منزلة الصلاة في الإسلام
إنّ أهم ما يميّز فريضة الصلاة أنها كُتبت على المسلمين ليلة أُسري بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى السّماء في رحلة المعراج، فهي أهمّ الفرائض وأوجب العبادات، وشاء الله أن تكون الصلوات المكتوبات خمس صلوات في اليوم والليلة، والصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد شهادة التوحيد، وهي فارقٌ ما بين الإسلام والكفر، وفي إقامتها على الوجه المشروع صلاحٌ لأعمال العبد، وفسادها فسادٌ لأعماله، ويحثّ الإسلام على إقامتها في أوقاتها، والاجتماع لها حيث يُنادى لها في المساجد، حيث وعد الله تعالى المحافظين على أدائها بالجنّة؛ فقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ)،[١] وتوعّد الذين يُفرّطون فيها ويتقاعسون عن إقامتها بالخسران يوم لقاء الله في الآخرة؛ حيث قال تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا)،[٢] ومن الصلوات المفروضة ما يُعرف شرعاً بصلاة البردين؛ فما هي صلاة البردين، وما فضلها؟
مفهوم صلاة البردين وسبب تسميتها
الإطلالة على أصل معنى البردين في اللغة يساعد في كشف دلالة معنى صلاة البردين، ويعطي إشارات لسبب التسمية به، حيث يجد الباحث أنّ:
- البردين في اللغة: اسم مثنى من أصل ثلاثي، هو: بَرَدَ، والاسم منه بَرْد؛ فيقال: طقس به بُرودةٌ، أي: انخفاضٌ في الحرارة، ويقال: استبرد فلانٌ الشَّرابَ، بمعنى: وجدَه بارداً، وأبرد له: سقاه بارداً، وأبرد الطقس: دخل وقت البرد، وعلى العموم فالبرودة: نقيضٌ للحرارة، ومنه القول: ماء بردٌ وبارد وبرودٌ وبرادٌ، وقد برّده: أي: جعله بارداً، ومن استخدامات المصطلح عند العرب قولهم: أذاقك اللهُ البردين، أي: الغنى والعافية، والبردان هما: الظلّ والفيء، وفي الحديث الشريف: (من صلى البردين دخل الجنة).[٣]
- البردين في الاصطلاح الشرعي: مصطلح مثنّى من برد، بفتح الباء وتسكين الراء، هما صلاة الصبح وصلاة العصر، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى البردين دخل الجنة)؛[٤] وذلك لأنّهما يقعان في زمانين يشتركان فيه في الإبراد، فتقع صلاة الفجر في أبرد ما يكون من الليل، وتقع صلاة العصر في أبرد ما يكون من النهار بعد زوال الشمس، وقال الخطابي: لأنّهما يصليان في بردي النهار، أي: طرفيه، حيث يطيب فيهما الهواء، وتذهب عنهما سَورَةُ الحرّ.[٥][٦]
مواقيت صلاتي الفجر والعصر
للصلاة أوقات محددة شرعاً، يجب أن تؤدَّى فيها؛ لقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)،[٧] والصلاة إذا أُدِّيت في وقتها تسمّى أداءً، وإن صلاها العبد بعد خروج وقتها سُمِّيت قضاءً، وأوقات الأداء عند الفقهاء هي أوقات الجواز أو التوسعة، والأوقات التي تصحّ فيها صلاتي الفجر والعصر أداءً لا قضاء كالآتي:[٨]
إقرأ أيضا:كيف نصلي تحية المسجد- صلاة الفجر: وسمّيت باسم وقتها من اليوم، لتفجّر النور بعدها، وتُسمَّى أيضاً صلاة الصبح، وأول وقتها طلوع الفجر الثاني الصادق، ويقصد به: البياض المستطير حين ينتشر في الأفق، والفجر الأول فجرٌ كاذبٌ؛ بمعنى أنّه لا يمتد فيه البياض المستطير في الأفق، بل يطلب وسط السماء، ويظهر عادة قبل الفجر الصادق بوقت يسير، وقيل: بل هذا خاصٌّ بفصل الشتاء، أمّا آخر وقتِ صلاة الفجر فيكون بطلوع الشمس؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ووقتُ صلاةِ الصُّبحِ مِن طُلوعِ الفَجرِ، ما لَم تَطلُعِ الشَّمسُ، فإذا طلَعتِ الشَّمسُ فأمسِكْ عن الصَّلاةِ؛ فإنَّها تَطلُعُ بين قرنَيْ شَيطانٍ).[٩]
- وقت صلاة العصر: واسمها مأخوذٌ من طرف النهار؛ فالعرب تُسمِّي كلّ طرفٍ من النهار عصراً، وقيل: من العشيّ، فالعشِيّ يسمى في اللغة عصراً، وأول وقتها: إذا كان ظلّ كلّ شيء مثله، ودليله ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- من حديث جبريل -عليه السلام- للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن أول أوقات الصلوات، وفيه: (ثم جاء العصرُ فقال، قمْ فصلِّه؛ فصلَّى العصرَ حينَ صار ظِلُّ كلِّ شيٍء مثلَه)،[١٠] وأما آخر وقت العصر فيكون بغروب الشمس؛ فقد جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَن أدرَك ركعةً مِن العصرِ قبْلَ أنْ تغرُبَ الشَّمسُ فقد أدرَكها).[١١]
فضل صلاة الفجر والعصر
البردان صلاتان جليلتان، لهما من الفضل ما ليس لسواهما، وقد جاء في بيان منزلتهما، والحثّ على شهودهما نصوصٌ شرعيةٌ كثيرةٌ، ومن ذلك:[١٢]
إقرأ أيضا:بحث عن صلاة الاستسقاء- إنهما صلاتان تشهدهما الملائكة، وتتعاقب في أوقاتهما لحراسة من صلّاهما؛ يحفظونه مِن أمر الله، فلا يصيبه شيءٌ إلا بقدر؛ فيبعث الله تعالى ملكين يحرسانه من صلاة الفجر إلى العصر، وملكين آخرين يحرسانه من صلاة العصر إلى الفجر، ويجتمعون في هاتين الصلاتين، ثمّ يصعد الملكان اللذان انتهت مهمتهما إلى السماء، فيشهدون لهم شهادة حقّ أمام الله تعالى.
- محافظة المسلم على هاتين الصلاتين سببٌ من أسباب دخول الجنة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من صلى البردين دخل الجنة).[٤]
- وقت هاتين الصلاتين وقتٌ مبارك؛ فقد اختصّه الله -عز وجلّ- رزقاً لأهل الجنة؛ فقال تعالى: (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا).[١٣]
- جاءت البشرى للمؤمنين على لسان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالتلذّذ بالنظر إلى وجه الله ذي الجلال والإكرام يوم القيامة مقروناً بالحثّ على أداء هاتين الصلاتين، فقد ثبت في الصحيح قوله عليه السلام: (إنكم سترون ربَّكم كما تروْن هذا القمرَ، لا تُضامون في رؤيتِه، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاةٍ قبلَ طلوعِ الشمسِ، وصلاةٍ قبل غروبِ الشمسِ، فافعلوا).[١٤