لَهْو الحديث
يهتمّ الدين الإسلاميّ بجميع ما يصدر عن المسلم، فجميع أقوال المسلم وأفعاله معتبرة شرعاً، ويترتب عليها حكم شرعي بالأجر أو بالإثم، وتصديقاً لذلك قال الله تعالى في سورة الكهف: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، فكلّ ما يصدر عن المسلم يجب أن يكون موجّهاً في طاعة الله -تعالى- والبعد عن سخطه وعمّا نهى عنه، فكلُّ فعلٍ أو قولٍ للإنسان محاسب عليه، وقد ورد النهي والتنبيه في كتاب الله وسنّة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- عن اللهْو في الفعل وفي الحديث، فهو لا ينفع المسلم في حياته، كما أنّه يعود عليه بالضّرر في الدنيا وفي الآخرة، وممّا جاء النهي عنه والإشارة إلى اجتنابه لَهْو الحديث، وقد جاء ذكر لَهْو الحديث في العديد من النّصوص الصحيحة والصريحة، فما معنى لَهْو الحديث، وما هو رأي العلماء فيه، وما هي النّصوص الشرعيّة التي ذكرته؟
معنى لَهْو الحديث
تعدّ لفظة لَهْو الحديث من الألفاظ المنتشرة والتي تَرِد على الكثير من الأمور من حيث معناها اللغويّ والاصطلاحيّ، وخاصّة ما يتعلّق بالجانب الشرعيّ، ولذلك فقد اختلف العلماء في معناه، وذهبوا في ذلك إلى عدّة معانٍ ودلالات، وفيما يأتي بيان معنى لَهْو الحديث في اللغة وفي الاصطلاح وأقوال العلماء في ذلك:
إقرأ أيضا:ما الفرق بين العفو والمغفرة- اللهو في اللغة: هو اسم، وهو مصدر للفعل لَهَا يلهو لَهْواً، ويُعرّف اللَّهو بأنّه: ما لُعِب به وشغل صاحبه؛ من هوى وطرب وغناء ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى: (وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ)؛ أي أنّ الحياة الدنيا في سرعة انقضائها ليست إلّا كالشّيء الذي يلهو ويلعب به الصّبيان، ودُور اللَّهْو هي: المسارح والملاهي والأندية، وأماكن التّسلية، وقد يأتي اللّهْو بمعنى: السخرية والاستهزاء؛ كما جاء في القرآن الكريم: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا).
- معنى لَهْو الحديث: هو كلّ كلام يُلهي قلب صاحبه، ويأكل وقته، ولا يُثمر خيراً، قال الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ)؛ أي: الباطل من الحديث والذي لا قيمة له، أو كان كذباً مفترى.
أقوال المفسّرين في المقصود بلَهْو الحديث
ذكر بعض المفسّرين عدّة معانٍ للَهْو الحديث الوارد في قول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ )، وممّا ذهب إليه العلماء في معنى لَهْو الحديث ما يأتي:
- إنّ لَهْو الحديث هو الجِدال؛ فيرى بعض العلماء أنّ لَهْو الحديث يُقصد به الجِدال في الدّين، والخوض في الأمور الخلافيّة والترهات، وجزئيات الأمور التي لا فائدة مرجوّة منها.
- إنّ لَهْو الحديث هو ما يُشغل عن ذكر الله تعالى؛ فإنّ بعض العلماء يرون أنّ لَهْو الحديث هو كلّ ما ينشغل به العبد عن ذكر الله سبحانه وتعالى، وعن تسبيحه وتحميده وطاعته.
- إنّ لَهْو الحديث هو اللّغْو الظّاهر الموجب لصهر الباطن؛ أي هو الخوض في الباطل، وفي كلّ ما يُلهي عن الأمور المهمّة؛ مثل: الانشغال بالأحاديث الموضوعة، وبالأساطير.
- إنّ لَهْو الحديث هو كلّ كلام سوى كلام الله تعالى؛ فيرى بعض العلماء أنّ كلّ كلام سوى كلام الله سبحانه وتعالى، أو كلام نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، أو سِيَر الصالحين هو من لَهْو الحديث.
- إنّ لَهْو الحديث هو كلّ ما يُلهي عن الله تعالى؛ فيرى بعض العلماء أنّ لَهْو الحديث هو كلّ ما يُشغل العبد ويصدّه عن الله تعالى، سواءً أكان غناء أم غيره.
- إنّ لَهْو الحديث هو الكلام الباطل؛ فيرى بعض العلماء أنّ الكلام الباطل الذي ليس له مصداقيّة ولا يُسهم في تقوية الأمّة الإسلاميّة هو من لهو الحديث الوارد في الآية.
- إنّ لَهْو الحديث هو الغِناء؛ فقد قال بعض أهل العلم إنّ لَهْو الحديث هو الغناء، وهو ما ذهب إليه الصحابيّ الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ فقد روي عنه: (أنّه سُئلَ عن هذه الآيةِ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ)، فقال: هو الغناءُ، والذي لا إله إلّا هوَ يُردِّدُها ثلاثَ مراتٍ)،[٧] وقال به أيضاً الإمام الفقيه إبراهيم النخعيّ، والحسن البصريّ وغيرهم من الفقهاء، وممّن قال به من علماء التفسير مجاهد، حيث قال: (لهو الحديث هو الطبل وأدوات اللّهْو، وهذا من لوازم الغناء).
سبب نزول الآية التي ذُكر فيها لَهْو الحديث
ذهب العلماء في سبب نزول قول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ )، إلى قولين وبيانهما على النحو الآتي:
إقرأ أيضا:ما هي أسباب ضيق الرزق- القول الأوّل: إنّ هذه الآية الكريمة نزلت في رجل من قريش يُقال له: النّضر بن الحارث، وقد كان هذا الرجل يخرج في التجارة إلى بلاد فارس، فيسمع أخبار الأعاجم ويشتري كتبهم، ثمّ يعود إلى قريش ويحدّثهم بها ويرويها لهم، ويقول: (إنّ محمداً -صلّى الله عليه وسلّم- يحدّثكم حديث عاد وثمود، وأنا أحدّثكم حديث رستم وإسفنديار، وأخبار الأكاسرة)، فكانوا يستمعون لحديثه ويتركون سماع القرآن الكريم.
- القول الثاني: إنّها نزلت في رجل من قريش، وكان هذا الرّجل قد اشترى جارية لتغنّي له، فكان الناس يشتغلون بلَهْوها عن سماع القرآن الكريم