الحج
يُعدّ الحجّ من أركان الدين الإسلاميّ ومن أعظم العبادات؛ حيث تتجلى في الحج ومناسكه العبوديّة لله تعالى وحده لا شريك له، كما أن الذهاب إلى الحج يُعدّ رحلةً إيمانيّةً تدريبية تقوّي علاقة الإنسان بربه، وتزيد قدرته على تحمل مشاق الدنيا، والسعي في الأعمال الصالحة، وترك الأعمال المحظورة، والتحلي بمكارم الأخلاق،[١] ويمكن تعريف الحجّ بأنه قصد موضعٍ مَخْصُوصٍ، وهو البيت الحرام وعرفة، في وقتٍ مخصوصٍ، وهو أشهر الحجِّ، للقيام بأعمالٍ مَخصُوصَةٍ وهي الوقوف بعرفة، والطواف، والسعي عند جمهورِ العلماء، بشرائط مخْصوصةٍ.[٢]
أركان الحج
تُعرّف الأركان لغةً بأنها جمع ركن؛ وهو الجانب الأقوى من شيءٍ ما، فلا يستطيع القيام إلّا بالاعتماد عليه؛ فأُطلق على أركان الحجّ هذا الاسم تشبيهاً بأركان المنزل التي يقوم عليها، وللحج أربعة أركان، وهي:[٣]
- الإحرام: هو نيةُ الحاج بدء مناسك الحجّ، ولا ينعقد الحج دون هذه النية، ويستدلّ على ذلك بحديث عُمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى).[٤]
- الوقوف بعرفة: هو الرُكن الثاني في الحجّ قال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ).[٥] فبعد الوقوف في عرفة تكون الإفاضة منها، كما أنّ الوقوف بعرفة هو الرّكن الذي يؤدي فواته إلى فوات الحجّ، ويُستدل على ذلك بحديثٍ عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (الحجُّ عرفةُ، فمن جاءَ قبلَ صلاةِ الفجرِ، ليلةَ جَمعٍ، فقد تمَّ حجُّهُ، أيَّامُ منًى ثلاثةٌ، فمن تعجَّلَ في يومينِ، فلا إثمَ علَيهِ، ومن تأخَّرَ، فلا إثمَ علَيهِ).[٦]
- طواف الإفاضة: هو الطواف الذي يكون بعد إفاضة الحُجاج من عرفة ومزدلفة، قال الله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).[٧] كما يُطلق عليه اسم طواف الزيارة؛ لأنّ الحُجاج يأتون من مِنى لزيارة البيت الحرام، ولا يظلّون في مكّة المُكرمة بل يعودون إلى مِنى، ويُقسم طواف الإفاضة إلى وقتين، وهما:
- وقت الفضيلة: هو يوم النحر بعد رمي الجمرات، والنحر، والحلق.
- وقت الجواز: يبدأ من بعد نصف ليلة النحر وفقاً لرأي المذهبين الحنبلي والشافعي ولا جزاء على الحاج الذي يُؤخره، أمّا المذهبان المالكي والحنفي فقد اتفقا على أن بداية وقت جواز طواف الإفاضة هو بداية فجر ثاني أيام النحر ولا يجوز أن يكون قبله، ويرى الحنفية لزوم الدم على الحاج في حال تأخيره للطّواف عن الأيام الثالثة للنحر، أمّا المالكيّة فيلزمون الدم على الحاج في حال تأخيره للطّواف حتى ينتهي الشهر.[٨]
- سعي الحجاج بين الصفا والمروة، ويستدل على ذلك بقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ).[٩]
واجبات الحج
يُعرّف الواجب لغةً بأنّه وجوب الشيء أي لزومه، أمّا اصطلاحاً فالواجب هو الذي يحصل فاعله على الثواب بينما يُعاقب تاركه، وتُقسم واجبات الحجّ إلى الآتي:[٣]
إقرأ أيضا:كيفية أداء العمرة خطوة بخطوة- أن يكون الإحرام من الميقات، ويُستدل على ذلك بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (فهُنَّ لَهُنَّ، ولِمَن أَتَى عليهن من غيرِ أهلِهِن، لِمَن كان يريدُ الحَجَّ والعمرةَ).[١٠]
- أن يكون وقوف الحجاج في عرفة حتى غروب الشمس لكلّ حاج وقف بها في النهار، ويستدل على ذلك بحديث جابر رضي الله عنه حول الحجّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث قال (فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمسُ وذهبت الصفرةُ قليلًا حتى غاب القرصُ).[١١]
- المبيت بمزدلفة؛ حيث إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بات فيها. قال الله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)،[١٢] كما ورد عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – أفاض في حجّةِ الوداعِ، وعلَيهِ السَّكينةُ، وأمرَهُم بالسَّكينةِ، وأمرَهُم أن يرموا، بمثلِ حَصى الخذَفِ، وأوضعَ في وادي مُحسِّرٍ، (وقالَ: لتَأخُذْ أمَّتي نسُكَها، فإنِّي لا أدري لعلِّي، لا ألقاهم بعدَ عامي هذا).[١٣]
- اختلف العُلماء والفُقهاء في أحكام المبيت في مُزدلفة؛ حيث يرى القول الأول أن المبيت يُعدّ من الواجبات الرئيسيّة في الحجّ، وهو قول الجمهور الذي اتفق عليه أغلب الفقهاء، وتحديداً الأئمة الشافعي في المشهور عنه، وأبو حنيفة، وأحمد، ومالك، كما أن المبيت في مُزدلفة من أحد مناسك الحجّ وهو القول الصائب عند الجمهور، أمّا القول الثاني فيذهب إلى أن المبيت رُكن لا يكون الحجّ إلّا بالاعتماد عليه، وقال به عدّة تابعين مثل الحسن البصري، والأسود، والشعبي، والنخعي، وعلقمة، وبعض الشافعية، أمّا القول الثالث فيرى أن المبيت سُنة؛ حيث أشار النووي إلى أنه من الأقوال المشهورة، ولكن القول الأول أكثر صحةً منه عند الجمهور.[٣]
- المبيت بمِنى: هو أن يبيت الحُجاج المتأخرون في منى ليالي أيام التشريق الثلاثة، أو أن يبيت المتعجّلون ليلتين، ويُستدل على ذلك بقول الله تعالى (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).[١٤]
- رمي الجمرات: حيث تُرمى الجمرات بالترتيب فتُرمى في يوم النحر جمرة العقبة قبل الزوال وبعده، وفي أيام التشريق تُرمى الجمرات بأيامها الثلاثة بعد زوال الشمس، قال رسول الله: (إنما جعل الطواف بًالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله).[١٥]
- التقصير أو الحلق: ويُستدل على هذا الواجب بقول الله تعالى (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ).[١٦]
- طواف الوداع: حيث طاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوداع عندما خرج من مكّة المكرمة، كما أمر صلّى الله عليه وسلّم النّاس بهذا الطواف، ويُستدل على هذا الواجب بالحديث الآتي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (لا ينفرِنَّ أحدٌ حتى يكون آخرَ عهدِه بالبيتِ).