الحجاب في الإسلام
يُعتبَر الحجاب بمثابة الحفظ والستر للمرأة، وهو دليلٌ على طهارة القلب، وصدق الإيمان؛ حيثُ إنّه يدفع أسباب الفتنة والريبة عن المرأة الصالحة، ويحفظها من أعين النّاس، ويُبعِد عنها كل ما يمكن أن يدور حولها من الشُّبهات، ويحفظها من الوقوع في المحرمات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[١] والحجاب أهم جزءٍ في العفّة والحياء؛ حيثُ إنّ هاتين الخصلتين تُعتبران من شُعب الإيمان وآثاره الظاهرة، فإن كان الإيمان في القلب كما يُقال، فيجب أن تظهر آثاره على المؤمن وتتمثل في مظهر العبد من خلال التزامه بما أمره الله به من أفعال وأقوال وهيئات، والحجاب من الهيئات التي يظهر فيها الإيمان ومدى التطبيق العملي له على الواقع الملموس، فليس الإيمان بالتمني ولكنه ما وقر في القلب وصدَّقه التطبيق العملي.
الحجاب الشرعي
معنى الحجاب
يأتي الحجاب في اللُّغة بمعنى: السّتر؛ فيُقال حجب الشيء يحجبه حجباً وحجاباً، وحجبه: أيّ ستره، وامرأة محجوبة: أيّ أنّها قد سُترت بساتر حجَبَها عن الناس.[٢] أما في الاصطلاح: فمعنى الحجاب في الاصطلاح ليس بعيداً عن معناه اللغوي، بل هو مرتبطٌ به ارتباطاً وثيقاً، وقيل في معناه: أنه ما تلبسه المرأة من الثياب لستر عورتها عن الأجانب من غير المحارم، ويشمل الحجاب جميع البدن من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين.[٣]
إقرأ أيضا:ما معنى لا تشد الرحالصفات الحجاب الشرعي
يجب أن تتوافر في الحجاب مجموعة من الصفات حتى يكون طبقاً لما أمر به الله ورسول، فإن خالفت المرأة في حجابها إحدى تلك الصفات لم تكن متستّرةً بالحجاب الذي ينبغي عليها الالتزام به كمسلمة تَهتمّ بتطبيق شعائر دينها الحنيف، وإقامة جميع ما فرضه الله عليها، ومن هذه الصفات ما يلي:[٤]
- أن يكون الحجاب ساتراً لجميع البدن من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين باستثناء الوجه والكفين، وقد اختلف العلماء في تغطية الوجه والكفّين، فذهب فريقٌ إلى وجوب تغطيتهما كباقي البدن لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[١] والإدناء الوارد في الآية يشمل تغطية جميع البدن بما في ذلك الوجه والكفين، بينما يرى الفريق الآخر أنّ الوجه والكفّين لا يدخلان في الحجاب الشرعي فلا يجب تغطيتهما؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لأسماء بنت أبي بكر لمّا دخلت عليه بثيابٍ رقيقة: (يا أسماءُ إن المرأةَ إذا بلغتِ المَحِيضَ لم يَصْلُحْ أن يُرَى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهِه وكَفَّيْهِ)،[٥] فقد استثنى المصطفى عليه الصلاة والسلام الوجه والكفين من التغطية، فلم يدخلهما في النطاق الذي يجب على النساء تغطيته من البدن؛ ممّا يدل على جواز كشف هذين الموضعين.
- أن يكون الحجاب فضفاض: فلا يجوز أن يكون [[كيف يكون لباس المراة المسلمة|اللباس] ضيّقاً يصف تقاسيم الجسم ويكشفها، ويشمل ذلك الجسم كله فليس الحجاب محصوراً على تغطية وستر الرأس فحسب؛ بل هو ستر جميع البدن والرأس وتغطيتهما بما يلائم أحكام الشريعة.
- ألّا يكون رقيقاً؛ فلا يكشف ما تحته من الجسد أو الثياب؛ ممّا يثير الفتنة لدى الطرف الآخر، وقد نبَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسماء بنت أبي بكر عندما دخلت عليه وهي تلبس ثياباً رقيقة؛ حيثُ قال لها: (يا أسماءُ إن المرأةَ إذا بلغتِ المَحِيضَ لم يَصْلُحْ أن يُرَى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهِه وكَفَّيْهِ)،[٥] فلم يعتبر رسول الله -صلى الله عليه- وسلم ما كانت تلبسه أسماء حجاباً؛ لأنه كان يُظهر ما تلبسه تحته؛ ممّا يُثير الفتنة وينزع الدور الرئيس للحجاب وهو السّتر والتغطية.
- ألّا يكون في الحجاب صفاتٌ من لباس الرجال؛ حيثُ إن التشبّه بالرجال منهيٌ عنه، لما في ذلك من تغيير لخلق الله، ولبس ما لا يوافق الحجاب الشرعي، وقد جاء في ذلك: ( لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ؛ المتشبِّهاتِ بالرِّجالِ منَ النِّساءِ والمتشبِّهينَ بالنِّساءِ منَ الرِّجالِ)؛[٦] فلا يجوز للنساء التشبه بالرجال من ناحية اللبس أو غير ذلك، كما لا يجوز للرجال التشبّه بالنساء.
- ألّا يكون لباس شُهرة؛ ممّا يكون فيه إسرافٌ أو خُيلاء، أو يكون من لباس أهل الكفر المشهور عنهم، أو أهل الفُسق والمُجون.
- ألّا يكون في الحجاب رائحة عطرٍ واضحة يجدُها الرجال ويشتمّون رائحتها.
فائدة الحجاب
إنّ الأحكام الشرعية لا تُعلَّل، فلا يمكن أن نقول مثلاً أنّ الحجاب فُرِض لأجل كذا أو لأجل كذا؛ لأنه ينبغي على المسلم متى جاءه الأمر الربانيّ أن يمتثل ويُطيع دون تردُّد أو تحليل لسبب ذلك الأمر والعلّة من وراءه، ومع ذلك فإنّ لكل حُكمٍ شرعيّ جاء به النبي بطريق الوحي مجموعة من الفوائد التي تعود على من يأخذ بذلك الحُكم بحرفيته فلا يغير فيه ولا يُعطّل، وقد حقّق العلماء للامتثال بأمر الله بالأخذ بالحجاب ولبسه بحقه مجموعةً من الفوائد منها:[٧]
إقرأ أيضا:ما هي أيام ليلة القدر- الحجاب طاعة لله ورسوله؛ فقد أمر الله سبحانه وتعالى وحثّ رسوله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- المسلمين والمسلمات بالحجاب؛ فيكونُ لِبسه باباً لطاعتهما ونيل رضاهما؛ بل لا يجوز الإعراض عن أمرهما بعدم الامتثال له ثم زعم حبهما، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا).[٨]
- الحجاب إيمان: فقد قرن الله سبحانه وتعالى ذكر الحجاب في كتابه العزيز بصفة الإيمان في أغلب المواضع التي ورد فيها الإشارة إلى وجوب لبس الحجاب، ومثال ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)،[٩] وفي موضعٍ آخر قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ).[١٠]
- الحجاب طهارة لقلب المرأة والرجل: فإنّ الالتزام بالحجاب يؤدّي إلى البعد عن كل الرذائل والمفسدات؛ مما يؤدي بالمرأة إلى الطهارة والعفّة، ويجعل الرجل يبتعد عن الفواحش إذ إنّه لم يرَ ما يُشغل فكره ويلفت نظره ويؤدي به للفتنة، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).[١١]
- الحجاب دليل على العفَّة: فالحجاب علامة شرعيّة تُشير إلى الحرائر العفيفات، وتُميِّزُهُنَّ عن غيرهن ممّن سلكن طُرُقاً غير طريق الحق، ومن يرَ المرأة ترتدي حجابها بأصوله وصفاته الشرعية، وتلتزم بأحكام الإسلام في نطقها وحركتها؛ فإنه لن يجرؤ على المساس بها أو النيل من عفَّتها، قال تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)،[٩]
- الحجاب حياء، والحياء الحياة: فلا حياة بدون الحجاب للمرأة؛ حيثُ إنّ حياة المرأة في حيائها وحياءُها في حجابها، والحياءُ خُلُقٌ يودعه الله في النفوس فيُجمِّلُها ويُزيّنُها، والحياء لا يدعو إلا للفضيلة والعفة، ويُنكر الرذائل وينبُذُها.
- الحجاب يناسب الغيرة؛ حيثُ إنّ الرجل مجبولٌ على الغيرة‘ فإنّ الحجاب يُناسب تلك الخصلة في الرجال، لأنّه يدعو النساء لستر أنفسهن إلا عن أزواجهن أو محارمهن.
- الحجاب دليلٌ على التقوى وقوّة الإيمان؛ فقد قال الله سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )،[١٢] فمن تكُنِ التقوى دَيْدَنُها وطبيعتها؛ فإنها لا بد ستلجأ للحجاب لستر نفسها عن أعين الناس مخافة الوقوع في معصية الله سبحانه وتعالى، وهي كذلك تسعى لرضوان الله ببلوغ قمة التقوى من حيث الالتزام بجميع أوامره كما جاءت؛ دون أن تُعلل أحكامها، أو تعطي لنفسها الأعذار الزائفة، أو تسوِّف لنفسها في تأخير لبس الحجاب