غزوة الخندق
غزوة الخندق هي إحدى غزوات النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضوان الله عليهم- ضدّ أعداء الدّين، وسبب وقوعها؛ أنّ اليهود لما رأوا قريشاً قد انتصرت على المسلمين في غزوة أحد، وعلموا أنّ أبا سُفيان قد توعّد بغزوٍ جديدٍ للمسلمين، فأخرجوا أشرافهم كسلام بن أبي الحقيق، وسلام بن مشكم متوجّهين إلى مكّة، محرّضين للمشركين؛ حتى يستعدوا للغزو القريب، وقد وعدوهم بنصرهم وتمكينهم هم أيضاً، فاستجابت قريش لهذه الدّعوة، ثمّ انطلقت إلى غطفان فدعوهم للوحدة ضدّ المسلمين فاستجابوا كذلك، وطافوا على قبائل العرب يؤلّبونهم ويحرّضونهم على قتال المسلمين، فاستطاع بذلك أبو سفيان أن يجمع أربعة آلاف مقاتل من العرب، ثمّ انضمّ إليهم بعد ذلك بنو أسد وبنو زرارة وأشجع وغيرهم من الكفّار، وقد اقترب عددهم من عشرة آلاف مقاتل، ولمّا سمع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بهذه الأخبار، أدرك أنّ الحرب باتت وشيكةً، فاستشار أصحابه في ما يفعله لمواجهة أعدائهم الذي تحزّبوا لقتالهم، فكانت مشورة سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- بحفر الخندق حول المسلمين، فتحصّن المسلمون في جبلٍ، وحفروا حولهم خندقاً، وكانوا حينئذٍ ثلاثة آلاف مقاتلٍ.[١]
وقت حدوث غزوة الخندق
بدأ نبيّ الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته بحفر الخندق، وكان ذلك في شهر شوّال في السّنة الخامسة من الهجرة النبويّة، وكان أن اعتراهم جوعٌ وتعبٌ ونصبٌ، حتّى فتح الله عليهم بإتمام الحفر والاستعداد للمواجهة، وحين وصل الأحزاب إلى حيث الرّسول ومن معه، فوجئوا بالخندق يحصّنهم ويحميهم من أمامهم، والجبال من خلفهم، فحاولوا قطع الخندق للوصول إلى المسلمين، لكنّ جهدهم راح عبثاً، إذ إنّ رُماة المسلمين مستعدّون لأيّ محاولة تسلّلٍ ليلاً أو نهاراً، فلمّا أحسّ الأحزاب أنّ جهودهم للوصول إلى المؤمنين ستبوء بالفشل، فكّروا في طريقةٍ أخرى؛ وهي دفع يهود بني قريظة وهم يهود أهل المدينة المنوّرة إلى الغدر والخيانة، والإخلاف بمعاهداتهم مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والانقضاض عليهم وعلى أهليهم في داخل المدينة، ولم يمانع بنو قريظة من الغدر والإخلاف بالوعد، فصار النبيّ عليه السّلام في موقفٍ حرجٍ يحتاج فيه إلى التحرّك بسرعةٍ.[٢][٣]
إقرأ أيضا:أين وقعت معركة القادسيةكان حالُ المسلمين صعباً جدّاً يوم الأحزاب، فلقد تكالبت عليهم الأقوام، ثمّ غدر بهم من خلفهم من بني قُريظة، وطال الحال والمسلمون متأهّبون والأحزاب متأهّبون دون أن يبدو أنّ للمعركة بدايةً حتّى تنتهي، ولقد امتدّ هذا الحال شهراً كاملاً، وصف الله تعالى حال الناس حينها بقوله: (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)،[٤] وقد انقسم النّاس قسمين: المنافقون الّذي زعموا أنّ وعد الله ورسوله غرورٌ وحديثٌ لن يتحقّق، والمؤمنون الذّين ما زادهم هذا الحال إلا إيماناً وتصديقاً بأنّ نصر الله تعالى قريبٌ.[٣]
وبعد مرور شهرٍ على الحصار المضروب حول النبيّ وصحبه، دعا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عليهم، فاستجاب الله تعالى دعوته؛ فأرسل على الأحزاب ريحاً شديدةً، أسقطت خيامهم وقلبت قدورهم وأثارت الرّعب في نفوسهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)،[٥] ولم يستطع الأحزاب مع هذه الرّيح أن يصمدوا فتفرّقوا وولّوا إلى حيث أتوا، وكان لصحابيّ يُدعى نُعيم بن مسعود الأثر في تمزيق وتفريق الأحزاب كذلك؛ إذ إنّه دخل في الإسلام وكتم الخبر عن قومه، فصار ينشر بينهم أخباراً مضلّلةً؛ فساهم في تفريقهم وزعزعتهم وتغيير موقفهم، وقذف الرّعب في قلوبهم، حتّى أعزّ الله تعالى نبيّه ومن آمن معه دون خوض حربٍ بعد كلّ هذا الوقت والحصار
إقرأ أيضا:بحث عن غزوة أحد