من الآخرين لتعدّد أفهامهم في تفسير حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وتوضيح أقوالهم فيما يأتي:
القول الأول: جواز طلب الرقية من الآخرين
الأفضل للمسلم أن يرقي نفسه بنفسه إن كان قادراً على ذلك، ولكن هذا لا يعني عدم مشروعية طلب الرقية من الآخرين المعروفين بالصلاح والاستقامة، خاصَّةً إذا كان المرء بحاجةٍ ماسَّةٍ إليها، وربّما تساءل المسلم عن الذين وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتي سَبْعُونَ ألْفًا بغيرِ حِسابٍ، هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)،[١] فهل يدلّ ذلك على أنّ مَن يطلب الرقية ليس من ضمن هؤلاء السبعين ألفاً؟
وقد أجاب أهل العلم على ذلك من خلال عدّة توضيحات، وهي:
- قال بعض أهل العلم: إنّ هذا الوصف ليس وصفاً لجميع المسلمين، بل هو خاصٌّ بأهل العزم منهم، ذلك أنّ النّاس متفاوتون بالعزيمة وقوّة الإيمان والتوكّل على الله، فيكون معنى لا يسترقون: أي أنّهم من شدّة توكّلهم على الله -تعالى- ولجوئهم إليه واعتمادهم عليه في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ لا يخطر ببالهم أصلاً طلب الرّقية من غيرهم، وليس المعنى أنّهم يتكلّفون في الصبر على طلب الرّقية وهم محتاجون إليها.
- إذا قام الراقي الموثوق بأمانته برقية غيره بدون طلبٍ منه، فهذا جائزٌ بلا خلاف، بل يُندب للرّاقي أن يفعل ذلك وينفع غيره،[٣] وقد ثبت أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يرقي غيره، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يرقون غيرهم أيضاً، ويُقرّهم النبي الكريم على ذلك.
- فسّر ابن حبان وغيره من أهل العلم أنّ الذين لا يسترقون هم الذي لا يطلبون الرقية على طريقة أهل الجاهلية، حيث كانوا لا يفوضون كلّ أمرهم إلى الله -تعالى-، ويعتقدون أن الدواء نافعٌ في طبعه، ويدلّ على مشروعية طلب الرقية من الغير عند الحاجة إليها ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها-، حيث قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ).
- لا حرج ولا كراهة على من احتاج إلى الاسترقاء وكان مؤدِّياً ما فرضه الله ومجتنباً ما نهاه عنه ومستقيماً على طاعة الله، ويُرجى أن لا يمنعه ذلك أن يكون من الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وقد قال ابن باز -رحمه الله- عنهم: “… ومن صفاتهم الطيبة: عدم الاسترقاء، ولكن الاسترقاء لا يمنع من كونه من السبعين، والاسترقاء طلب الرقية، وإذا دعت الحاجة إلى هذا فلا بأس، فالنبي ﷺ أمر عائشة أن تسترقي، وأمر أم أولاد جعفر أن تسترقي لأولادها”
القول الثاني: كراهة طلب الرقية من الآخرين
يرى فريقٌ آخر من أهل العلم أنّ طلب الرقية من الآخرين عموماً لا يُستحبّ إذا كان المرء قادراً على رقية نفسه بنفسه، لأنّ طلبها ينافي كمال التوكّل على الله -عز وجل-، ومَن طلب الرقية من غيره لم يدخل ضمن حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، ولذلك يُكره طلب الرقية من الآخرين للقادر على رقية نفسه.
إقرأ أيضا:اعراض المس والعين أثناء الرقيةولا يدخل في الكراهة مَن رقاه أحد الرّقاة بدون طلبٍ منه، بل لا يُشرع منع الراقي الصالح من رقية غيره، لأنّ هذا لا يؤثّر على التوكّل، ولأنّ النبي الكريم لم يمنع عائشة -رضي الله عنها- أن ترقيه، وكذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يكونوا يمنعون أحداً جاء ليرقيهم.
متى يكون طلب الرقية من الآخرين مكروهاً ومحرَّماً؟
يُكره طلب الرقية من الآخرين إذا رافق ذلك ضعف توكّل المرء على خالقه وإحسان الظنّ به، فيجد أنّ في الرّقية نفعاً كبيراً له، ويكون يائساً من انتفاعه برقية نفسه، فلا يفوّض كلّ أمره لله -سبحانه-، ويؤدّي ذلك إلى تعلّق القلب بالرقية والأسباب، ويكون طلب الرقية من الغير مُحرَّما إذا عُرف عنهم التعامل بالشعوذة والسّحر، والتعامل مع الجنّ، والتمتمة أثناء الرقية، وعدم تطبيق ضوابط الرقية الشرعية، وإذا كان طالب الرقية يعتقد أنّ الرقية هي السبب الذاتي بشفائه.
إقرأ أيضا:دلالة برود الرجلين أثناء الرقية