يتكوّن الحديث النبويّ الشريف من سندٍ ومتنٍ؛ فالسند هو سلسلة الرواة الذين رووا الحديث، ونقلوه وصولًا إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وأمّا المتن؛ فهو نصّ الحديث وألفاظه، [١]وقد اهتمّ علماء الحديث بكلٍّ من السند والمتن، وبيّنوا ما يتّصل بهما من تعريفٌ وأقسامٍ وغير ذلك؛ وصولًا إلى الغاية الكبرى، وهي: حفظ سنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وصيانتها من أي تحريفٍ أو تزيفٍ، وفيما يأتي مريد بيانٍ وتفصيلٍ عن سند الحديث.
سند الحديث: تعريفه، أقسامه، وأهميته
تعريف السند
يأتي السند في اللغة بمعنى ما يُعتمد عليه ويُركن إليه، السند ما علا وارتفع من الجبل، وفي اصطلاح علماء الحديث؛ فالسند هو مجموعة الرواة الذين رووا الحديث واحدًا عن الآخر، حتى يصل الحديث إلى منتهاه؛ فما يسبق نصّ الحديث من سلسلة الرواة الذين نقلوا الحديث، وأسمائهم الواردة واحدًا عن الآخر، هو سند الحديث.
أقسام الحديث باعتبار سنده
يقسّم المحدّثون الحديث استنادًا لسنده إلى أقسامٍ، ولهم في تقسيمهم اعتباراتٍ مختلفةٍ، وفيما يأتي بيان هذه الأقسام.
أقسام الحديث من حيث عدد الرواة في سنده
يُقسّم العلماء الحديث من حيث عدد الرواة في سنده إلى قسمين، ولكّل قسمٍ أنواعٌ، وفيما يأتي بيانها:
- الحديث المتواتر: وهو الحديث الذي يرويه جمعٌ كثيرٌ عن جمعٍ كثيرٍ في كلّ طبقةٍ من طبقات السند؛ بحيث يستحيل اتفاق هذا الجمع على الكذب، وهو على نوعين:
- المتواتر اللفظي: وهو الحديث الذي رواه بنفس اللفظ جمعٌ كثيرٌ عن جمعٍ كثيرٍ في كلّ طبقةٍ من طبقات السند، يستحيل التّفاقهم على الكذب، ومثاله حديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)؛ فقد روى هذا الحديث بهذا اللفظ في كلّ طبقةٍ من طبقات السند عددٌ كثيرٌ من الرواة عن مثلهم، ففي طبقة الصحابة رواه أكثر من سبعين صحابيًا بذات اللفظ، ورواه عددٌ كثيرٌ من بعدهم بذات اللفظ كذلك.
- المتواتر المعنوي: وهو الحديث الذي روي بمعناه جمعٌ كثيرٌ عن جمعٍ كثيرٍ من الرواة، يمتنع اتّفاقهم عن الكذب، ومن ذلك: أحاديث رفع اليدين في الدعاء؛ فقد رويت أحاديث كثيرةٌ متواترة عن النبيّ في رفعه ليديه عند الدعاء، اختلفت ألفاظها إلّا أنّها بمجموع طرقها تدلّ وتُوصل إلى معنى واحدٍ، وهو رفع النبي ليديه في الدعاء.
- الحديث الآحاد: وهو الحديث الذي يرويه عددٌ قليلٌ من الرواة لم يبلغوا حدّ التواتر، وهو على أنواع ثلاثة، هي:
- المشهور: وهو الحديث الذي رواه ثلاثةٌ فأكثر من الرواة لم يبلغ عددهم حدّ التواتر، في كلّ طبقةٍ من طبقات السند.
- العزيز: والحديث الذي رواه اثنان من الرواة في كلّ طبقةٍ من طبقات الإسناد، فلا يقلّ عدد الرواة فيه في كلّ طبقةٍ من طبقات الإسناد عن اثنين.
- الغريب: ويطلق عليه الفرد؛ وهو الحديث الذي رواه راوٍ واحدٌ في طبقةٍ من طبقات الإسناد أو أكثر، ومثاله الحديث الذي تفرّد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بروايته ولم يروه في طبقة الصحابة أحدٌ غيره عن النبي: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى).
أقسام الحديث باعتبار ما انتهى إليه سنده
يقسّم المحدّثون باعتبار ما انتهى إليه السند، أو إلى من أضيف إليه السند إلى ثلاثة أقسامٍ، وهي:
إقرأ أيضا:كم عدد أحاديث حفصة؟- الحديث المرفوع: وهو ما أضيف إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من قولٍ أو فعلٍ أو صفةٍ أو تقريرٍ.
- الحديث الموقوف: وهو ما أضيف إلى الصحابي من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، وانتهى سنده عنده، وأُضيف إليه دون رفعٍ للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فيكون قائله الصحابي وموقوفًا عليه.
- الحديث المقطوع: وهو ما أُضيف إلى التابعيّ من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، وانتهى سنده عنده ولم يرفعه إلى الصحابي.
علو الإسناد
يتناول المحدّثون عند دراستهم للأسانيد مسألة علو الإسناد ونزوله، فعل الإسناد هو قلّة الوسائط أو الرواة بين الراوي والنبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فيسمّى إسنادًا عاليًا؛ لقرب الراوي في سلسة الرواية من النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ وقد كان الرواة يحرصون على علو السند؛ لذا كانوا يرتحلون ويسافرون لسماع الحديث من الرواة الأقرب عهدًا بزمن الصحابة؛ ليقلّلوا عدد الرواة بينهم وبين النبيّ -عليه الصلاة السلام-، ويقابل السند أو الإسناد العالي؛ السند النازل، وهو السند الذي تكثر فيه الوسائط أو عدد الرواة وصولًا إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.
أهمّية السند
إنّ للسند والإسناد أهمّيةً بالغةً في الشريعة الإسلاميَّة؛ فالإسناد خاصيَّةٌ تميّزت بها الأمّة الإسلاميّة عن سائر الأمم؛ إذ لم يسبق للأمم الماضية الأخرى أن نُقل كلام أنبيائها مسلسلًا، أو رواه جماعةٌ عن أُخرى حتى وصل إلينا اليوم، وللإسناد دورٌ كبيرٌ في حفظ السنة النبويّة وهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، وبمعرفة سلسلة الرواة في السند سبيلٌ للحكم على صحّة الحديث ودرجته؛ لأنّ في معرفةِ السند معرفةٌ للرواة وإمكانية الحكم عليهم من حيث عدالتهم ودقّة وضبط حفظهم للحديث.
إقرأ أيضا:عدد أحاديث النعمان بن بشير