مصطلحات إسلاميه

ما هو الورع

ما هو الورع

أعمال القلوب

يُعدّ القلب بمثابة القائد، والمُوجّه للإنسان، فلا يفعل الإنسان جميلاً ولا يترك قبيحاً إلّا ويكون للقلب التأثير الأكبر في ذلك، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الحَلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحَرامَ بيِّنٌ وبينَهمَا مشْتَبَهَاتٌ لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من الناسِ، فمنْ اتَّقَى الشبهَاتِ استَبرَأَ لدينِهِ وعِرضِهِ، ومن وقعَ في الشبهَاتِ وقعَ في الحرامِ؛ كالراعِي يرعَى حولَ الحِمَى يوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فيهِ، ألا وإنَّ لكلِ ملِكٍ حِمىً، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ محَارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ، فسدَ الجَسدُ كُلُّهُ، ألا وهِيَ القَلبُ)، وقد شبّه بعض العلماء القلب بالملك الذي يأمر أتباعه، والأعضاء والجوارح هي الأتباع المُخلصة التي تُنفّذ ما يأمر به هذا الملك، فإذا كان الملك فاسداً كان أتباعه فاسدين مثله، وأمّا إذا كان الملك صالحاً أصبح الجنود صالحين بصلاحه، ومن الجدير بالذكر أنّ الأعمال تتفاوت بمقدار ما في القلب من محبةٍ، وإيمانٍ، وتعظيمٍ، وإجلالٍ، وإخلاصٍ لله تعالى، ولذلك قد تكون الأعمال متشابهة ظاهرياً، ولكنّها تتفاضل تفاضلاً عظيماً، وقد اعتنى السلف -رضي الله عنهم- بأعمال القلوب، وجاهدوا أنفسهم لتطهيرها من الإرادت الفاسدة والأهواء، وأمّا المنافقون فقد اعتنوا بالأعمال الظاهرة وما تبعها من عاجل البشرى، ونسوا أعمال القلب من إخلاص القصد لله تعالى، والرغبة بما عنده من الجزاء فكانت عاقبتهم الخسران في الآخرة.

إقرأ أيضا:ما هي ذنوب الخلوات

الورع

الورع هو المصدر الصريح للفعل وَرَعَ، ويُقال: ورع وروعاً، بمعنى أنّه ابتعد عن الشُبهات، وكفّ نفسه عن المعاصي من باب تحرّي التقوى، ويُقال كذلك أنّ الورع هو الكفّ عمّا هو مباح وحلال، ويُقال للرجل الذي يتصف بالورع أنّه وَرِع، بمعنى أنّه عاش تقيّاً، مُتعبّداً، ثابتاً على ذلك، وأمّا الورع في الاصطلاح الشرعيّ فهو تجنّب كلّ ما يُعدّ من الشبهات؛ خشية الوقوع في الحرام، وعرّفه القرافي بقوله: (ترك ما لا بأس به؛ حذراً ممّا به البأس)،[٣][٤] وبيّن ابن عثيمين -رحمه الله- أنّ الورع هو ترك ما يُشتبه في حكمه أو حقيقته، ويُقصد بالاشتباه في الحكم: الاشتباه في أنّه حلالٌ أم حرامٌ، والورع أن يأتي الإنسان بالشيء الذي يُشتبه في وجوبه؛ حتى لا يقع في إثم تركه، ويعني كذلك الامتناع عن الشيء الذي يُشتبه في حرمته؛ خشية أن يقع في الإثم، أمّا الاشتباه في الحال فيُقصد به الاشتباه في حال الشيء، وحتى يتضّح ذلك يُمكن ضرب مثال اختلاف بعض العلماء حول حكم تناول الدجاج المستورد، فاختلافهم سببه اشتباههم في حال الدجاج، فقد بيّن البعض أنّ الدجاج لا يُذبح ،وإنّما يُضرب بصعقة ٍكهربائيةٍ، أو غير ذلك من الطرق غير الشرعيّة، بينما قال آخرون بجواز أكله؛ لأنّه من طعام أهل الكتاب، وقد أحلّ الله -تعالى- أكل طعامهم، وفي مثل هذه الحالات يُعدّ ترك هذا الدجاج والامتناع عن تناوله من الورع، ومن الجدير بالذكر أنّ الورع يشمل مجالات الحياة كلّها، من بيعٍ وشراءٍ، وغير ذلك، ويشمل كذلك حواسّ الإنسان كلّها، من سمعٍ، ونظرٍ، ولسانٍ، وفرجٍ، وبطنٍ.

إقرأ أيضا:ما هي ايام البيض

قصص من ورع الصحابة والتابعين

ضرب السلف الصالح من الصحابة والتابعين أروع الأمثلة بالكفّ عن الحرام، وفيما يأتي بعض الأمثلة على ورعهم:

  • لمّا حضرت الوفاة عمر بن عبد العزيز بعث في طلب أبنائه، وكانوا أحد عشر رجلاً، وكان يملك ما يقارب بضع عشر ديناراً، فأمرهم أن يشتروا له كفناً وموضعاً للقبر بخمسة دنانير، ثمّ وزع باقي المال على الوارثين، فكان نصيب كلّ واحدٍ منهم ديناراً إلّا ربع الدينار، وأخبرهم بأنّه لم يترك لهم مالاً، ولكنّه من جهةٍ أخرى لم يترك لأحدٍ حقّ عليه، بل إنّ كلّ من يراهم سيتذكّر أنّ لهم حقّ عليه، وكان مسلمة بن عبد الملك حاضراً، فعرض على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أن يأخذ منه ثلاثمئة دينار ويوزّعها على أبنائه، أو يتصدّق بها، أو يُوصي بها لمن شاء، ولكنّه رفض ذلك، وقال: (إنّ ولدي أحد رجلين: فإمّا صالح فالله يتولَّى الصالحين، وإمّا فاسق فلا أحبّ أن أترك له ما يستعين به على معصية الله)، فقال مسلمة بن عبد الملك: (رحمك الله يا أمير المؤمنين حيّاً وميتاً، فقد ألنت لنا قلوباً قاسيةً، وذكّرتها وكانت ناسية)، ثمّ روى مسلمة فيما بعد أنّه كان يرى أبناء عمر بن عبد العزيز وقد بلغوا من الغنى ما بلغوا، حتى إنّ أحدهم كان يُنفق مئة فرسٍ من ماله، ويجهّز مئة فارسٍ في سبيل الله، وفي المقابل لمّا حضرت هشام بن عبد الملك الوفاة، ترك لكلّ واحدٍ من أولاده الأحد عشر ألف ألف دينار، فروى مسلمة أنّه ما شُوهد أحدٌ منهم إلّا وهو فقير.
  • روى عبد الرحمن بن غنم الأشعريّ أنّه كان يوماً عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان غلامه يأتيه عادةً يحلب له ناقته، وبينما هم جلوس جاءه الغلام بلبنٍ، ولكنّ عمر -رضي الله عنه- استغرب طعمه، فسأل الخادم عن مصدره، فقال الغلام بإنّ صغار الناقة شربت ما في الناقة من لبنٍ، فحلبتُ لك ناقةً من مال الله، فقال له عمر رضي الله عنه: (ويحك؛ سقيتني ناراً، اذهب إلى علي بن أبي طالب فادعوه لي)، فلمّا جاء علي -رضي الله عنه- أخبره عمر -رضي الله عنه- أنّ الغلام حلب ناقةً من مال الله، وسقاه لبنها، ثمّ سأله إن كان ذلك حلالٌ له أم حرامٌ عليه، فأجابه بأنّ حليبها ولحمها حلالٌ له، وبأنّه أوشك أن يجيء من لا يرى لهم في هذا المال حقّاً
السابق
ما هي ذنوب الخلوات
التالي
ما الفرق بين الرسول والنبي