حكم ومواعظ دينية

ما هو جزاء الصبر

الصبر

يُمكن تعريف الصبر لغةً بالحبس والكفّ، وأمّا اصطلاحاً فهو إجبار النفس على فعل شيءٍ أو تركه؛ ابتغاء مرضاة الله تعالى، كما قال الله تعالى: (وَالَّذينَ صَبَرُوا ابتِغاءَ وَجهِ رَبِّهِم)،[١] وممّا يدلّ على أهميّة الصبر ذكره في القرآن الكريم في أكثر من مئة موضعٍ، حيث إنّ الصبر يعتبر الركيزة والأساس الذي تُبنى عليه أغلب الفضائل والأخلاق، فالزهد صبرٌ عن ترف العيش، والعفّة صبرٌ عن الشهوة، والحُلم صبرٌ عن الغضب، والشجاعة صبرٌ عن إجابة داعي الفرار والهرب، والعفو صبرٌ عن الانتقام، والقناعة صبرٌ على ما يكفي من الدنيا، بالإضافة إلى أنّه شطر الإيمان، فالإيمان صبرٌ وشكرٌ، وفي الحقيقة إنّ الصبر يعدّ سبباً لدخول الجنّة والنّجاة من النّار، حيث إنّ الجنة حفّت بالمكاره، بينما حُفت النار بالشهوات، فالنجاة من النار تكون بالصبر عن الشهوات، ودخول الجنة بالصبر على المكاره، كما قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)،[٢] ويُمكن القول إنّ الصبر ثلاثة أنواع؛ وهي: صبرٌ عن المعصية، وصبرٌ على الطاعة، وصبرٌ على أقدار الله تعالى.[٣]

جزاء الصبر

الصبر خُلقٌ عظيمٌ جعله الله
 -تعالى- مُلازماً للنصر، فالنصر مع الصبر، واليسر مع العسر، والفرج مع 
الكرب، وقد أعدّ الله -تعالى- للصابرين خير الجزاء، وفيما يأتي بعض ما 
يترتّب على الصبر من جزاء:[٤]
  • إنّ كيد العدو لا يضرّ المسلم إذا كان من الصابرين المتقين، كما قال الله تعالى: (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).[٥]
  • إنّ الله -تعالى- بشّر الصابرين بما هو خيرٌ من الدنيا وما فيها، حيث قال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).[٦]
  • إنّ الله -تعالى- جعل الإمامة في الدين جزاءً للصبر، حيث قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).[٧]
  • إنّ الله -تعالى- وعد الصابرين بأن يوفيهم أجرهم بغير حسابٍ.
  • إنّ الله -تعالى- وعد المؤمنين بالفلاح إن صبروا واتقوا، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).[٨]
  • إنّ الله -تعالى- يحبّ الصابرين، ودليل ذلك قوله: ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).[٩]
  • وعد الله -تعالى- الصابرين بالفوز في الجنّة والنّجاة من النّار، حسث قال: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ).[١٠]

عوامل الصبر والثبات عند الصحابة

على الرغم من الاضطهاد، والتعذيب، والإيذاء الذي وقع على الصحابة -رضي الله عنهم- في مكّة المكرّمة، إلّا أنّهم ثبتوا في وجه الكفر، وصبروا على ما أصابهم، وذلك بعدّة أسبابٍ وعواملٍ ساعدتهم على الصبر والثبات، منها: [١١]

إقرأ أيضا:حكم و مواعظ دينية
  • قيادة تهوي إليها القلوب: حيث كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالنسبة لأصحابه -رضي الله عنهم- بمثابة الروح، والقلب، فكانوا يحبّونه حبّاً صادقاً، وتنجذب إليه أنفسهم كانجذاب الحديد إلى المغناطيس، حيث كان الرسول القائد، القدوة، الذي جمع بين جمال الخُلق، ومكارم الأخلاق، وكمال النفس، وقد حاز من الكمال ما لم يصل إليه بشر، وكانوا أعداءه لا يشكّون في صدقه، وأمانته، وعفّته، فكان لا ينطق بكلمةٍ إلّا ويستيقنوا من صحّتها.
  • الإيمان بالله تعالى: حيث إنّهم وصلوا لمرحلةٍ من الإيمان واليقين هوّنت عليهم كل صعبٍ، حتى أصبح إيمانهم كالسيل الجارف الذي لا تقف أمامه السدود المنيعة ولا القلاع الحصينة، وأصبحوا لا يبالون بما يجدونه من العذاب والألم، مقابل ما يجدونه من حلاوة الإيمان.
  • القرآن الكريم: كان لآيات القرآن الكريم الأثر العظيم في نفوس الصحابة رضي الله عنهم، حيث كانت تصحبهم في رحلة أخرى يشعرون فيها بكمال الألوهيّة، وجمال الربوبيّة، وآثار رحمة الله تعالى، حيث قال الله تعالى: (يُبَشِّرُهُم رَبُّهُم بِرَحمَةٍ مِنهُ وَرِضوانٍ وَجَنّاتٍ لَهُم فيها نَعيمٌ مُقيمٌ )،[١٢] بالإضافة إلى أنّها كانت تردّ على إرادات الكفّار والمعاندين ردّاً قوياً.

صبر أيوب عليه السلام

ذكر الله -تعالى- قصة أيوب -عليه السلام- في القرآن الكريم، حيث قال:(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ*ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ*وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ*وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )،[١٣] حيث كان أيوب -عليه السلام- من أغنياء القوم، ورزقه الله -تعالى- الكثير من الأولاد، وبينما هو على هذه الحال، ابتلاه الله تعالى؛ فذهب كلّ ماله، ومات كلّ أولاده، ثمّ عظمت البلوى فأصابه مرضٌ في جسده، حتى لم يبقَ منه إلّا قلبه سليماً، وبعدما أصابه الابتلاء لم يبقَ له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه، فتخلّى عنه القريب والبعيد، وتنكّروا له، ولكنّ زوجته المؤمنة بالله لم تنسَ وُدّه، فكانت هي الوحيدة التي تواسيه، حتى إنّها كانت تخدم الناس؛ لتُطعمه وتخدمه، وكانت لا تفارقه إلّا للعمل، ثمّ تعود وتقضي يومها كلّه بخدمته، واستمرت تلك الحال على أيوب -عليه السلام- ثماني عشرة سنة، ولمّا اشتدّ به الحال، وطال عليه الأمد، دعا الله، وتضرّع إليه، كما قال الله -تعالى- على لسان أيوب: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )،[١٤] فاستجاب الله -تعالى- دعاءه، ثمّ أمره أن يضرب الأرض برجله، فلمّا فعل خرجت منها عين ماءٍ، فأمره أن يغتسل منها، فلمّا اغتسل ذهب ما كان بجسده من المرض، ثمّ أمره أن يضرب برجله مرةً أخرى، فخرجت من الأرض عينٌ ثانيةٌ، فأمره الله -تعالى- أن يشرب منها، فلمّا شرب منها أذهب الله -تعالى- ما كان في بطنه من أذى، وأكمل الله له عافيته، ثمّ أحيا الله -تعالى- من مات من أهله، وعافى المرضى، وردّ إليه من تشتّت منهم.[١٥

إقرأ أيضا:ما الحكمة من نزول القرآن منجماً
السابق
كيف نخاف الله
التالي
اتقي الله في نفسك